سؤال في التفسير:

وقفة لغوية وبلاغية مع آية قرآنية (12)

أ.د/ سعيد جاسم الزبيديّ – جامعة نزوى

 

وبدا لتلميذي الجاد أن يستزيد معرفةً بأسرار التعبير القرآنيّ وقد أدرك جانبا منه, فسألني:ما السر في استعمال الفعل (دخل) مرة متبوعا بـ(في), ومرة مجردا منها؟ كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ (30) [سورة الفجر الآيات: 27/28/29/30].

فقلت لعلك تقصد: أمتعدٍ (دخل) بنفسه أم بالواسطة؟

فتابع: هذا ما أقصد!

وجريًا على المنهج الذي اخترناه عدتُ وإياه نستقري صور التعبير بالفعل (دخل) وتصاريفه في القرآن الكريم حتى نتبين استعمالاته, وما يكون عليه, وما يتعلق به, وكفانا (معجم ألفاظ القرآن الكريم ) الذي أعده مجمع اللغة العربية بالقاهرة ذلك فاستقرى الفعل (دخل) والمعاني التي أداها الاستعمال القرآني, فقد ورد ناصبًا ما بعده في (27) سورة، وعلى الوجه الآتي:

السورة

رقمها

الآيات وأرقامها

البقرة

2

﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾(58)

﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ﴾(111)

﴿أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾(114)

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾(214)

آل عمران

3

﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾(37)

﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾(97)

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾(142)

النساء

4

﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾(124)

﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾(154)

السورة

رقمها

الآيات وأرقامها

المائدة

5

﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾(21)

﴿وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا﴾(22)

﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ﴾(23)

﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾(24)

الأعراف

7

﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾(40)

﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾(46)

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾(49)

﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾(161)

يوسف

12

﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾(36)

﴿وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ﴾(99)

الرعد

13

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾(23)

الحِجْر

15

﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ﴾(46)

النحل

16

﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾(29)

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾(31)

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾(32)

الإسراء

17

﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾(7)

الكهف

18

﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾(35)

﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾(39)

مريم

19

﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾(60)

السورة

رقمها

الآيات وأرقامها

النور

24

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾(27)

﴿فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾(28)

﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾(29)

﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾(61)

النمل

27

﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾(18)

﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾(34)

﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾(44)

القصص

28

﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ﴾(15)

الأحزاب

33

﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا﴾(14)

فاطر

35

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا﴾(33)

يس

36

﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾(26)

الزمر

39

﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ﴾(72)

﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾(73)

غافر

40

﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾(40)

﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (60)

﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾(76)

الزخرف

43

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾(70)

الفتح

48

﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (28)

ق

50

﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾(34)

السورة

رقمها

الآيات وأرقامها

التحريم

66

﴿وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾(10)

القلم

68

﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾(24)

نوح

71

﴿وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴾(28)

الفجر

89

﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾(30)

 

وورد الفعل (دخل) متلوّا بحرف الجر (على) ست مرات, وبحرف الجر(في) خمس مرات, وبحرف الجر (الباء) مرتين, وعلى الوجه الآتي:

مع حرف الجر (على):

السورة

رقمها

الآيات وأرقامها

يوسف

12

﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ﴾(58)

﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ﴾(69)

﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ﴾(99)

الحِجْر

15

﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾(52)

ص

38

﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ﴾(22)

الذاريات

51

﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا﴾(25)

 

ومع حرف الجر (في):

السورة

رقمها

الآيات وأرقامها

البقرة

2

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾(208)

الأعراف

7

﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾(38)

الحجرات

49

﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾(14)

الفجر

89

﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾(29)

النصر

110

﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾(2)

 

ومع حرف الجر (الباء):

النساء

4

﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾(23)

المائدة

5

﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ﴾(61)

 

فأنت ترى اختلاف الدلالة بتنوع حرف الجر الذي لا يراد به المكان فجاء حرف الجرّ مناسبا للمعنى المراد(1):

فـ(دخل) + عليه = نفذ إليه.

و(دخل) + فيه = انتظم وانضم.

و(دخل) + بها = تزوجها كناية عن الإفضاء إليها(2)(الجماع(3)).

و(دخل) + به = تلبس به.

مذهب النحاة في المنصوب بعد (دخل):

 وللنحاة مذاهب شتىّ في المنصوب الذي يلي (دَخَلَ):

-        فمذهب سيبويه (ت نحو185هـ ) أنه منصوب على الظرفية (4), وهو مذهب.

