لو أنك تبقى أيها الشتاء

 

مدرين المكتومية

يأتي الشتاء لنعيش الدفء في جنباته، يأتي ليسرق كل ما خلَّفه الصيف من حرارة واحتياج ويأخذ ما تبقى لنا من تراكمات الألم والحزن، تلك الحرارة التي تجعلنا نُعاني من تقلبات مزاجية وننزعح ونثور للأسباب التافهة، تلك الحرارة التي جعلتنا نشعر بالاختلاف الذي نعيشه نحن وبعض الشعوب العربية الذين أرهقتهم أيضاً حرارة الشمس فجعلتهم غير قادرين على التماسك في أحلك الظروف وأقساها على الرغم من القيم النبيلة التي يمتلكونها والتي حثَّ عليها ديننا في حين نجد أغلب الشعوب الأوروبية تعيش الحياة ببساطة ولديهم قدرة السيطرة على أعصابهم وكل ذلك يعود لعامل الطقس أيضًا.

لايعلم الكثير منِّا أن للطقس أيضا تأثيره الخاص على مختلف المستويات الحياتية، فعندما نستيقظ صباحاً لنستغل سيارتنا ونشعر بالحرارة حينها -أتوماتيكيا- نشعر بالانزعاج من أي شيء وربما نصل مكاتبنا لنخلق مشكلة دون أن نشعر، في حين أن صباحات الشتاء مختلفة تشعرنا بالنشوة والحب والاشتياق والرغبة في أن نمارس شيئاً نحبه كأن نشتري هدية لأحدهم وربما نغير مسار العمل إلى أقرب كافيه يمكننا أن نحتسي فيه قهوتنا وفي كثير من الأحيان نود أن نتشارك سعادتنا مع الآخرين حتى وإن كان بشراء فطور نأكله مع من يشاركونا المكان الذي نقصده.

الشتاء من الفصول التي نترقبها بشوق ولهفة وحين يأتي إلينا يشعرنا به فيهزنا ببرودته لنصاب بوعكة صحية وألم يجعل الواحد منِّا إما طريح الفراش أو يعاني من انزعاج بسبب عوارضه، إلا أننا سرعان ما نتخلص من تلك الحالة لنقوم بالبحث عن طريقة لنعيش بها سعادة الشتاء، تلك السعادة التي نقوم فيها بالسفر أو الخروج بالنهار وربما تقاسم ليل الشتاء الطويل مع الأصدقاء وزيارة الأقارب، كل شيء يصبح متاحًا ومرغوبًا على الرغم من الكسل الذي يخلفه الشتاء في كثير من مساءاته، والتي نجد فيها أنفسنا أقرب للرغبة بالجلوس في المنزل وتناول المشروبات الساخنة ومشاهدة الأفلام ونحن نرتدي جواربنا وملابسنا الشتوية.

كل شيء يتغير في الشتاء حتى الأشخاص يصبحون أكثر حباً لبعضهم البعض وتقبلا وتحملا ولديهم اهتمامات كثيرة، كما أنهم يصبحون أكثر قرب من بعضهم فتجد هناك تغييرا جذريا في اهتماماتهم من خلال تغيير ملابسهم واستبدال أحذيتهم بكل شيء شتوي، فالشتاء تجديد للمشاعر وللملابس وللحياة وللروتين، كل شيء يتغير وفق الطقس والموسم، فيظل الشتاء حكاية جميلة يسردها الناس بأفعالهم واشتياقهم ورغبتهم في الحياة أكثر.

 

كل ما نريده هو أن يطول الشتاء قليلاً فنحن بحاجة لهذه المشاعر الرائعة التي نشعر بها، وبحاجة إلى أن نعيش بعيدا عن أجهزة التكييف قليلاً، ونحتاج أن نرى تلك الابتسامات التي تعلو الوجوه العابسة وبحاجة إلى أن نرتشف فناجين القهوة وأكواب الشاي بشيء من السعادة، نحن بحاجة لأن نتنفس صباحات الشتاء التي لا تتكرر وأن نلقي السلام على كل من نعرف وعلى من لا يجد من يعيره اهتمامًا ليشعر بأهميته بالنسبة لآخرين، فالحياة الحقيقة والسعادة الحقيقية هي أن نتشارك كل هذه الحياة مع كل الناس الذين يستحقون ذلك.