حاتم الطائي
تَابعتُ باهتمامٍ تصريحَ مَعَالي وزير الخدمة المدنية، صباح الأربعاء الماضي، على هامش الاحتفال بتدشين النسخة الثانية من برنامج الكفاءات الحكومية، وهو يستعرض -بتركيزٍ وشفافية- أبعادَ المُعطَى الزمني والتنموي الذي تأسَّست عليه فكرة البرنامج؛ كتأصيلٍ لرُؤى مُستحدثة تُوَاكِب المستجدَّات المرحليَّة في مجالات التفكير الإستراتيجي، والتنفيذ العملي، والقيادة الشخصية، وفق أفضل الممارسات العالمية المتَّبعة في تطوير القُدرات الإدارية؛ سواءً في التخطيطِ، أو الدِّراسة، أو التشاركية في العمل الميداني الوطني.
لتترسَّخ بذلك في مسارنا التنموي قَناعةٌ بتشكُّل مَلْمح جديد وتحوُّل واضح في دفَّة التَّعاطِي الحكومي الذي بات يخضع لمعايير أكثر استحداثًا؛ إذ باتتْ تتشكل قوالب جديدة للتركيز الإنمائي، مُؤدَّاها أنَّ تطوُّر المجتمعات لا يقتصر قياسه على حَجْم ما تحقق من عُمران، وما شُيِّد من مبانٍ ومنشآت، ولا بحجم الميزانيات والإيرادات والمصروفات فحسب، بقدر ما يُقاس كذلك بالبناء المعرفي والتأهيلي للمواطن، ومدى قدرته على المساهمة في تنميةٍ تحملُ هُويته وسمته الخاص.
وهو ما وَضَع لبناتَه الأولى، وأساسَاته المتينة، وعلَّمنا إيَّاه، مَوْلانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي أَرْسى دعائم التدريب والتأهيل لرفع كفاءة مواردنا البشرية؛ انطلاقًا من كَوْن الإنسان هو هدف التنمية الأول وركيزتها الأساسية، وضمان استدامة الإجادة في الأداء.. كنهجٍ سامٍ يتجلَّى اليوم وبوضوح شديد في خطط حكومتنا الرشيدة التي تكفل التحوُّل من نظرة "بناء المكان" إلى استشراف مُستقبل وطني شعاره "تأهيل الإنسان". وهو جَهدٌ مشكور حقيقة من فريق عمل وزارة الخدمة المدنية، وعلى رأسهم معالي الشيخ خالد بن عمر المرهون، الذي لا يألو جهدًا في صياغة موجِّهات جديدة تمس عُمق التنمية بأبعادها المختلفة.
... إنَّ الاهتمامَ المتواصل الذي تُوْلِيه خطط وبرامج التأهيل والتدريب ورفع الكفاءات الوطنية في مختلف المؤسسات، ليعكسُ في مَضْمونه الأهميةَ والنتائجَ المتوخَّاة من تنفيذها، ويَضَع أطرافَ عملية الإنتاج والتنمية أمام مسؤولياتهم؛ بما يُكافئ التغيُّرات المتسارعة في عالم اليوم؛ والتي أوجدتها ثورة الابتكار والبيانات، وما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتطورات العولمة والاقتصاد، والتغيُّرات المجتمعية التي أفرزت تحديات عديدة، وفرضت واقعاً لابد من التعامل معه والتنبؤ به، وكشفت عن مسؤوليات وأدوار مختلفة لا مَنَاص من توافرها لدى المشاركين في منظومة صُنع واتخاذ القرار؛ في خُطْوَة تُعطي إشارة واضحة على توجُّه وطنيٍّ أكيد نحو تنمية مواردنا البشرية، وتعزيز كفاءة شاغلي وظائف الإدارة العليا والوحدات الحكومية، وتمكين الكفاءات من التعامل مع التحديات المعاصرة بطريقة إيجابية، وتعزيز قدراتها على العمل ومواصلة مسيرة البناء والتطور والازدهار.
وهي تطلعاتٌ تدعمها جُملة أهداف وطنية مُبشِّرة ترمِي لإكساب قياداتنا العديدَ من المهارات المتعلقة بفهم القطاع الحكومي والتطورات في نطاق إدارة المؤسسات الحكومية ودراسة أفضل الممارسات العالمية في تحويل القطاع الحكومي إلى قطاع فعَّال ومتجاوب، وتحسين مهارات الإدارة العليا سواءً فيما يتعلق بالتخطيط، أو إدارة الأداء والمشاريع، وقيادة التغيير، وقيادة فرق العمل، وصولا لاكتساب درجة أفضل من المهارات فيما يتعلق بتبني الرؤى، والتطوير المؤسسي، وتشجيع الابتكار، وتولِّي القيادة، واستخدام مصادر المعلومات المتوفرة للحصول على المعرفة المتعلقة بتحسين الأداء بشكل مستمر.
ومن الضروري هنا.. التأكيد على أن الاهتمام الحكومي المتنامي اليوم بكوادرنا الوظيفية وكفاءاتنا البشرية، والطموحات المعقودة على مثل هكذا جهود، لا يعفي من ضرورة التأكيد على أن يُوَاكب كل هذا تقييمات شاملة ومُستقلة للنتائج والمخرجات؛ والتعامل بشفافية وانفتاح مع الأرقام والإحصاءات المقيِّمة؛ بما يضمن تحوُّلها إلى وثيقة ترسم معالم المستقبل؛ خصوصاً ونحن على أعتاب خطة خمسية جديدة تبدأ بعد عامين من الآن، تتزامن مع مُبَاشرة تنفيذ رؤية "عُمان 2040" الأكثر طموحًا لمستقبل وطنيٍّ أكثر نماءً وازدهارًا.
ويبقى أن نقول.. إنَّ تطوير قدرات كفاءاتنا وقياداتنا الوطنية سيبقى مسؤوليتنا جميعًا، يُفترض بالجميع فيها أن يضطلع بأدوار واضحة وفاعلة في الآن ذاته؛ فالحكومة تَرْسم الخطط وتضع الإستراتيجيات، والقطاع الخاص يبحث عن مسارات جديدة على طريق الشراكة الفعلية، ونحن كمواطنين نسعى لترسيخ ثقافة العمل، وإتقانه، والاهتمام بالجودة في كل مناحي الحياة، بروح إيجابية تدفع نحو تحقيق المزيد؛ إسهامًا في رَفْد مسيرة تنميتنا المستدامة.