علي بن كفيتان
لفت انتباه الكثير من المشتغلين بالسياسة بيان وزارة الخارجية العمانية الذي أوضح أنّ قرار الرئيس الأمريكي ترامب لا أهمية له وربما كانت هذه هي اللهجة الأقوى في المواقف العربية تجاه هذه الجائحة التي التهمت كل ما تبقى من قصعة قرارات الأمم المتحدة الخاصة بوضع القدس وحل الدولتين.
إن المتتبع للأحداث الجارية بشيء من العقلانية والصدق مع الذات يتلمس مدى تغير المرحلة وفي ذات الوقت يرى من بعيد آثار وتجليات السياسة المراهقة التي اختطتها قيادات متشوقة للمغامرة إلى المجهول ولا تؤمن بتراكم العمل السياسي الذي ظل سيد الموقف خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن، لقد أنشئت الأمم المتحدة على أنقاض الحربين العالميتين الأولى والثانية بعد أن أدرك المتحاربون فداحة ما أقدموا عليه من إبادة جماعية لشعوبهم وشعوب أخرى مسالمة لا ناقة لها ولا جمل، وكان الهدف هو تجنيب البشرية عملا مماثلا مع احتفاظ الدول المنتصرة بخيوط اللعبة الأممية وحق الفيتو على أي قرار.
إنّ ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي هو الوجه الحقيقي لترامب فلم تستطيع نصوص المجاملات ومساحيق الدبلوماسية أن تروّضه كما روَّضت بقية سادة البيت الأبيض، فالرجل وعد بأن يفعل وأوفى بوعده وبذلك يكون تحلل من ملاحقة الوعود المؤجلة لليهود، ويظن أنّه سيغط في سُبات عميق بعد أن عاش عاما كاملا في قلق نقل السفارة ولكي ينام ضحى اعترف بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة إسرائيل وكأنّه يقول لليهود لم يتبق شيء اذهبوا إلى دولتكم وعاصمتكم وذنبكم على جنبكم فيما قد تلاقون.
بهذا القرار انقلبت موازين السياسة وطفى إلى السطح ما كان يربط بالحجر في قاع الإناء، ولذلك تابعنا جلسة ساخنة في مجلس الأمن احتشد المجتمع الدولي بموجبها إلى جانب القضية الفلسطينية، وظهرت ممثلة الولايات المتحدة الامريكية وكأنّها من كوكب آخر حتى أنّها أردفت وبكلمات غير لائقة دبلوماسياً أنّ الأمم المتحدة تقف ضد إسرائيل متناسية بأنّها الدولة الوحيدة التي أنشئت بقرار من هذه المنظمة، كما بيّنت وبغضب بأنّه لا يمكن إبرام أي اتفاق سلام في القضية الفلسطينية إلا في البيت الأبيض، إنّ العارف بعالم السياسة قد يرى في تلك الجلسة نقاطا كثيرة ذهبت إلى الجانب الفلسطيني على حساب إسرائيل التي كشف السيد ترامب عورتها مجدداً.
كنت حريصاً أن أتسمر إلى جانب التلفاز لأرى وقائع جلسة أخرى عن هذا الحدث الجلل وهي الجلسة الطارئة لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في مقر الجامعة بقاهرة المعز، لاحظت أنّ قرار السيد ترامب جمع وزراء خارجية الدول العربية في وقت قياسي وكان الاجتماع في وقت متأخر من الليل وكل هذا يرفع مستوى السقف المتوقع للقاء لدى المتابعين والمهتمين الذين لم ييأسوا بعد من الكيان العربي الذي بات مترهلا وفضفاضاً خلال السنوات الأخيرة، الأهم في الحدث كان اللقاء على طاولة واحدة رغم غياب بعض الوزراء وتسرّب البعض الآخر قبل نهاية الجلسة.
ما يهمني كان كلمة يوسف بن علوي كونه ابن وطني والوزير المسؤول عن ملف الشؤون الخارجية في بلد ظل على تماسكه في بحر متلاطم الأمواج؛ ولعل المتابعين لاحظوا أنّ ابن علوي كان واقعياً وترجّل كلمته الموجزة واكتفى بمسبحته عن أكوام الأوراق ونصوص الخطب المنبرية التي عفى عليها الزمن ولم يعد أحد يعيرها اهتماما. إنّ بيانات الشجب والاستنكار والرفض حضرت وبشدة على طاولة العرب، واختار ابن علوي كلمات معبرة أيّد فيها إيجاد آلية عملية يكون بالإمكان تنفيذها، كما ذكر بأنّ نائب الرئيس الأمريكي قادم للمنطقة وهو لا يفضل السياحة في الشرق الأوسط المكتظ ببيانات الشجب والاستنكار وربما في ذلك تلميح بأهمية التأثير على القرار الأمريكي مجدداً، والبناء عليه لصالح القضية الفلسطينية.
لا شك بأنني وبقية المتابعين المحبين للقدس سننتظر قمة إسطنبول المقررة لرابطة العالم الإسلامي خلال هذا الأسبوع على أمل أن يستخدم السيد أردوغان حصافته ونفوذه المعهودين لصالح الشعب الفلسطيني وأن يستغل الموقف العالمي المتعاطف معهم لإعلان دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وأن تنقل جميع الدول الإسلامية سفاراتها وقنصلياتها لدى فلسطين إلى المدينة المقدسة.
alikafetan@gmail.com