مقاطع من رواية "بيت السودان"

...
...
...

محمد حيّاوي – شاعر وكاتب - العراق

 

(1)    من حديث دكتور رياض إلى ياقوت:
نظرتُ إلى ياقوت التي أطرقت خجلاً لوهلة قبل أن تقول:
ـ يا لنبلك عزيزي دكتور رياض، أنا متأكدة إن ما قلته من تأليفك، أشكرك على أيّة حال..
ـ أبداً.. هذا الحديث موجود في الكتب لهذا يبحث الناس عن الياقوت ويدفعون أموالاً طائلة للحصول عليه، بينما أنعم الله علينا بنعمته فجعلنا نتمتّع بياقوتة ثمينة تجلس معنا وتتحدث إلينا بتواضع وطيبة، ثم ترقص لنا فتذيب القلوب من فرط سحرها وجمالها.. أنت قريبة جداً من الله يا ابنتي.. فهو موجود في قلوب المحبين الصادقين من عبادة.. وما الرقص في بيت السودان الذي ترفعين عماده بيدك الضعيفة المجرّدة سوى طقس ديني تخالطه بعض معتقدات متداخلة وطرق صوفية.. وقد كان لقمان الحكيم أسمر البشرة أيضاً والجاحظ كذلك..
ضحكت ياقوت وقالت معلّقة:
ـ يا لوسع حيلتك يا دكتور.. أنت تروي لنا هذه القِصصَّ الغريبة كي تلهينا بها وتشغلنا عن قِصَّتك التي نتحرّق لسماعها..


(2)    من حديث ياقوت إلى علاوي:
ـ أشششش.. أنت لا تفهم.. ثمَّة أمور لا تفهمها.. لقد ربيتك في حضني مذ كنت طفلاً صغيراً.. فكيف أسمح لنفسي بمعاشرتك كما لو كنت رجلاً غريباً.. أنا أحترق من داخلي يا عزيزي.. وأموت عشرات المرات في اليوم لهفة عليك.. أريد أن أدخلك كلك في جسدي وأتوحد معك.. ليتني أستطيع أن أدخلك وأرتاح من هذا القلق واللوعة التي تطحنني..
ـ لكنك لست أمي في النهاية.. وأنا رجل ناضج الآن وأنتِ امرأة ناضجة في قمة أنوثتك وتفتحكِ والفارق في السن بيننا ليس كبيراً كما ترين.. فلِمَ تكتمين رغباتك وتعذبينني معكِ؟.. لقد صرت معطباً بحقّ.. أنا لا أستطيع النظر إلى أيّة امرأة أخرى من دون مقارنتها بكِ، لا توجد امرأة في الدنيا تضاهي أنوثتك وجمالك وقوتك وحضورك ورقّتك.. ألا ترين المحنة التي وضعتني بها؟.. ألم تعطفي عليّ وتريحيني من هذا العذاب الذي أنا فيه؟..
ـ يا حبيبي.. يا صغيري الغالي.. ليأخذني الله إن كنت عذّبتك عن قصد


(3)    من حديث الخسف:
شارفنا على حافّة الخسف المهول ورحت أتطلّع لمنظر النساء اللاهيات في عزلتهن الباردة. كُنَّ نائمات في قيلولتهن باستثناء واحدة تُعلّق عنقوداً من العنب بيدها وتلتقط الحبّات الطريَّة بشفتيها اللتين تندتا بالعصير القاني، وما أن رأتنا حتَّى ألقت العنقود جانباً ونهضت مُتطلعة وراحت تلوّح لنا بفرح من بعيد، وفجأة وضعت الفتاة ذراعها حول رقبتي وقالت بدلال..
ـ أولئك نحن.. أنظر إلينا كم نحن جميلات.. هل عرفتني من بينهن؟ احزر.. أيّهنّ أنا من بين أولئك الفتيات السبع؟  إن حزرت سأعطيك قبلة من فمي..
تطلّعت إلى وجهها الأسمر، كان ناعماً وذا لون ذهبي يتقاطع على صفحته خطا حاجبيها الطويلين وانفها المستقيم، وكانت ابتسامتها مهادنة وشفتها العليا الممتلئة مرفوعة قليلاً كاشفة عن قواطعها البيض مما يعطيها شكلاً أليفاً.

تعليق عبر الفيس بوك