حديثُ الصَّمت

هالة عبادي – سوريا


(1)
بدا كل شيء على ما يرام للوهلة الأولى، لكن أسلوبه القاسي في معاقبة التمرد جعلها ترتعش، كان قلقها أعمق من كلمات الآخرين وتشجيعهم، إرهاق واكتئاب هذا ما أسلمها إليه، تمنت لو أنها فعلت الصواب بترك الأمر له، لكنها تخشى أن تبقى النتيجة خارج سيطرتها، كعادتها تتردد دائماً حتى يصبح الوقت متأخراً جداً على التصرف، لكن لابأس، لقد تم الأمر هكذا، لم تكن تجرؤ لتفعل هذا وحدها كان لابد من أن يستفزها شيء ما، وهذه المرة كانت كلماته، لقد فعلت الصواب بهذا الشأن وهي ممتنة لكلماته المشجعة لها، إنه من أغراها وهي سعيدة لأنها فعلت، تناولت ذراعه ومشت إلى البيت، تعلم أن قلبه سيملي عليه ما يجب عليه حقًا أن يفعله.
كانت تلح كثيرًا، حتى تبرم بإلحاحها، لقد بذلت كل جهد للسيطرة على ذلك، وها هي تهدأ أخيرًا لتراقبه كيف ينجز الأمر، انهالت كلماتها عليه بتوسلٍ سريعٍ ملح وختمتها كذلك بعجلةٍ، ولجعل الضمان أكثر تأكيداً أخذت بنفسها جميع الوثائق المطلوبة  إلى مكتب البريد.
لم تبذل أي جهد لجعل الأمر تحت سيطرتها، كانت تثق به وبإخلاصه لوعوده، لقد حاولت إقناع نفسها بهذا بعد أن أعيتها كل الحيل.
هل كانت مخطئة، كان عليها أن تسأل في بادئ الأمر... وهذا مالم يسمح به بما أعطى من وعود، وكان يبدو محقًا جدًا في ذلك الوقت، بدت خائفة وليس من دافعٍ سيءٍ كالخوف، لقد أجبرها على المخاطرة...
لا تعلم إن كان تَذَكُّرُ كل هذا مُجْدٍ فعلًا، لكن الصمت بالتأكيد سيفيدها أكثر.

(2)
تحدثت معه بتسرع وبشيء من الفظاظة، كان انفعالها المتهور يمنعها من أن تتوقف، بدا صوتها مرتبكاً وغير عاديّ، وكان عنفها جليًا، ليس أبشع من استغلال امرأة... إنه يعلم أنها تشعر بالغبن وأنها مغتاظة جدًا كما كانت مروعة من الهدوء الذي أظهره كما يفعل الرجل القويّ...
بدا حزينًا قلقًا إلى حد ما في مناقشتها، قالت وهي تبتسم في وجهه ملتمسةً العذ : هل ستغفر لي؟ قالتها بتعبير حزين طغى على طلعتها المشرقة العذبة.
لكنه لم يمد يده، شعرت بإهماله يؤذيها، لم تجد مبررًا للكبرياء، لم يتكلم ... قالت بصوت خفيض لا تدعني بحيرتي، ألم تعد بأن تساعدني... ابتعدي ولا تظني أن أنوثتك ستشكل حمايةً لك قالها بمنتهى القسوة وأشاح بنظره عن عينيها المحدقتين فيه.
كانت مخطئة، كان عليها أن تتجنب الغضب الرهيب لرجل مثله، احمر وجهها من تجاهله، وعلى الرغم من إعجابها باستبداده واحترامها لاستقلال شخصيته، إلا أنها لم تبدل موقفها،  اختارت المواجهة كانت تريد احتراماً لاستقلالها هي الأخرى...
في الساعات التالية توقفت علاقتهما وكل حديث، راحت تتمشى بالغرفة جيئةً وذهابًا لم تكن تحبه أبدًا بشكل عاطفي، وليس لديها أيضًا شعور بالنفور، مناقشتها كانت في إطار العمل، وكان يجب أن تنتهي حيث ينتهي العمل، لكن أن تخترق الألفة التي بينهم، كان هذا هو اللغز الذي وجب عليها أن تحله، كانت تتوقف من وقت لآخر لتصغي لصوت قلبها، تهدأ لبضع دقائق ثم ما تلبث أن تعود، شدت يديها بإحكام وحبست أنفاسها، كانت تود إسكات الضجيج في داخلها، مرت لحظة أو اثنتين قبل أن تتمكن من نطق أي كلمة، ثم رأت أن عليها الانتصار على كل العقبات، لم تكن صبورة، ولم تكن بحالة جيدة بما يكفي لتذعن للمنع، إن ما جعلها تمر به أذهلها حتى عن تذكر العمل الفعلي الذي بين يديها، ولابد أن تنهي هذا كله. صمته سبب لها رعبَا أسوأ مما كانت تتوقعه أو تحتمله، كان يطيل صمته ليستعد بشكل أفضل، توقفت لحظة يبدو أنه أحسن اختيار الطريقة الأكثر تعذيباً لها، توالت جملها المعاتبة شحب وجهها كثيرًا، ضغطت على شفتيها أكثر، فيما عدا ذلك لم يتحرك أيًّا من ملامحها، تمنت لو أنه يواصل ما كان  بينهما، لكنه قفز خارج حدود الفكر الحكمة والتجربة والتعاطف، لقد أراد أن يجعلها تعاني بكل ما أوتي من ذلك كله، وعلى ما يبدو أنه لم يخطيء هدفه، كم تعاني الشخصيات الجيدة التنشئة في مجتمع كهذا، لكن لا ليست هي، وقوتها نفسها ستجعلها تتماسك وستريه أي فتاة رائعة هي، هذا ما كانت تردده في سرها وهي تسمع الباب وصوتًا يوحي بالاستئذان، وهذا أيضًا ما منحها متعةً آنية وسط قلقها.

تعليق عبر الفيس بوك