عبيدلي العبيدلي
نشر موقع روسيا اليوم (RT) الإلكتروني، نقلاً عن وكالة أنباء تاس، أن"وزارة الدفاع الأمريكية باعت في العام 2017 المالي الماضي أسلحة يقارب ثمنها 42 مليار دولار. وأوضحت دائرة التعاون الدفاعي والأمني التابعة للبنتاغون أن وزارة الخارجية الأمريكية قامت بتمويل صفقات عسكرية بمبلغ 6.04 مليار في إطار برامج تقديم المُساعدات العسكرية، بينما مولت وزارة الدفاع صفقات أخرى بمبلغ 3.87 مليار، مضيفة أن الدول الشريكة سددت النفقات المُتبقية (32.02 مليار دولار). وأشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أنَّ هذه الأرقام تدل على وجود طلب كبير على الأسلحة والخدمات العسكرية الأمريكية، مؤكدة أنَّ الولايات المتحدة تقوم بتنفيذ أهدافها السياسية الخارجية ومهمات حماية الأمن القومي من خلال بيع أسلحة دفاعية وتقديم خدمات في مجال الدفاع لغيرها من الدول وكذلك تدريب عسكريين أجانب".
وكما يبدو مما تتناقله وسائل الإعلام عن تقارير مؤسسات موثوقة، فإن هناك رواجا متزايدا لهذا النوع من التجارة التي باتت أسواقها تعرف توسعًا غير مسبوق سواء على مستوى عدد الدول التي تتسابق إلى شراء أكبر كميات ممكنة من الأسلحة، أو بين تلك التي باتت لا تكف عن اقتناء الأحدث منها، بغض النظر عن أسعارها التي تقترب من الخيال، ومدى حاجتها الحقيقية له.
ولو عدنا قليلاً نحو الوراء، فسوف نجد أنه في العام 2014، وكما تناقلت مواقع مختلفة على الإنترنت، نقلا عما نشره معهد أستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، الذي تأسس في العام 1966، فإن "مبيعات المعدات والخدمات العسكرية من قبل أكبر مئة مجموعة لتصنيع السلاح في العالم بلغت 401 مليار دولار، (مضيفا) أن شركات الدفاع في الولايات المتحدة وغرب أوروبا هيمنت على مبيعات الأسلحة العالمية، لكن نظيرتها الروسية اكتسبت هي الأخرى أرضية، مشيرًا إلى أنه من بين أكبر مئة شركة دفاع مدرجة في القائمة هناك 64 في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بلغ نصيبها نحو 80% من مبيعات الأسلحة العالمية في عام 2014".
وفي توضيح أكثر تفصيلاً ينوه التقرير إلى أنَّه "من بين أكبر 100 شركة، هناك 44 شركة أمريكية، 10 شركات بريطانية، 9 شركات فرنسية، و8 شركات إيطالية، و7 شركات روسية، و4 ألمانية، و5 كورية جنوبية، و3 إسرائيلية إلى جانب شركات كندية وبرازيلية وأوروبية أخرى".
لكن في مطلع العام 2016 بدأ الدب الروسي، كما توصف موسكو، يحاول، وكما تشير بعض الدراسات، يحاول أن يلقي بثقله "في سوق السلاح العالمي، (حيث باتت موسكو اليوم) مرشحة لاحتلال المركز الأول في تجارته (السلاح) حول العالم.. وتعلن 15 مليار دولار كحد أدنى لتصدير منتجاتها.. وتراجع أوروبا يساهم في تحقيق هدفها".
وبالفعل، فقد حققت موسكو نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة في هذه السوق حيث "تمكنت روسيا من زيادة حجم صادراتها من الأسلحة خلال الفترة (2010- 2014) بنسبة 37% مقارنة بالفترة (2005- 2009) محافظة على المركز الثاني في التصنيف العالمي كأكبر مصدري الأسلحة التقليدية".
هذا على صعيد السوق العالمية المعروفة والمعلن عن التبادل التجاري العسكري فيها، لكن هناك، كما يحذر موقع سكاي نيوز، تلك السوق الرمادية التي يواجه صعوبة من يحاول "تقدير القيمة الفعلية لتجارة الأسلحة غير المشروعة، إلا أنها تقدر بنحو 60 مليار دولار سنويًا أي ما نسبته من 10 إلى 20 بالمئة من القيمة الإجمالية لتجارة السلاح في السوق العالمية والنفقات العسكرية للدول التي تتجاوز قيمتها 1.5 تريليون دولار في العام".
وكما تشير أرقام هذه السوق للعام 2015، "فقد ظلت الدول النامية على رأس قائمة مستوردي الأسلحة، التي تصدرتها قطر بصفقات سلاح وصلت قيمتها إلى 17 مليار دولار، وتلتها مصر، التي وافقت على صفقات سلاح قيمتها 12 مليار دولار، في حين حلت السعودية في المركز الثالث مع صفقات قيمتها ثمانية مليارات دولار"، في حين ارتفعت مشتريات السعودية للأسلحة في العام 2015 بنسبة 50% لتصل إلى 9.3 مليار دولار".
ولتكوين فكرة عن حجم شركات بيع الأسلحة، التي تحتل نسبة عالية من العشر الأول بينها شركات أمريكية، يمكن أن نسلط الضوء على شركة "إل ثري كومينكيشنز" الأمريكية التي تصنف على أنها "واحدة من أكبر 10 متعاقدين مع الحكومة الأمريكية، ويقدر إجمالي إيرادات الشركة بحوالي 12.1 مليار دولار منها 9.8 مليار دولار لإيرادات الدفاع بنسبة 80.95% من إجمالي الإيرادات."
خطورة سوق تجارة السلاح، أنها تطورت، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فتحولت من مجرد مجموعات من منظومات حربية متفرقة، إلى منظومة عسكرية متماسكة تعمل كما أصبحت توصف، وفق نظام بيئي (Ecosystem) متكامل، يشكل تكامله مصدر قوته وكفاءته.
هذا النظام البيئي المتكامل لم يعد يقف عند حدود الحربية، بل راح يتجاوزها كي يمد أذرعه الأخطبوطية إلى دوائر صنع القرار السياسي في الدول التي تقتني أسلحته، كي يصبح في موقع يبيح له التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على قرارات تلك الدول، بما فيها تلك التي، في بعض الأحيان، لا تتماشى مع المصلحة الحقيقية، لهذه الأخيرة.
ولهذا، وفي أحيان كثيرة لا يجد المراقب السياسي سببا منطقيا لاندلاع حرب هنا، أو استمرارها وتصاعدها هناك، حيث تلعب الأصابع الخفية التي تسير ذلك النظام الحربي المتقدم في تقنياته، من أجل اندلاع تلك الحروب أو تصاعدها لتحقيق هدفين استراتيجيين:
الأول منهما الاستفادة من تلك الحروب ذات النطاق المحدود، والمتحكم في دائرتها كميدان اختبار حقيقي لمدى فاعلية تلك الأسلحة والمعدات وكفاءتها من الناحية العسكرية المحضة.
الثاني منهما، ضمان تدفق الأسلحة، ومن ثم انتعاش الاقتصاد الأمريكي من خلال صفقات السلاح الباهظة الثمن التي توقعها تلك الدول التي تنخرط في تلك الحروب.
ومنطقة الشرق الأوسط التي لم تنطفئ نيران الحروب فوق أراضيها خلال الخمسين سنة، وربما أكثر، أفضل مثال يُؤكد ما ذهب إليه هذا المقال.