سياسة عُمان الخارجيّة ثباتُ المبادئ ومصداقية التطبيق

سعود بن سليمان الحبسي – سلطنة عمان


منذ فجر النهضة المباركة التي أرسى دعائمها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه, والسياسة العمانية تعتمد على الثبات في المبادئ والمصداقية في التطبيق مع مختلف الظروف الاقليمية والدولية, وقد رسخت تلك المبادئ مفهوم الأمن السياسي في سلطنة عمان. والأمن السياسي هو, البعد الذي تمارس فيه الدولة إدارة شؤونها الداخلية والخارجية في مختلف المجالات السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والعسكرية, والبيئية, وبما يتوافق مع المصالح العليا للدولة. وفي ظل تعاظم وتشابك المصالح بين الدول, والمتغيرات السياسية الحادة والسريعة في هذا العصر, أصبحت السياسة وسيلة رئيسة لمواجهة تلك المتغيرات أو التكيف معها, لذلك فإن الأمن السياسي يعتبر حجر الأساس للأمن الوطني والذي يوجه باقي عناصر الأمن إلى الاتجاه الصحيح, فإذا كان هذا العنصر غير سليم فإن باقي العناصر تبقى واهنة أمام تحقيق المصالح العليا للدولة كما يجب. ويعتمد نجاح الأمن السياسي على توازن الحراك السياسي في مجاليه الخارجي والداخلي, حيث لا يجب التركيز في الاهتمام على أحدهما والإهمال أو التقليل من الاهتمام بالمجال الآخر. ويركز المجال الخارجي في الحفاظ على كيان ووجود الدولة ضد أي تهديدات خارجية ضد أراضيها وقيمها ومواردها بكافة السبل المتاحة.
وباستعراض مجال السياسة الخارجية, فإن لكل دولة من الدول لها خصائصها ومصالحها العليا, لذلك فإن السياسة الخارجية لأي دولة تعتمد على تلك الخصائص والمصالح, وبالتالي تحدد الأهداف والآليات والوسائل التي بموجبها تمارس سياستها الخارجية, وبغض النظر عن الاختلاف في نهج السياسات الخارجية للدول, إلا أن الغاية النهائية لأي سياسة خارجية هي المحافظة على الأمن الوطني للدولة. والسياسة الخارجية المثالية هي التي تتبنى أسس ومبادئ ثابتة لا تتغير مع المتغيرات الإقليمية والعالمية الطارئة إلا مع تلك التي تهدد الأمن الوطني تهديدا مباشرا لا مفر منه. وهذا يتطلب بعد نظر ودهاء وهدوء وحكمة من ناحية, واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية والالتزام بها من ناحية أخرى, بالإضافة إلى قدرة الجهاز الدبلوماسي على ممارسة وتطبيق فنون الدبلوماسية. ومن أهم  مطالب السياسة الخارجية هي نجاحها في تأمين متطلبات السيادة الوطنية واحتياجات الدولة دون الخضوع لأية ضغوط خارجية, وذلك من خلال قدرة الجهاز الدبلوماسي وكفاءته في استخدام عناصر قوة الدولة في تحديد الأهداف الوطنية وشرحها وتحقيقها, مع القدرة على إقامة علاقات إقليمية ودولية ناجحة تساعد على تخفيف الضغوط التي تتعرض لها الدولة.
وفي قراءة سريعة لبعد الأمن السياسي في سلطنة عمان بشكل عام, سنجد بأن مبادئ السياسة العمانية أخذت في الاعتبار كافة المرتكزات التي يجب أن يكون عليها الأمن السياسي للدولة, وذلك اعتمادا على الرؤية الثاقبة والعميقة من لدن جلالة السلطان قابوس المعظم حفظه الله ورعاه للمتغيرات السياسية الحادة والسريعة في العصر الحديث والتي تؤثر على الأمن الوطني. وقد تمثلت تلك الرؤية في مبادئ أساسها الثبات, والمصداقية, والوضوح.
