ثقافة الأطفال: الأهمية والمضامين والأدوار (2- 2)

د.عامر العيسري – سلطنة عمان


من أهم سمات الثقافة المطلوبة في عمليات تنشئة وتثقيف الطفل : استجابتها لنمو الطفل وتلبيتها لاحتياجاته في التعبير والاطلاع والابداع وتوافقها مع خصائص الطفولة وطبيعتها  ، وكذلك قدرتها على الاسهام في جعل الطفل عضوا فاعلا في المجتمع وتساعده على  التكيف مع الحياة الاجتماعية ومطالب التطور والتغير ، وتساعده على وعي القيم والسلوكيات والاتجاهات الإيجابية وتعينه على التعود عليها ، كما تساعده على تحقيق حياة متقدمة تتسم بالتنمية السليمة في جميع الجوانب  .
ويمكن تحديد أثر الثقافة في الطفل من خلال ثلاثة جوانب رئيسة هي : تكوين شخصية الطفل : حيث تتحدد شخصية الطفل من خلال ما يكتسبه من عناصر الثقافة في مجتمعه ، وكذلك تحديد أنماط سلوك الأطفال : فالطفل يحس ويدرك ويستجيب ويعمل بطريقة تحددها عناصر الثقافة التي يحيا فيها ، إضافة إلى تطوير جوانب النمو المختلفة لدى الطفل  : فللثقافة أثرها في أوجه النمو المختلفة للطفل كالنمو العقلي واللغوي والانفعالي والاجتماعي ، وعند تصميم أو بناء المواد التعليمية للأطفال لا بد أن نضع في الاعتبار المصادر التالية : احتياجات الطفل : ومنها العمليات العقلية والخبرات الاجتماعية التي يستخدمها في حياته اليومية بالإضافة إلى مساعدته على التكيف مع مواقف الحياة وعناصر الثقافة ، وأيضا طبيعة البيئة والمجتمع : من خلال تبسيطها للطفل وعرضها بصورة وظيفية مفيدة في حياته اليومية ، إضافة إلى المواقف الحياتية اليومية : وذلك بأن تقدم للطفل المعارف والمهارات والاتجاهات المرتبطة بالثقافة الحياتية.
وتتعدد أسباب عزوف الأطفال عن اكتساب الثقافة والمعرفة فقد تكون الأسباب أسرية أو مجتمعية, فيما يلي بعض الأسباب التي تحول بين الطفل و اكتساب الثقافة: قلة الدافعية لدى الأطفال في اكتساب الثقافة بسبب غياب الوعي بأهمية المكتبات والمتاحف العلمية وغيرها في تنمية ثقافة الطفل ، وكذلك غياب الدعم المادي والمعنوي في عملية تشجيع الطفل على القراءة الحرة بصورة مستمرة إما لعدم وجود القدوة الحسنة في الأسرة والمدرسة أو بسبب ضعف المتابعة والتوجيه ، وكذلك عدم تهيئة المنزل بالوسائل التعليمية المتنوعة وجمود المكتبة المنزلية من أسباب اعتزالها فلا نضيف إليها المفيد ولا تمتد لها يد التجديد ، ومن أسباب العزوف عن اكتساب الثقافة  الجهل بإمكانيات وميول الطفل ، وعدم التمييز بين القراءة الحرة وعمل الواجبات المدرسية ، فحل الواجبات المدرسية لا يغني عن تحديد فترة للقراءة الحرية يوميا ، وكذلك ندرة المكتبات العامة الثرية المتجددة المعنية بالطفل ، وابتعاد وسائل الإعلام السمعية والبصرية عن دورها التوعوي والثقافي ، وكذلك الاستغلال السلبي لوسائل التكنولوجية الحديثة (الهواتف النقالة, والحاسب الآلي....) نتيجة غياب الوعي التربوي ، وقلة الاهتمام باللغة العربية؛ فاللغة جسر أساس لبناء الثقافة الأصيلة .
كما تتعرض عملية تشكيل الهوية الثقافية للطفل العربي الى عدة إشكالات أثناء عملياتها المختلفة لإدماجه في ثقافة المجتمع ويمكن أجمالها بالاتي :
- عدم تناغم وعدم انسجام وتفاهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية في انتقاء وسائط ثقافة الطفل العربي و عدم ملاءمتها لحاجات نموه في هذه المرحلة العمرية الحرجة .
