شكرا لكل من لم يسرق

 

مسعود الحمداني

شكرًا لأؤلئك السالكين في النور، الباقين على العهد، القابضين على جمرة الولاء، الذين ما بخلوا، وما امتدت أياديهم إلى أراضي الوطن، ولا إلى مكتسباته، والذين لم يتاجروا بالوطنية، ولم يقولوا ما لا يفعلون، الذين عاشوا لأجل عمان، وماتوا في سبيل عمان، واختاروا طريقهم إلى قلب عمان عبر الحب والوفاء، ولم يخدموا مصالحهم الشخصية، ولم ينسوا في أوج مجدهم أنّ الوطن يستحق التضحية، والعطاء دون حدود.

شكرا لأولئك الشهداء الذين استشهدوا على امتداد البلاد، ذودا عن ترابه، لتبقى عمان حرّة، أبيّة، قوية كما نراها اليوم، لأولئك الذين ضحوا بأرواحهم لأجلنا نحن الذين ضل بعضنا طريقه، بينما مضى الأكثرون أوفياء لهذا الوطن الكريم، لا تغريهم المغريات، ولا تضعف عزائمهم المهاترات، الذين عملوا بصمت، ولم ينتظروا مقابلا من يد الغير، شكرا لذلك المزارع، والصيّاد، والفقير، والوطنيّ حد النخاع الذي أعطى وما بخل، وسقى الأقربين والأبعدين، وعانى كثيرا لتحيا الأجيال القادمة في كرامة وعزة وإباء.

شكرا لأولئك الوزراء والوكلاء والمسؤولين الذين ظلت أياديهم طاهرة نقية لم يدنسها المنصب، ولم تمتد أعينهم إلى ما اؤتمنوا عليه، ولم تضعف نفوسهم أمام مغريات السلطة والنفوذ، ولم يمنحوا أقلامهم فرصا ليأخذوا ما ليس لهم، وبقوا على قسم الولاء والطاعة مخلصين، غير خاضعين إلا لأوطانهم، ولضمائرهم، ولقائدهم، فلهم كل تقدير وعرفان، في زمن قل شاكروه، وكثر حاسدوه.

شكرا لكل أولئك البسطاء الذين أفنوا زهرة شبابهم وهم يبحثون عن الجمال في أوطانهم، لأولئك العاشقين لتراب عمان، المسافرين في تخومه، الجائبين أحراشه، الممعنين في العشق، الذين سكبوا عرق جبينهم على ثراه، وجاسوا في الديار ليبنوا، لا ليهدموا، وليغرسوا لا ليقطعوا، وليقوموا كقيامة الخالدين لا ينتظرون مقابلا، ولا عطاء، ولا شكرا، ولا حمدا.

شكرا لكل جنديّ، وشرطي، وطبيب، وإعلاميّ، وموظف، كلاَ في موقعه، شكرا لكل فرد قام بواجبه تجاه بلاده، سقاها بدم قلبه، ورواها بدمع عينه، وسهر لكي ينام أطفال وطنه، ووضع فؤاده في كفوف الخطر لينجز أمنا، وسلاما، واطمئنانا، ووئاما، ولم تتلوّث يديه بما لهث خلفه غيرهم، ولم تثن عزمه همهمات القوم، وهمسات المجالس، ولم تحبط همّته أخبار بعض الكبار وهم ينهشون لحم الوطن، ويشربون دم الكادحين في أقداح النعرات الزائفة، ولم يلتفتوا إلى دعوات الفاسدين لأخذ ما خف حمله، وغلا ثمنه قبل أن يفوت أوانهم، وتغرب شمسهم.

شكرا لكل هؤلاء، وأولئك، الذين لولاهم لكسدت البلاد، ولولا جهودهم لخربت الأرض، ولولا بقاؤهم على المبادئ والقيم لصارت الحياة أكثر كآبة ومرارة وسوادا، ولساد لفساد، وعمّ بشرّه البلاد والعباد، شكرا لله الذي قيّض لهذا الوطن أمثال هؤلاء الذين كانوا البقعة البيضاء المباركة في الشجرة الطيبة التي لا تثمر إلا طيبا، ولا تطرح إلا جميلا، ولا تعطي إلا الحلو من الثمرات حتى وإنْ بدا في الأفق غير ذلك.

شكرا.. لكل من لم يسرق قوت البسطاء، والفقراء، والكادحين، والحالمين..

 شكرا.. لكل من لم يسرق وطنه.

 

Samawat2004@live.com