رُؤْيــَـــــا

علي سرمد – العراق

 

منذُ ألفِ عامٍ
وأنا أُهيِّءُ نفسي للذبيحة
وما زلتُ معلَّقاً في رواقِ الضَّوءِ
أدعو الهاويةَ أنْ تُوشمني بالمحو
وأنْ تُشققَ مطالعَ الأنفاس
لأنسلخَ من ذاكرةِ الهواء وأمزِّقَ الصبرَ الجميلَ
كلَّما حاولتُ أنْ أستريحَ من سَفرِ المعنى
أسوقُ جسدي نحو الدكَّة
وأباركُ الشمسَ التي تذبحُني
 بلا موتٍ مرجَّى.

منذُ ألفِ عام
وأنا أصغي لصوتِ الملاك
وهو يرتِّلُ القتلى في فمي
ويصطفُّ بهم واحداً واحداً
راسمَا خريطةَ اللهِ مشنقةً
يدخلها العابرون دونما رؤوس.

منذ ألف عامٍ
وهذا  الحبرُ
يكبتُ أنفاسَه في دمي
 ويمطرنا  مثل غيمةٍ تزخر بالضحايا
هناك
حيث يستفيقُ الهواءُ على سجَّادةٍ ثكلى
حيث يستوي الماءُ على أُفقٍ لنا
حيث نتكوَّرُ مثل طفلٍ على رياح الخوف
حيث نستجلي عبر مآسينا مستقبلنا الموءود بالشظايا
حيث ننحني شغفاً ليأسنا الموعود.

ها أنا ألِجُ الكلمات
 في جرحي
 وأنسابُ مثلَ الفُلك
في سماءٍ مشحونةٍ بالفناء
لا مجرَّتُها في حدودي
 ولا الأكوانُ تصغي لوقعِ هشيمِ النَّارِ في جسدي
وليس لي أن أقولَ بالصمت
ما يشحذُ الذاكرة
ويرتَّبُ الكلماتُ خارجَ الأقواس.

ها هو الطريق يرسمُ ملامحَ مجدٍ آفلة
يجثو على خريطةِ الزَّمن،  
يبني بيوتًا من حطامي
ويزعمُ أنَّه الماءُ الذي سلَّ سلسبيله في جدار الكون.

كلما أوشكت أن أبلغ نافذة الهواء
أصادف رئةً
تكسو الغبار وتنفخ ريقها قرصا من حنايا الشمس في أروقتي.

وحدها الصحراء تستجيبُ لصراخِ طفلٍ تضرَّعت تحت كفيّه الغيوم غير مكترثةٍ بما تفجِّرُ الأرضُ من ينابيعٍ موؤدةٍ تخفي جريمتها تحت الرمال.
كنتُ في شكٍّ وفي قلقٍ  
 أغْلي شهوةَ الريح
وأبعثرُ الخطى في منتهاي
كنتُ في بهو السراب
أسبقُ الحلمَ تارةً
 وأسترسلُ الحواس تارةً
 وليس هناك ما يُوصِلني إلى السديم.

أنا الذي أوهمني أبي بالحب
وأورثني نصف الغياب
دون أنْ يعلمَ أنَّ الزمنَ الذي يسبقُ السيفَ
تصدأ فيه العصورُ
وتتلاشى فيه النجومُ.

ألم ترَ كيف يصفرُّ الربيع في كفِّي
وكيف تموتُ الشياطينُ عند ساحلِ الغيب
وكيف تولدُ الثكالى من أوردتي.

كنت أعرفُ أنني أموتُ جُزافا
وأنَّ الظلالَ التي تسحبني نحو الخلود
 شراكٌ لأجيالٍ لم تَفِقْ بعدُ
كنتُ أعرف أنَّني بلا جدوى أتشبثُ بخيط الرحمة
وأيُّ رحمةٍ تلك التي تدنو من حبل الوريد إلى الوريد.

يبُس الموتُ في محرابي
وتكسَّر نصلُ الهواء في خاصرتي
وشدَّني خيطُ الأساطير نحو خطيئة النسيان
فلا شمسٌ تدور
ولا أنا واقفٌ
كلانا يضمِّدُ بماءِ الضحايا جرحاً له
فعجِّل قليلا أيُّها الموت
هناك أمٌّ تنتظر سبعَ احتمالاتٍ للفقد
وجنّةً عابرةً تُجلجلُ بها الحزن
وترثي مضاجع العظام
لئلا أحلم أنا الآخر بمقبرةٍ
أشيِّدُها عرشاً لأحلامي.

تعليق عبر الفيس بوك