- انفتاح بعض الدول العربية على الثقافات المختلفة مع غياب الاستراتيجية الموحدة في التنشئة الثقافية جعلت أجيالنا تتشكل على وفق رؤيتها إذ أضحت ثقافة الطفل العربي خليطا من ثقافات شتى ربما أفقدته هويته وانتماءه . - غياب الاستراتيجية العربية الموحدة لثقافة الطفل العربي ،مما جعل التخبط والارتباك يبدو وكأنه السمة البارزة في هذا المجال .
- اقتصار مؤسسات التنشئة الثقافية على المؤسسات التعليمية ابتداءً من الروضة وحتى الجامعة مما نقل أمراض هذه المؤسسات وتخلف أساليبها العلمية والتعليمية الى ثقافة الطفل .
- الأهمية المتزايدة التي تعطي للحياة الفردية الخاصة وانعكاساتها بالتالي على حياة الأسرة العربية وما تولده من وهن في العلاقات بين الزوجين او بين الأبناء والإباء وبما أدى الى تنمية ازدواجية الثقافة بين عشق الحرية الفردية وامتلاك الأخر الى  حد إلغاء شخصيته .
- ما تزال الأسرة العربية تعامل الطفل وكأنه اضعف حلقات الأسرة وليس الكنز الكامن لمستقبلها ، كما نلاحظ تقوقع بعضها الأخر على الذات وضعف الانفتاح على العالم وما نتج عنه من تخلف الإبداع وجموده نتيجة عدم الانفتاح و التفاعل مع التجربة العالمية .
 وهناك عدة مصادر تنبثق منها الثقافة بشكل عام وثقافة الطفل خاصة أهمها : المجتمع وفلسفته التي تعتمد على نتاج عدة معطيات مثل التاريخ والتراث والدين واللغة ، ومن المصادر أيضا الفرد واحتياجاته المادية والنفسية والعقلية والاجتماعية ، وكذلك طبيعة العصر فمتطلبات العصر اليوم مختلفة في كثير من الأوجه عن القرون الماضية حيث بدأ الاحتكاك الثقافي يزداد حِدة سلباً وإيجاباً بين الشعوب وهذا ينعكس بطبيعته على عالم الطفل أينما كان، ومن مصادر الثقافة كذلك الاستفادة من ثمار العلوم الإنسانية الطبيعية.
كما إن هناك مصادر أخرى متعددة يكتسب منها الطفل ثقافته فمصادر ثقافة الطفل تتمثّل على سبيل المثال في الأسرة، والجيران، والمسجد، والمدرسة، وجماعة الأقران، ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، والمرئية ويتصدّرها التلفزيون، وأدب الطفل، والوسائط الحديثة للتثقيف ، فالميل إلى القراءة، والمشاركة في الأنشطة الثقافية المحلية والوطنية، وحضور المحاضرات والندوات الفكرية، والمساهمة في المسابقات، وممارسة الحوارات الفكرية داخل الأسرة، ووجود المجلّة والكتاب والصحيفة اليومية وانكباب أفراد الأسرة عليها.. كلها عوامل ذات تأثير إيجابي في تنمية الوعي الثقافي لدى الطفل، وكذلك تساعد على النموّ السليم والتنشئة التي تسمح بسرعة التكيّف الاجتماعي والثقافي مع الوسط المدرسي من ناحية، ومع الوسط الاجتماعي الثقافي من ناحية أخرى، و سنكتفي هنا بالحديث عن ثلاثة مصادر أساسيين من مصادر التربية والتثقيف وهي: الأسرة، المدرسة والمسجد .
فالأسرة: هي أساس التنشئة و الوعاء التربوي والثقافي الذي تتبلور داخله شخصية الطفل تشكيلا فرديا واجتماعيا ودينيا، وهي بهذا تمارس عمليات تربوية تثقيفية هادفة من أجل تحقيق نموّ الفرد نموّا سليما… وممّا لا ريب فيه أن الوضْع الثقافي والتعليمي للأسرة يؤثّر في تنشئة الطفل وتربيته تأثيرا مباشرا، وبخاصة في سلوكه الديني والاجتماعي والثقافي ، ودوْر الأسرة حسّاسٌ وخطيرٌ جدّا يتمثل في تلبية الحاجات البيولوجية، تربية، تنشئة، تهذيب، غرْس الفضائل والقيم، إدماج في المحيط، تثقيفٌ.
