سالم بن علي.. ذاكرة وطن

أحمد الجحفلي – سلطنة عمان


أحيانا لا نحب أن نصدق أن فلانا توفي أو فلانا مرض.. يحدث ذلك في اللاوعي هروبا ربما، أو ندعي للحظة أن الخبر أصغاث حلم لعلنا نصحو منه على واقع عكسي.
هل حقا رحلتَ دون أن تخبرنا؟ كيف رحلتَ ولم نشبع بعد من سماعك والجلوس معك.
لاشك أنك موجود ولم ترحل وفي ذات الوقت لا شك في الحق.. رغم أننا لسنا مصدقين أننا لن نلتقي بك مجددا على الأرض، وإنني وأنت لن نحتسي الشاي معا ولن نخرج عصرا إلى شارع المطار لأخذ جولة رياضية ولن تشدنا فجاة فكرة الإنطلاق إلى المغسيل الساعة العاشرة ليلا لاستعادة الأنفاس باحثين عن هدنة مع المدينة والمدنية  إلى وقت النوم المتأخر ونحن مصبحين على عطلة نهاية الأسبوع ولن ننسرب من همومنا اليومية لنجلس مع العود ولنجدد طاقاتنا ونسمع من بعضنا كلمة مني ولحنا منك وإن تسجلت معظم تلك الأفكار في ذاكرة الكاسيت أو الهاتف ولم ترى النور.
 هل رحلت فعلا أم نحن؟.. لا أدري.. في الوعي  أنت من غادر.. لكن في اللاعوى أظننا نحن من رحلنا عن الوطن وبقيت أنت بجانبه فلا تستطيعان مفارقة بعضكما.
لم تكن يوما غريبا فينا بل وطنا بحجم الحب بحجم الجمال والسلام والتاريخ والأصالة.
لقد عشت جبلا رابعا شقيقا لسمحان والاخضر والقمر فاتزن بعطائك وطنا ممتدا واستقر في كنف أغانيك مكللا بالأنفة والعزة والمجد، مترعا بالقيم والنبل والخير.
لم تغادر إلا وقد غرست ورويت فينا الإنتماء والولاء والوفاء لعمان وان رحلت جسدا فحتما لن ترحل روحا.
ستبقى للتاريخ صفحة مضيئة في سماء الغبيراء تضيء أرضها وتمخر عباب بحارها كسفائن أجدادك العمانيين.
لا زلت غير مستوعب فكرة أنك رحلتَ وإن كنت أعلم أنك راحل؛ بل كنت مستسلما للفكرة منذ شهور قليلة خاصة مع عودتك الأخيرة للعلاج خارج الوطن رغم تواصلي مع ابنك أمير وتواصلي النادر معك، ذلك لمعرفتي أنك لن تستسلم رغم علمي بإيمانك القوي بالغياب الأبدي.
أخي سالم بن علي لعلك لا تعلم أنك خلقت لتكون محبوبا بهذا القدر لكن صدقني القدر كان يعلم.. هكذا صاغك الله وارتضاك أن تكون.. أن تعيش.. أن تبتسم.. أن تتواضع.. أن تكون إنسانا حقيقيا وأنت تحمل وطنا بحجم عمان بين أضلعك.. بل أن تهدهده وتسمعه أغانيك صباحا وقبل النوم.
أي رجل كنت وأي إنسانية حملت.
ليتني عرفتك بالقدر الذي افترض أنني سأكون معك في رحلتك العلاجية ربما لألفت عن أنفاسك وهي ترتفع وتهبط كتابا وأنت ممتدا على سريرك الدنوي الأخير كعشتار نزل من علائه في رحلته الأخير.
 الشموس والأقمار والنجوم تنزل إلى الأرض في رحلتها الأخيرة وعظماء الأرض يصعدون إلى السماء إذ لا تسعهم الأرض فهي أصغر من قاماتهم ومقامهم.
مازلت أذكر الأيام التي جمعتنا والليالي التي آنست وحشتنا..
 أذكر كيف أمرك البيت وننطلق لنستغل ممشى المطار وكيف أن الناس تطالعني وأنا أسير معك.. البعض لا يعرفني بحجم معرفتهم بك وكأنهم يقولون وهم يرفعون أكفهم سلاما.. ترى من الذي يسير بجانب سالم بن علي.. لقد رأيت نظراتهم وشعرت بنبض أفئدتهم لحظة النظر إليك وكنت أشعر بقيمتك في عيونهم وقلوبهم.
أذكر كرمك وتواضعك وأنت تستقبلني عند عتبة الباب وكيف أقسم عليك أن لا توصلني إلى الباب لحظة خروجي.. وأذكر كيف تعزف لي بعضا من أقرب الأغاني إلى قلبي.. واذكر كيف تقول لي إنك شاعر مختلف وكنت أقول سأكون مختلفا عندما تُسمع أنت كلماتي للناس ليقرأني محبوك  من خلالك لكن يبدو أن عمرك أقصر مما كنت أتصور وأن وظهوري معك كان في الوقت المتأخر.
اليوم لم يبقى في الذاكرة غيرك وانت تغيب كشمس مرهقة فضلت الأفول فتركتنا وتركت ظلمة ممتدة.
لك الله يا أبا هشام.. لك أبجدية السلام والاستقرار والمغفرة ولأم هشام وأولادك وبناتك وأهلك ولنا الأجر والصبر.
عظمَّ الله أجر الوطن و"إنا لله وإنا إليه راجعون"

تعليق عبر الفيس بوك