العرب ينفذون مشروع إسرائيل الكبرى 2-2

عبيدلي العبيدلي

إذا ما حاولنا المقارنة بين دور العوامل الأربعة التي أوردناها في المقال السابق في تقوية عضلات الكيان الصهيوني، مع دورها في موازين القوى في الصراع العربي الإسرائيلي، فسوف نكتشف التالي:

العامل الأول من تلك التفسيرات ذو بعد أيديولوجي، وهو انتماء البلدان العربية للعقيدة الإسلامية، إذ يعتبر العرب، لأسباب تاريخية لها علاقة بأصول الدعوة الإسلامية، إنهم حماة البيت الحرام، ومن ثم فهم، كما يفترض، الأساس لأي تكتل سياسي إسلامي. مقارنة باليهود الذين لا يتجاوز عددهم، وفي أفضل الأحوال، وحسب مصادر يهودية، وحتى بعد إضافة أولئك الذي لا يصنفون يهودا من الناحية الدينية لا يتجاوز عشرين مليون نسمة، وهو أقل من 0.5% من سكان العالم. مقابل ذلك يصل عدد المسلمين إلى ما يزيد على مليارين، أي حوالي 6% من سكان العالم، ويتوقع لها أن تزيد لتصل إلى 8% خلال العشرين سنة القادمة. ولكيلا يأتي من يقول أنّ نسبة عالية منهم تقع في بلدان تعيش شعوبها تحت خط الفقر، تكفي الإشارة إلى أنّ نسبة المسلمين في القارة الأوروبية سترتفع من 6% في العام 2010 إلى 8% في العالم 2020. محصلة ذلك أنّ الكفة تميل لصالح العرب، على حساب اليهود، عندما يتعلق الأمر بالتعداد السكاني. وللعلم يبلغ سكان العالم العربي ما يقارب من 400 مليون. يشكل المسلمون الغالبية العظمى منهم. في اختصار يتفوق المسلمون، وفي القلب منهم العرب، من حيث العدد السكاني، والانتشار الجغرافي، على المستوى العالمي بشكل ملموس على اليهود. لكننا بدلا من توحيد كلمة الإسلام والمسلمين تحت راية القدس مزقناها تحت أعلام الصراعات المذهبية، وهو ما ساعد مشروع الكيان الصهيوني على ترسيخ معالم "دولة إسرائيل الكبرى".

العامل الثاني هو عامل المال، ولا حاجة لنا هنا العودة للتاريخ، فربما يكون ذلك لصالح الطرف اليهودي، لكننا لو توقفنا عند مطلع السبعينيات، وعند حدوث أول ارتفاع ملموس في أسعار النفط، والثروات المالية التي تكدست لدى العرب جراء ذلك، سنرى أنّ الموازين لم تكن في صالح اليهود بالمطلق. لو أخذنا السعودية كمثال للقياس عليه، فقد ارتفعت مداخيل السعودية "من النفط من 60 مليار دولار عام 2000 إلى ما يقدر بـ 152 مليار دولار عام 2007". ولم يكن الأمر مختلفا لدول عربية أخرى مثل ليبيا والجزائر والعراق. ما يمكن قوله هنا أنّه تكدست لدى البلدان العربية ثروات مالية؛ إن لم تنجح في تجاوز الثروات التي بين أيدي اليهود فهي ساهمت في تقليص التفاوت بين الطرفين.

العامل الثالث هو السلاح، لقد أنفقت البلدان العربية، وعلى وجه الخصوص خلال الربع القرن الماضي أموالا طائلة على موازنات التسلح، ووصل الأمر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي ذروته فقد "بينت (بعض الدراسات) أن دول الخليج وقعت في الفترة الأخيرة (التسعينيات من القرن الماضي) على 96 في المئة من اجمالي صفقات الأسلحة في المنطقة (الشرق الأوسط) و(اعتمدت الدراسة على) معيارين أساسيين لقياس قوة الدول وحداثة جيوش المنطقة: الأول، مدى اقتراب هذه الجيوش من متطلبات الثورة في الشؤون العسكرية. والثاني حجم النوعية في الأفراد والعتاد والقدرة على الحفاظ على التطور". وفي حين لم تتعد موازنة الكيان الصهيوني في العام 2014 ما يقارب من 15 مليار دولار، لكنّها كانت تتصدر قائمة الدول الشرق أوسطية الأفضل تسليحًا وكفاءة، بلغت الموازنة العسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة حوالي 14.4 مليار دولار، والسعودية حوالي 56.7 مليار دولار. اقصد هنا أنّ التفوق الإسرائيلي لم يعد كما كان عليه الحال في السابق، حيث بدأت بعض الدول العربية تخصص موازنات كبيرة للإنفاق على قدراتها العسكرية وتطويرها من أجل رفع كفاءة أدائها.

