الاقتصاد العالمي في 2018

علي الرئيسي

يتساءل المهتمون بالشأن الأقتصادي بمجموعة من الأسئلة حول الخيارات المطروحة للمؤسسات والأفراد في السنة المقبلة، في القضايا الاقتصادية وفي مجالات كالاستثمار، والتعليم، والعمل، وكذلك بالنسبة للخيارات المطروحة والمتوقعة للسياسات الاقتصادية. وقد يكون من الصعب توافر إجابة شافية لهذه الأسئلة، ولكن هناك الكثير من المعلومات المتوفرة، التي بالإمكان التنبؤ من خلالها بالاتجاهات المتوقعة بالنسبة للنمو والأسواق والتكنولوجيا.

وبالنسبة للاقتصادات المتقدمة، كان العام 2017 عاما تميز بتتناقضات واضحة حسب ما عبر عنه مايكل سبينز في "بروجكت سندكت"، حيث شهدت العديد من هذه الاقتصادات تزايد النمو الاقتصادي مع اضطراب وتوتر اجتماعي وسياسي محليا ودوليا؛ لذلك ليس من المستبعد في المدى البعيد تأثر الوضع الاقتصادي في هذه البلدان بالتوترات السياسية والاجتماعية، غير أن الأسواق أو الاقتصاد لا يعير حتى الآن اهتماما لهذه التوترات السياسية والاجتماعية، والمخاطر على المستوى قصير الأجل تبدو بسيطة.

فالولايات المتحدة والصين تشهدان نموا اقتصاديا متزايدا لأول مرة منذ العام 2008، غير أن هذا النمو سيشهد تحديا لاحتمال ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة. إلا أن النسب العالية للبطالة في أوروبا والطاقة الفائضة بالصين والضغوط الانكماشية السعرية الناتجة عن تطور التكنولوجيا والتنافس الدولي تستبعد تزايد معدلات التضخم على المستوى القصير الأجل؛ وبالتالي ستفضل البنوك المركزية سياسات نقدية توسعية عوضا عن القيام برفع أسعار الفائدة بصورة مفاجئة. مما يستبعد حصول تصحيح كبير في أسعار الأسهم. كما أن النمو في الصين والهند سيعمل كقاطرة للنمو في آسيا.. الاستثناء هو تباطؤ اقتصاد المملكة المتحدة نتيجة لموضوع البريكست.

بالنسبة للتكنولوجيا، خاصة التقنية الرقمية، فالصين والولايات المتحدة ستهيمنان في السنوات المقبلة على هذا المجال؛ حيث إنهما مَوْطنان لمعظم الاستثمارات في البحوث الخاصة بالتكولوجيا الرقمية، كما أنهما أكثر المستفيدين من استغلال هذه البرامج تجاريا. حيث يستفاد من الشبكات وتغطية النواقص في المعلوماتية، وكذلك ما توفره من استفادة في مجال الذكاء الإصطناعي والبرمجيات، والتي تولد كمًّا هائلًا من البيانات والمعلومات؛ حيث إن هذ البرامج ليست مفيدة بحد ذاتها فحسب، بل توفر مجالات واسعة من الفرص في بناء نماذج لفرص تجارية وإقتصادية متنوعة؛ ففي مجال انظمة الدفع الإلكتروني تبقى الصين الأولى على مستوى العالم؛ حيث تحول معظم السكان من الدفع بالنقد لتبنى نظم الدفع الإلكترونية.

ويزعم مايكل سبينز بأنه خلال السنوات المقبلة سيحتل موضوع النمو الشامل أولوية في برامج دول العالم؛ وبالتالي ستتخذ الحكومات دور أقل بروزا في النشاط الاقتصادي؛ حيث ستتصدر المشهد المؤسسات الخاصة، اتحادات العمال ومؤسسات المجتمع المدني غير الربحية، خاصة في المناطق التي تشهد اضطرابات سياسية واجتماعية، وحيث تفتقد النخب السياسية ثقة الفئات المتوسطة والفقيرة. غير أن عملية إحلال التقنية في الإنتاج وتقديم الخدمات ستتسارع؛ مما سيخلق اضطرابات حقيقية في سوق العمل، وسيفاقم من التفاوت في الدخل والثروة.

... إنَّ الاقتصاد العالي سيواجه تحديات كبيرة في الأشهر والسنوات المقبلة؛ فهناك كم هائل من الدَّين والذي يجعل من السوق في حالة عدم يقين، ويبقي النظام المالي غير مستقر نسبيا، غير أن السنياريو على المدى قصير الأجل هو استمرارية النمو وارتفاع في تقييم أسعار الأسهم العالمية وتحول القوة الاقتصادية تدريجيا من الغرب إلى الشرق.

محليا.. هناك عاملان أساسيان للمخاطر المحتملة؛ هما: أسعار النفط، والمخاطر الجيوسياسية. فرغم تحسن أسعار النفط لعوامل عديدة من ضمنها اتفاق الدول المصدرة للنفط في خفض الإنتاج، تبقى الأسعار خاضعة لعدم اليقين والتذبذب. كما أن التطورات الجيوسياسية -ومنها الاستقطاب الإقليمي في عدد من القضايا؛ من ضمنها: الاتفاق النووي مع إيران، وموقف إدارة ترامب منها- ستلقي بظلالها على التطورات الاقتصادية، إلا أن المؤشرات العامة تشير إلى تحسن في النمو الاقتصادي وارتفاع الإيرادات النفطية؛ مما سيحسن من وضع السيولة المحلية ويمنح المصارف مجالا أوسع في منح المزيد من التسهيلات المصرفية؛ مما سيؤدي لارتفاع في معدل الائتمان الخاص. وسيشهد عام 2008 ارتفاعا في معدلات التضخم نتيجة عوامل عديدة؛ من ضمنها: فرض ضريبة القيمة المضافة وارتفاع أسعار المحروقات. وستبقى مؤسسات التقييم والتصنيف العالمية كموديز، وإس.آند.بي، تراقب تطورات الدين العام والعجز المالي والخارجي. أما بالنسبة للتكنولوجيا والتحول إلى آليات الدفع والتسوق الإلكتروني فسيكون التحول والاستفادة مستمرين، لكن ببطء؛ نتيجة عوامل عديدة؛ من ضمنها: بطء وارتفاع أسعار خدمات الاتصالات والإنترنت، وعدم اكتمال التشريعات واللوائح المنظمة.

الأكثر قراءة