-        المحققين من النحاة (5), إذْ سُمِعَ نصب كلّ مكان مختص مع (دخل), وتابعه شراح اللمع، ومنهم:

  1. عمر بن إبراهيم الكوفي (ت539هـ), ينظر: البيان في شرح اللمع، تحقيق علاء الدين  حموية, دار عمّار/عمّان, ط1, 2002م, ص208- 210
  2. وأبو البقاء العكبري (ت616هـ), ينظر المتّبع في شرح اللمع, تحقيق عبد الحميد حمد محمد محمود الزويّ, منشورات جامعة قاريونس/ بنغازي, ط1, 1994م, 1/326- 328.
  3. الشلوبين (أبو علي عمر بن محمد, (ت645هـ), ينظر: التوطئة, تحقيق يوسف أحمد المطوع, مكتبة الثقافة الدينية/ الكويت, د.ط, 1980م, ص211.
  4. وتابعه ابن الحاجب (أبوعمرو عثمان بن عمر, ت646هـ), وشارح كافيته الرضي الاستراباذي (ت686هـ) ينظرشرح الرضي على الكافية, تحقيق يوسف حسن عمر, منشورات جامعة قاريونس/ بنغازي، ط2, 1996م,1/488،492.
  5. الأشموني (أبو الحسن علي بن محمد,ت929هـ) ينظر شرح الأشموني, تحقيق أحمد محمد عزوز, المكتبة العصرية/بيروت – صيدا, ط1, 2010م, 1/415.
  6. وتابعه من المعاصرين فاضل صالح السامرائي, ينظر: معاني النحو, دار الفكر/عمّان,ط2, 2002م,2/163.

- و(سَكَنَ),ونصبت (الشام) مع(ذَهَبَ), نحو: دخلتُ البيتَ, وسكنتُ الدارَ, و ذهبتُ الشامَ(6). وقد "تقرر أنّ المكان المختصَّ هو ما له أقطارٌ تحويه(7)".

- ومذهب الأخفش الأوسط (ت215هـ) أنّه منصوب على المفعول به حقيقةً, وأنّ (دخل) ونحوها متعدٍ بنفسه(8), وبهذا يقول أبو عمر الجرمي(9)(ت225هـ), وابن خالويه(10)(ت370هـ), وأبو البقاء العكبري(11)(ت616هـ), ومن المعاصرين عباس حسن(12).

- ومذهب أبي علي الفارسي (ت377هـ) أنه منصوب على نزع الخافض, وعلى الاتساع (13)، وتابعه أبو البركات الأنباري (14) (ت577هـ), وابن مالك (15) (ت672هـ)، وابن هشام (16) (ت761هـ).

ولكلٍّ وجه متقبَّل, ولك أن تختار مما تقدّم ما ترى فيه مقنعًا في ضوء الاستعمال القرآني متّسقًا والمعنى المراد.

................................................

المراجع:

  1. ينظر: معجم ألفاظ القرآن الكريم, نشر مجمع اللغة العربية/القاهرة, مطابع الاونست, طبعة منقحة، 1989م,1/395-396.
  2. ينظرالراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن, ضبطه محمد خليل عيتاني, دار المعرفة /بيروت, ط3 ،2000م, ص173
  3. ينظر البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل, منشورات محمد علي بيضون, دارالكتب العلمية /بيروت, ط1, 1999م, ص1/208
  4. ينظر: الكتاب,تحقيق عبد السلام هارون, دار الجيل/بيروت, د.ط , 1966م, 1/35.
  5. ابن جني (ت392هـ): اللمع في العربية, تحقيق حامد المؤمن، عالم الكتب/ بيروت، ط1, سنة1985م, ص112.
  6. ابن عقيل: شرح ابن عقيل, تحقيق محيي الدين عبد الحميد, المكتبة العصرية/ بيروت- صيدا, د.ط, 2004م, 1/531-532.
  7. نفسه 1/531.
  8. نقلا عن: شرح الأشموني 1/415.
  9. ينظر: أسرار العربية، ص181.
  10. ينظر: إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، مكتبة المتنبي/القاهرة، د.ط، 1938، ص86.
  11. ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الأعراب والقراءات في جميع القرآن, دار الكتب العلمية/ بيروت,ط1, 1979م, 1/30- 32، 132.
  12. ينظر: النحو الوافي, دار المعارف/ القاهرة, ط9, 1987م,2/253.
  13. تنظر: المسائل المشكلة المعروفة بـ(البغداديات), تحقيق صلاح الدين عبدالله السنكاوي, مطبعة العاني/ بغداد, د.ط, 1983م, ص550, وعليه الزمخشرى وابن يعيش: ينظر شرح المفصل, عالم الكتب /بيروت,د.ط,2/44, والمرادي: توضيح المقاصد والمسالك إلى ألفية ابن مالك، تحقيق عبد الرحمن علي سليمان,دار الفكر العربي/ القاهرة, ط1،2001م,2/657.
  14. ينظر: أسرار العربية, تحقيق محمد بهجة البيطار, مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق, د.ط, 1951م, ص181.
  15. ينظر: شرح ابن عقيل، 1/532.
  16. ينظر: أوضح المسالك إلى ألفية ابن المالك, تحقيق محيي الدين عبد الحميد, إحياء التراث العربي/ بيروت, ط.د, 1966م, 2/51.

تعليق عبر الفيس بوك