العامل الرابع، هو الإعلام. حتى الإعلام، شرعت بعض البلدان العربية في تشييد إمبراطوريات إعلامية، لا تدعي أنّها بحجم نظيراتها الصهيونية، لكن لم يعد العرب، كما كانوا بعيدين علن "الماكينة" الإعلامية، بعد أن أدركوا دورها في إدارة الصراعات. وتفوقت بعض المؤسسات الإعلامية العربية، في بعض تغطيات الأحداث على نظيراتها بما فيها تلك غير العربية، على أداء منافساتها ممن يميلون في تغطياتهم لصالح الكيان الصهيوني.

السؤال هنا، طالما أنّ الأرقام تشير إلى التفوق العربي، فما الذي يقف وراء سيطرة الكيان الصهيوني على موازين القوى لصالحه، وأكثر من ذلك ما الذي يدفع العرب كي يساهموا، كما يدعي المقال، في تنفيذ المشروع الصهيوني الاستراتيجي والذي هو بناء الحلم الصهيوني وهو "إسرائيل الكبرى" التي تمتد، حسب ذلك الحلم، من النيل حتى الفرات.

السبب قد يبدو معقدا، لكننا إذا ما أردنا تبسيط المسألة، فيمكن القول أنّ ردود الفعل العربية هي التي تساهم، بوعي أو بدون وعي، بمد الكيان الصهيوني بما يحتاجه لتعزيز قدراته.

ولنبدأ بالعامل الأول، وهو العنصر البشري، ولنرجع بالذاكرة إلى العام 1948، لقد رفض اليهود العرب الهجرة لإسرائيل، لكن ما تعرضوا له من أذى كردة فعل انتقامية من لدن العرب، أجبرت البعض منهم، وسهلت الأمر على من أراد منهم، على الهجرة إلى الأراضي المحتلة. هنا ساهم العرب، بدون وعي، بمد الكيان الصهيون ما كان في أمس الحاجة له وهو السكان. بل ذهب العرب إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما شنّوا هجماتهم الإعلامية على العرب الذين رفضوا مغادرة الأراضي المحتلة، بدلا مع دعمهم كي يكونوا خنجرا في خاصرة الكيان الصهيوني.

وسنكتفي بالمرور سريعا على العوامل الثلاثة الأخرى. أما المال، فبدلا من استثماره في مشروعات التنمية وخطط التطوير، تبخرت نسب عالية من الفوائض النفطية إما في استثمارات خارجية، أو استنزفت في برامج استهلاكية لا تراكم رأسمال منتج يحقق التطور المنشود. مما وفر للكيان الصهيوني الذي كانت سياساته مخالفة لذلك مجالا للتفوق والسيادة.

وفيما يتعلق بالتسلح، اكتفى العرب بتكديس السلاح، دون الالتفات نحو بناء منظومة عسكرية متكاملة، وزاد الطين بله، أنّ تلك الأسلحة وُجّهت فوهات بنادقها نحو بعضهم البعض بدلا من توجيهها نحو تل أبيب. وهذا بدوره أتاح لهذه الأخيرة الوقت لتعزيز قدراتها الذاتية، وتشييد منظومتها الحربية المطلوبة لرفع كفاءتها بما يكفل لها التفوق على الجيوش العربية؛ بل أعطى التكديس العربي العفوي المتواصل للسلاح المبرر للعدو الصهيوني كي يقتني ما هو أشد فتكا منه.

أما الإعلام، فما زلنا نحبو في أسفل درجات سلمه التقليدي، في حين وصلت المؤسسات اليهودية النظيرة إلى قمة هرمه التقني والرقمي؛ بينما تمزّقت أوصاله في الحروب العربية الإعلامية الداخلية، وضع الإعلام الصهيوني نصب عينيه، دون أي انحراف، نحو هدف محدد واحد هو الدفاع عن، والترويج للمشروع الصهيوني الاستراتيجي.

خلاصة الأمر، أنّ العرب بوعي أو بدون وعي؛ ومن خلال سياساتهم غير المدروسة في تنفيذ مشروع تأسيس "دولة إسرائيل الكبرى" دون أن يعني ذلك الوقوع في فخ "الخوف من التفوق الصهيوني"، الذي يعود في نسبة عالية منه إلى الضعف الذي يدب في الجسد العربي، دون أن تمتد يد لوقف أسبابه.

العدو الصهيوني يعاني هو الآخر من تدهور، لكن سرعة تدهورنا تفوق سرعته.