"أبناء السندباد" ونداء المجهول

 

مدرين المكتومية

طوال التاريخ، حظيت الشخصية العمانية بصفات وملامح مختلفة، بتمسكها بالقيم النبيلة وحرصها على نشر التسامح والسلام، والتمسك بالتراث الأصيل، كل هذا سيتبارد إلى الذهن ونحن نرى الجامعة الألمانية "جيوتك"، تحتضن "ثلاثية الفيلم الوثائقي "أبناء السندباد"، بأجزائه الثلاثة: إمبراطورية الرياح الموسمية، والطريق إلى الهند، ونداء زنجبار.. المشروع الذي يعد نتاج 4 سنوات من العمل الدؤوب والاهتمام بإبراز ملامح الشخصية العمانية، التي تتسم بالأصالة والأخلاق الحميدة.

وكانت ولا تزال الشخصية العمانية محور اهتمام الكثير من شعوب ودول العالم، بقدرتها على الامتزاج مع الثقافات والهويات المختلفة، وأن تلعب دور الوسيط بين مختلف تلك الثقافات التي تطورت على مدى قرون عديدة، ويمكننا القول إن الفيلم في مُجمله يحمل رسالة هادفة، ومحاولة جادة تستحق التقدير لإبراز أهم سمات الشخصية العمانية.

العمل ينقلنا لأحداث خاضها الإنسان العماني ليثبت نفسه ووجوده بين باقي الشعوب، وليسجل وجوده في الكثير من الحضارات، فقد كانت رحلة صعبة استطاع خلالها العماني أن يصل إلى الصين، ويشق أمواج البحار الغامضة ويواجه مختلف الأخطار، متمسكاً في ذلك بإلايمان الداخلي الذي يشعر به، وبحبه للمغامرة والتشوق لاكتشاف العالم والاستجابة إلى نداء المجهول، ومعرفته الكاملة بأن الحياة تحتاج كفاحا وصبرا، تحتاج لإنسان عظيم، تحتاج لمن يسجل التاريخ؛ فالحياة لا تتمسك إلا بمن يعاندها، ولا يقف لمواجهة تقلباتها.

الجزء الأول من الفيلم -والذي يحمل عنوان "إمبراطورية الرياح الموسمية"- يقدم مدرسة الفكر الاسلامي "الأباضية"، ورحلة ركوب البحر ووصول الإسلام إلى الصين، والتعريف بطريق الحرير، وتأسيس شبكة بحرية يتم عبرها استيراد وتصدير المنتجات. أما الجزء الثاني، فهو "الطريق إلى الهند"، ويسلط الضوء على الملاح أحمد بن ماجد وآثار البرتغاليين، ونجاح ناصر بن مرشد اليعربي في توحيد القبائل العمانية. أما الجزء الثالث -والذي يحمل عنوان "نداء زنجبار"- فيقدم لنا خسارة عمان للاستقلال وتجارة الرقيق ومرحلة وفاة السلطان سعيد في العام 1856، وصراع الخلافة، واستعراض العديد من الأحداث.

كان ضروريا أن يُقدَّم الفيلم بعدَّة لغات؛ فهو للناس جميعاً؛ لأنه يتحدث عن الاختلاف بين المجتمعات وطريقة العيش بسلام، مع احترام القيم والمبادئ التي تميز الشعوب عن بعضها البعض، معترفا بأن الدين يتخلل الحياة اليومية للفرد ويمده بالقوة ليصنع من المستحيل إنسانية حقيقة لا يمكن نكرانها، ولأن الفيلم سيعرض بأجزائه الثلاثة، والتي تنطلق من اليوم وحتى يوم الجمعة، كان لابد أن نهتم بهذا المشروع الذي أفرد ثلاثة أجزاء ليحكي للعالم قصة الإنسان العماني الذي كان يعيش على الأمل، الأمل الذي لا يحتاج منا اليوم إلا القليل من التخطيط لتحقيقه، ولكنه كان بالأمس يحتاج لثمن باهظ لتحقيقه؛ كونه يعيش فيه على المجهول، المجهول الذي قد يكون نهاية حياته؛ ذلك المجهول الذي جعله يركب البحر، ويتحمل قسوة الطبيعة، ويصارع من أجل العيش والبقاء، حاملا على عاتقه نشر السلام والتسامح والتعايش رغم الاختلاف.

madreen@alroya.info