عبد الله العليان
منذ ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، والحديث لا يتوقف من مسألة التجديد في الفكر الإسلامي وضروراته، وتحولاته في عصرنا الراهن، والربط بين قضية التطرّف والعنف والتجديد في الإسلام، دون أن يستوقفوا ما إذا كان هذا العنف والتطرف هو بسبب الرؤية الإسلامية الثابتة التي دفعت البعث إلى هذه الأعمال، أم أن هذه الأفعال لها أسباباً سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها من الأسباب، لبّسها البعض بالغطاء الديني لتمرير هذه الأفكار المتطرفة، وأصبحت محيّرة بسبب ظهورها بهذه القوة والقدرة القتالية في الكثير من البلدان، ولا شك فإنّ التجديد يشكل مطلباً مُهماً للأمة في مسيرتها الفكرية لا جدال في ذلك، لكن ليس لنرضي الغرب أو نسخطه، أو نجامل جماعات التطرف أو الخوف منها، بل إنّ التجديد صيرورة زمنية لإعادة النظر فيما طرأ للكثير من الآراء التي لا تستقيم والرؤية الفكرية الإسلامية الصحيحة، وهذه تحتاج لمراجعة الكثير من المفاهيم أو التأويلات التي أدخلت على الفكر الإسلامي، وحرفّت الكثير من المضامين الفكرية التي تخالفه في نظرته للكثير من القضايا التي تمس أصول الدين من الأفهام المغلوطة، وهذا ما تمّ انحرافه من بعض جماعات التطرف، وهذا التجديد ـ بحسب د/ حسن حنفي ـ هو(حداثتنا الفكرية الإسلامية) صحيح أنّ تراجع الأمّة وتخلفها منذ عدة قرون، لا يرجع كله إلى عدم التجديد أو الاجتهاد كما يقول البعض، بل إنّ الأسباب متعددة سياسية واقتصادية وفكرية، ومنها عامل الاستبداد الذي هيمن ردحاً من الزمن على الأمة من عدة قرون، ودخل في صراعات وحروب لم تعط الأمة، إلا مزيداً من التخلف والتمزّق والفرقة، ناهيك عن آثارها الاجتماعية، مع أنّ أمتنا نهضت نهضة كبيرة في العصور الأولى، وأسست حضارة شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء، فالإشكالية كما نعتقد تعود إلى الأفكار الخاطئة التي ساهم الاستبداد بشكل كبير في ركون الأمة إلى أوضاع سلبية، تراكمت وتضخّمت وأصبحت أحد المعوقات الكبيرة للتراجع وعدم التقدم والنهوض، وهذه بلا شك لا تعبر تعبيراً صحيحاً عن هذا الدين وقيمه، ونظرته إلى الحياة التي تحتاج إلى العمران، كما أشار إلى ذلك العلامة ابن خلدون.
وعندما طرحت حركة الإصلاح الديني، ضرورة التحديد والاجتهاد، لإصلاح الفكر الإسلامي والنهوض به، وإيجاد السبل للنهضة لمواكبة تقدم الدول الأخرى، كانت الدولة العثمانية في رمقها الأخير من الضعف والتخلف، بسبب الحروب التي دخلت فيها، ولا ناقة لها فيها ولا جمل، وأقصد بالحربين العالميتين ( الأولى والثانية)، وهي في الأصل حروب داخلية بين الأوروبيين أنفسهم على المصالح والمغانم، مما جعلها تخسر قوتها ومكانتها وخسارة الدولة نفسها أيضاً بعد ذلك، وهذا بلا شك أسهم في تخلف العرب أيضا بحكم أنّهم كانوا جزءاً من هذه الدولة، وهذا ما أتاح الفرصة للاستعمار لتكريس التخلف وإعاقة التجديد الذي اطلع به علماء الإصلاح ومفكروه، في أوائل القرن الماضي من أمثال الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وغيرهم من المجددين والمصلحين، والإشكالية أن الدولة العربية التقليدية التي قامت مع فترة الاستعمار، قطعت معظمها الصلة الوثيقة بالفكر الإسلامي، وتبنّت، ثقافة المستعمر الذي قام بفرض التغريب من خلال الجامعات والكليات التي اعتمدت القطيعة مع الفكر الإسلامي ورفض محاولة تجديده، تحت مقولات أنّ هذه الثقافة ماضوية، وهي ليست لعصرنا، وهو مجرد تراث فقط للمعرفة، وركز الاستعمار على تعميم هذه الثقافة من خلال بعض النخب الفكرية التي سماها د/ أنور عبد الملك بـ (العملاء الحضاريين للغرب)، صحيح أنّ المؤسسات التعليمية العربية الإسلامية، أصابها الجمود والتأخر، لقرون مضت، وانغلقت على نفسها من خلال البقاء على علوم الأوائل دون التجديد في فهمها، أو التفاعل مع العصر ومقتضياته وتحولاته الكبيرة، مما جعل الأجيال الجديدة، تتطلع إلى ما هو جديد من علوم العصر ومتغيراته، وهذا ما وجد المجال للاختراق الفكري والثقافي للنخب الفكرية المتغربة أن تنجح في التمدد في الكثير من المؤسسات العلمية والثقافية العربية، وترسيخ قدمها في تبني هذه الثقافة، والشيء الذي يدعو للأسف أن حركات الإصلاح والتجديد في أوائل القرن الماضي، واجهت الصد والتهم بالعمالة للأجنبي لتنفيذ مشاريعه لتقويض الدين عندما طالبت بإصلاح المؤسسات الدينية والفكرية لتقليص الفجوة بيننا وبين الغرب، ونقد الاستبداد الذي لا شك يتحمل المسؤولية الأكبر في أوضاع الأمة، وهذا أحد الأسباب التي جعلت البعض من المفكرين والمجددين، ينكفئ على نفسه، ويتوارى من المشهد، مخافة أن يتهم في دينه أو عقله.
ولاشك أنّ مفهوم التجديد، كل يفسره حسب فكره في هذا العصر، حتى أن بعض المؤسسات الغربية، تتحدث عن إصلاح الفكر الإسلامي أو تجديده وفق الرؤية الغربية، أو التفسير الليبرالي للدين، وقبل ذلك تحدث بعض اليساريين العرب ما سموه بـ (اليسار الإسلامي)، وكلها دعوات لا تخلو من توجهات فكرية للاختراق الثقافي، والإشكالية الخطيرة في فكر هؤلاء ـ كما يقول د. رضوان السيد ـ أنّ الذين يدعون التجديد اليوم "لا يجتهدون في ابتداع طرق أفضل بل يحاولون التخلص من الإسلام كله. تارة بالقول إنّهم يريدون تطهيره من الخرافات والأساطير بالعودة إلى الينابيع، وطوراً بالقول إنّ جمود الفقهاء يجمد الإسلام ولا بد من التخلص منهم فيتجدد الدين".
وهذا مبعث توجس من هكذا تجديد، إن أراد البعض تمريره دون محاذير، والذي لا يراعي أسس هذا التجديد وأهدافه الحقيقية، فالتجديد هو كمفهوم تجديد فهم العقول وليس تجديد أصل الدين، وإزاحة مما أدخل عليه من التصورات غير الصحيحة، وهذا ما جاء في الحديث الشريف:(إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، أو أمر دينها).. وللحديث بقيّة: