مدرين المكتوميّة
هناك نهايات هي ميلاد لبدايات جديدة، ولكنّها تظل صعبة التقبل؛ خاصة وإن كانت البداية التي تتبعها ستكون متأخرة أو في علم الغيب، النهاية أمر متوقع في الكثير من المسائل الحياتية التي نخوض فيها، كالسفر والعمل والدراسة التي تتبعها بدايات لأشياء جميلة، ولكن هناك أيضا نهايات حتمية كانتهاء علاقة ما أو رحيل أحدهم للأبد للقاء ربه.
ولأنّ النهايات تصعب علينا فغالبا نتعمد ألا نفكر بها قبل حدوثها، ونعمل على الاستمتاع ببداياتها الرائعة وإعطاء أنفسنا فرصة لتحقيق ما نريد منها لنصنع منها نهاية رائعة ومبهرة، والتفكير المزمن في كيف سينتهي كل شيء، هذا يعني أننا سنضيع كثيرًا من الأوقات من حياتنا في قلق دائم؛ قلق البداية وقلق حول القادم، وليس من السهل تفادي التفكير في القادم لكن الانغماس في القلق هو ما ما قد يمنعنا من الاستمتاع بالحاضر.
في حياة كل فرد منا تجارب خُلّد الكثير منها لتعيش معه كل محطات حياته، وأخرى عاش فيها فرحة تتويج النجاحات التي كان يريد، في حين أنّه ودّع الكثير منها بحزن وفشل، لكنّها خلفت دروسًا مستفادة للكثير من التجارب القادمة التي ينوي الخوض فيها، ولأنني أتحدث عن النهاية فإنني أود أن أخبركم أن النهاية ليست أمرًا بذلك السوء بل على العكس في كثير من الأحيان تختبئ وراءها نعمة نترقبها ونتمناها، ونود أن نراها كفرحة الارتباط بمن نحب وكلقاء مسافر بعد غياب طويل وكانتظار طالب لشهادة تخرج وكتسجيل فارق في الحياة وتكوين أسرة رائعة، كل ذلك يأتي في اللحظة التي ينتهي فيها ما نحن عليه لنبدأ مرحلة أخرى وجديدة قد تكون خاتمة لكل الأشياء السابقة.
وحين نُسطَّر النهاية علينا أن ندرك حجم الثمن الذي دفعناه وقدمناه قربانا لنصل إلى الفارق الذي نحلم به، وعلينا أن نفكر ألف مرة في كل خطوة سنخطوها، سواء كانت للأمام أو للخلف فجميعها تحتاج منا إلى جدية، وإن أمكننا التريث سيكون ذلك أفضل فأحسن القرارات هي تلك التي تأتي بعد تفكير متأن ووقت، أمّا التي نقرر لحالة ما الاستمرار أو النهاية ونحن تحت ضغوط نفسية ففي أغلب الأحوال ستكون قراراتنا غير صائبة أو على الأقل مجحفة إمّا في حق الآخر أو في حق أنفسنا.
ذات يوم سنفكر طويلا في كل نهاية كتبناها نحن بأيدينا، وسنفكر بها بعكس ما نتوقع، وسنتمنى لو أنّ الزمن يعود بنا لنختار نهاية أخرى، وهذا ما يخلق بداخلنا إحساس الندم ومرارة الذكرى، ونظل نتساءل لو أننا اخترنا نهاية أخرى كيف كان حالنا، لكن في نفس الوقت أحيانا تؤدي نهايات إلى مسار ليس بالسوء المتوقع.
لو أننا اخترنا النهاية التي كنا نريد في يوم سابق لما كنت أنا اليوم هنا، ولما كنت أنت هناك، ولكن أحمد الله حمدًا كثيرًا فعلى الأقل أعيش في كنف عائلة تحترم قراراتي وتتركني أختار النهايات بنفسي دون تدخل، فالإيمان بأنّ المسؤولية في كل ما يحيطني من أشياء تعود بالدرجة الأولى إلى ما أختار أنا يجعل القرار صعبا لكنه أكثر تقبلا؛ لأنّ الآخرين لن يضعوا أنفسهم يوما في موضع الاتهامات بأنّهم من رسموا لبدايات النهايات التي قد لا أحب.
قرأت الكثير عن النهايات وكل ما أدركته فعلا أنّها خلاصة كل الأشياء التي نرغب بها والتي لا نرغب فيها، هي تلك النهاية العجيبة في صياغة الأشياء إمّا بطريقة رائعة ومنسجمة مع ما نخطط له، أو أنّها تأتي لتشق طريقا آخر، وما بين هذا وذاك هناك نهاية تأتي مباغتة وربما تأتي إلينا عندما نتوقف عن الاهتمام بها، لتكسر الكثير فينا وربما لتجعلنا نقف قليلا دون حراك، تلك النهايات التي قد تفقدنا شيئا نملكه، أو تؤكد تلاشي إمكانيّة تحقيق أمنية ما، أو فقدان شخص تركنا لينتقل لعالم مغاير لا يمكننا الالتقاء به أبدا، أو رحيل شريك ليكمل الطريق مع غيرنا.
وهناك نهايات تأتي على شكل سعادة ينتظرها الكثير من الأشخاص، كشفاء أحدهم من مرض مستعصٍ، وانتهاء عملية جراحية حرجة، أو زواج الابن البكر للعائلة، أو إنجاب طفل بعد سنوات من الانتظار، أو اكتشاف قد يغيّر أحوال البشرية، كل تلك الأشياء تأتي ببدايات صعبة ينتظر أصحابها تتويجها بتلك النهايات الرائعة، فلا تقلقوا أحبتي ليست كل نهاية صعبة أو أليمة تعني فشلا، وإنّما الكثير من النهايات هي بدايات رائعة لحكايات ومحطات جميلة نقضي أعمارنا لأجل تحقيقها، فدعكم من الخوف من النهاية، وانظروا لما وراءها من آفاق وأبواب جديدة ستُفتح.