حمود الطوقي
كلمة معالي يوسف بن علوي عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، أثناء انعقاد الاجتماع الطارئ لوزراء الخاربية العرب، كانت محور حديث الصحفيين والمثقفين والنخب العربية هنا في بغداد؛ حيث تنعقد اجتماعات الأمانة العامة والمكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي على نقل كلمة معالي يوسف بن علوي؛ حيث شهد الوسم الذي رفع في تويتر باسمه أكبر متابعة على الإطلاق، وتجاوز الملايين خلال ساعات بسيطة من نقل كلمة بن علوي على شبكات التواصل الاجتماعي.
وطغى الموقف العماني عن أقرانه في الرؤية الواقعية، وأصاب كبد الحقيقة تجاه قرار الإدارة الأمريكية بإعلان الرئيس ترامب عزم بلاده نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترافه بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني؛ الأمر الذي أثار غضبا في المجتمع الدولي، وكانت الرؤية العمانية أقرب إلى الواقعية في تعاطيها مع الأحداث، خاصة القضية الفلسطينية، التي ما زالت تعتبر محل جدال على مدار العقود الستة الماضية، رغم تذبذب وترنح مناقشة القضية الفلسطيينية في أجندة اجتماعات الجامعة العربية والمجتمع الدولي، إلا أن الرؤية العمانية ما زالت مواقفها في هذه القضية لم تتغير، وسلطنة عمان تساند القضية الفلسطينية، وأثبتت الدبلوماسية العمانية حنكتها يوما بعد يوم، بل أصبحت مفخرة للعرب والأمة الإسلامية.
هنا في بغداد؛ حيث ينعقد اجتماع الاتحاد العام للصحفيين العرب، تصدرت القدس أجندة الاجتماع، وتم إعلان دورة بغداد بدورة القدس؛ تضامنا مع أشقائنا في فلسطين، وأدان اتحاد الصحفيين العرب صراحة القرار الأمريكي، واعتبره قرارا إجراميا، يجسد الانحياز، ويمثل خرقا لقرارات الشرعية الدولية بأن القدس ستبقى العاصمة الأبدية للشعب العربي الفلسطيني ودولته المستقلة على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة من نهرها إلى بحرها. وأن أي انزياح عن هذه الحقيقة يمثل مشاركة فعلية في العدوان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وضد الأمة العربية جمعاء.
القدس ستبقى حاضرة في الوجدان العربي، وهذا ما نريد أن نعلِّمه للأجيال القادمة، ونغرس فيهم هذا الانتماء، وما رأينا من تلاحم الأمة الإسلامية والمجتمع الدولي، الذين هبوا للتنديد بهذا القرار الجائر من خلال المسيرات والاحتجاجات التي عمت مختلف أصقاع المعمورة، يدفعنا لأن نكون كشعوب عربية وإسلامية قريبين مما يدور في القدس من أحداث بين الفينة والأخرى، هذا التلاحم العربي والإسلامي سوف يُضعف ويفضح الخطة الأمريكية المنحازة مع الكيان الصهيوني، ومهما عملت الإدارة الأمريكية في التدخل ورغبتها الهمينة، إلا أن موضوع القدس سيظل خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، ويلاحظ ذلك في ردة فعل الشعوب العربية والإسلامية وحتى المجتمع الدولي في التصدي لأي قرار يمس القدس؛ فمسؤولية القدس يتحملها الجميع من صغير إلى كبير، وعلى الحكام في العالمين العربي والإسلامي الاضطلاع بمسؤوليتهم التاريخية بشكل أكبر وأعمق تجاه القدس، ويجب أن تتصدر أجندة القدس في اجتماعات جامعة الدول العربية، وليس أن تكون في ذيل المناقشات كما هو حاصل الآن.
لأن القدس للجميع، فنرى أن تلعب المنظمات الدولية دورا محوريا في الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني، الذي يهان ويقهر ويقمع من قبل الصهاينة، وهؤلاء يعملون على طمس الحقائق من خلال منع الصحفيين من تغطية جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني المناضل. عودة إلى السياسة العمانية التي لم تتخلَ عن الدفاع عن القدس، فقد رسم المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- السياسة الخارجية للسلطنة، منذ توليه الحكم؛ وذلك من خلال اشتغاله على جعل السلطنة دولة صديقة لدول العالم قاطبة، ومضرب المثل في العلاقات البينية المبنية على أسس التوافق والسلام والحوار، بعيدا عن الحروب والدمارات التي لا يدفع ثمنها سوى الشعوب ذاتها، كل ذلك بما يحقق للسلطنة وشعبها ذلك الشعور بالاختلاف الإيجابي في التوجهات، والاستقلالية في ثقافته ورؤيته، والانسجام مع حضارات العالم وثقافاته المختلفة.
ولعل أفضل ما يقال إن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- هو صانع السلام العالمي دون منافس، وهذا الفخر والإنجاز لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة حنكة وحكمة سياسية تميز بها جلالة السلطان قابوس وتعامله مع كافة القضايا سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية، بفطنة جعلت من العالم أجمع ينظر إلى جلالته كرجل السلام الأول، وصاحب فضل في حل العديد من القضايا العالقة والمعقدة، ليس لدينا متسع من الوقت لذكرها في هذا العمود، فالحديث عن مواقف جلالته -حفظه الله- تحتاج مجلدات ومؤلفات لأنها تمس الإنسانية جمعاء.
إن جلالة السلطان يؤمن بأهمية السلام -كمشروع ومبادئ- في استقرار ورخاء الشعوب، ونتيجة لهذه المبادئ الحميدة، فقد توج بجوائز عالمية كرجل السلام من الطراز الأول.
إن العالم ينظر إلى السلطنة كدولة استطاعت أن تحجز لها مقعدا في الصفوف الأمامية، ولم يتأتِ ذلك إلا بجهد وقناعة من لدن جلالة السلطان المعظَّم بأن السلام والأمن والاستقرار أمر لا بد منه؛ من أجل أن يعم الخير العالم.