ثم يأتي دور المدرسة ,هذه المؤسسة التي يعّول عليها كثيرا في عملية التعليم  الذي يعد المتغير الأساس الذي من خلاله نخلق الهوية الثقافية للطفل ونبلورها 0ويعلم الجميع ما تتطلبه هذه المؤسسة (المدرسة ) من جهود تطويرية نحثيثة سواء أكان ذلك على مستوى المناهج والمقررات الدراسية أم طرائق وأساليب التعليم والتعلم التقليدية أو على مستوى إعداد المعلم الموسوعي الذي ينبغي أن يكون مؤهلا لاستيعاب ثقافة العصر والمتغيرات المستحدثة كي ينهض بمسؤوليته في أعداد الطفل 0او يتغلب  على مستوى التقصير في تهيئة المستلزمات والمتطلبات التعليمية الضرورية ، فالمدرسة هي امتدادٌ للأسرة وتكميل لدورها في تثقيف الطفل، وهي تُكْسبه قيما إيجابية تؤهّله ليكون فردا عاملا مؤثّرا في مجتمعه ، وتُعتبر المدرسة مؤسسة اجتماعية ثقافية من أهدافها إعداد الفرد كي يكون مواطنا مستنيرا قادرا على القيام بدوره الثقافي تجاه نفسه وتجاه المجتمع، والإسهام في دفعه نحو الرقيّ والتحسّن في عصر يتميّز بالتطوّر السريع في جميع مجالات الحياة، ممّا يتطلّب كفاءات ومهارات لدى الأجيال الجديدة لكي تستطيع مواكبة ما يطرأ من تغيّر وتحديث ونموٍّ لا يتوقف ، والمدرسة بتشكيلتها المعروفة من مدرس وإدارة ومبنى ومرافق وكتاب مدرسي ووسائل تعليمية، وفضاء للتعليم والتعلّم مع الرفاق، تستطيع أن تفعل الكثير، ففيها يكتسب الطفل المعارف، ويتقن المهارات، ويتشرّب القيم السلوكية التي تساهم في تشكيل شخصيته ، ثم إن للمدرسة أثرها البين في شخصية الطفل لأنها المؤسسة التي تقدم للمتعلمين ثقافة منتظمة ذات محتوى وأهداف محددة ، وتكون المجال الأول الذي يهيئ له جوا اجتماعيا حقيقيا يختلف عما هو في الأسرة .
أما المسجد فهو من أهمّ مصادر ثقافة الطفل، حيث يتعلم منه التقيّد بالمواعيد والانتظام في الصفوف، واحترام الكبار والسلام عليهم، والتعرّف على الجيران وتفقّدهم، والمساواة والعدل بين جميع أفراد المجتمع، والاهتمام بالطهارة من نظافة الجسم والهندام، وتعلّم التلاوة السليمة وحفظ كتاب الله، وتشرّب المبادئ الروحية، والارتباط الدائم بالله عزّ وجلّ، والانقياد للقيادة المسجدية، ومراعاة آداب الطريق والمشي باحترام وسكينة. وفي ظلّ وجود المدارس النظامية وتعدّد وسائل المعرفة وسهولة الحصول على المعلومات من مصادرها المتنوّعة، نجد أن دوْر المسجد بالنسبة للأطفال قد تقلّص بشكل واضح، ولم يعد يقوم بالدور الذي كان يؤديه في السابق.. لذا في اعتقادنا ينبغي التعاون بين الأسرة والمدرسة والمسجد من أجل تحقيق نوع من التكامل ما بينها، فإذا كانت المناهج التعليمية في مادة التربية الإسلامية توازن ما بين محاور القرآن الكريم، الأحاديث النبوية، العقيدة، العبادات، السلوك الأخلاقي، من المفترض أن يركّز المسجد على تحفيظ القرآن الكريم للأطفال والطّلاّب بصفة أساسية في العُطل، لأن ما يقدم منه في المدرسة يقتصر على السُّور القصار، وعلى الآيات ذات الأحكام.
فثقافة الطفل مجالها واسعٌ جدّا ولا ينحصر في المصادر التي ذكرناها آنفا ، بل هناك المكتبات العامة والخاصة، والنوادي العلمية، والجمعيات الثقافية والشبابية، والمتاحف، و وسائل الإعلام المختلفة، وقاعات تعلّم الحاسوب، وقاعات الإنترنيت وغيرها من وسائط التكنولوجيا التثقيفية في هذا العصر الحديث.

د. عامر بن محمد بن عامر العيسري
sebawaih2000@hotmail.fr

تعليق عبر الفيس بوك