وقد حدد جلالته السلطان قابوس المعظم حفظه الله ورعاه ملامح السياسة الخارجية العمانية في أول خطاب لجلالته يتناول فيه السياسة الخارجية بتاريخ 18 نوفمبر 1972م حيث قال" إن سياستنا الخارجية تقوم على انتهاج سياسة حسن الجوار مع جيراننا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة, وتدعيم علاقاتنا مع الدول العربية وإقامة علاقات ودية مع العالم, والوقوف بجانب القضايا العربية في المجالات الدولية. وبتاريخ 18 نوفمبر 1973م أكد جلالته حفظه الله ورعاه على تلك المبادئ قائلا " أما عن سياستنا الخارجية فقد عبرنا عن ملامح تلك السياسة في مناسبات مختلفة وأكدنا ممارستنا الفعلية لتلك السياسة على الصعيدين العربي والدولي". وفي واقع الأمر فإنه منذ فجر النهضة المباركة وعلى مدى سبعة واربعين عاما مضت يؤكد جلالته حفظه الله ورعاه على تلك السياسة من خلال معظم خطبه وتوجيهاته المتتالية.  
وقد تم ترسيخ مبادئ السياسة الخارجية العمانية بموجب المادة (10) من النظام الأساسي للدولة الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم (101/96) بتاريخ 6 نوفمبر 1996م, والتي تعتبر من المبادئ النادرة على المستوى العالم, حيث أتت جامعة لأسس ومجالات الأمن السياسي الصالحة لكل موقف وفي كل زمان ومكان. وقد ارتكزت السياسة العمانية الخارجية على " المحافظة على الاستقلال والسيادة, وصون كيان الدولة وأمنها واستقرارها, والدفاع عنها ضد كل عدوان. وتوثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل, والمصالح المشتركة, وعدم التدخل في الشؤون الداخلية, ومراعات المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة وبما يؤدي إلى إشاعة السلام والأمن بين الدول والشعوب.
لقد حافظت السلطنة على استقلالها وسيادتها وأمنها واستقرارها بكافة السبل المتاحة والأسلوب الراجح دائما هو القوة الناعمة, الأمر الذي جعلها آمنة مستقرة في عالم تسوده العديد من القضايا المثيرة للجدل, والخلافات الحادة التي تمثل بؤرا لانفجار الحروب المدمرة, كما أن فلسفة السياسة الخارجية العمانية أثبتت مستوى الثبات, والمصداقية, والوضوح, والتأثير الإيجابي أثناء تعاطيها مع الأحداث العالمية والإقليمية كافة, وبالمقابل أثبتت نتائج تلك الأحداث صحة الرؤية لعمانية لها سواء أكان ذلك برؤية مستقلة أو منسجمة مع الرؤى الأخرى التي تتفق معها. ففي الوقت الذي فيه يتم تأجيج الخلافات بين الدول وجرها للدخول في حروب مدمرة تعاني من ويلاتها الشعوب دون تمييز, تقوم عمان بجهود أصيلة صادقة لتخفيف ذلك التأجيج من خلال السعي الصادق لتسوية الخلافات بالطرق السليمة, وتمد يد العون والمساعدة الإنسانية لكافة الشعوب صاحبة القضايا العادلة. ويؤكد جلالة السلطان قابوس المعظم حفظه الله ورعاه على تلك الفلسفة بقوله " إننا جزء من هذا العالم نتفاعل مع ما يدور حولنا من أحداث بكل الإيجابية والوضوح ونكرس كل إمكانياتنا للمشاركة الموضوعية والفاعلة لخدمة قضايا السلام والتعاون على كل المستويات الإقليمية والدولية" (18 نوفمبر 1987م).  وما من شك بأن السياسة الخارجية العمانية أخذت من الفلسفة النظرية للأمن السياسي ما هو مفيد ويتوافق مع المصالح العليا للسلطنة, وصاحب ذلك تطبيق فعلي إيجابي على أمر الواقع, الأمر الذي من شأنه اكتسبت السلطنة احترام وتقدير العالم المحب للسلام لنهجها النادر في هذا الشأن, وأصبحت مصدرا ينبع منه صوت السلام والوئام لكافة شعوب العالم صاحبة الحق دون تمييز وبلا تدخل في شؤونها الداخلية. كل ذلك أدى إلى توفير المناخ الملائم للأمن والاستقرار والرخاء والطمأنينة في سلطنة عمان حاضرا ومستقبلا بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك