الآثار الوطنية لعصر الضرائب

 

د. عبدالله باحجاج

عندما نفكر في إصرار دول مجلس التعاون الخليجي على النقلة السريعة والفجائية نحو عصر الضرائب، تنتابنا الكثير من المخاوف الوطنية على صعيد كل دولة - فرادى وجماعات- ويبدو لنا المشهد الداخلي فيها الآن، وكأنها في سباق مع الزمن في تطبيق منظومة ضرائب البنك والصندوق الدوليين، دون الاكتراث بآثارها السلبية على مجتمعاتها، فمن سيكون فيه فائزا؟ وأي فوز سيكون إذا ما تحوّلت جيوب الخليجيين المصدر الأساسي لتمويل الموازنات الخليجية.

وهذه قضية كبرى، لا تنم عن وعي سياسي بالفاتورة الوطنية التي ستدفعها الدول الخليجية جراءها، ولا يبدو أنها- أي الدول الخليجية- لديها التفكير في التعديل أو المراجعة لخيار الضرائب وبرامجه من حيث المحتوى والزمن، التي وضعها صندوق النقد الدولي بعد زيارات وفود منه لكل العواصم الخليجية قبل تدشين الانطلاقة الجديدة لدور الدولة الخليجية من الريعي إلى الجبايات أي الضرائب في منتصف عام 2014.

لن تلتفت الدولة الخليجية إلى الوراء – على ما يبدو – لأنها ترى أن القطار قد انطلق، ولن يتوقف، مهما طرأت من زيادات على أسعار النفط أو استجدت مصادر جديدة للثروة الوطنية في الخليج، فالقطار قد انطلق تحت ضغوطات خارجية، لإعادة النظر في مصادر الثروة في الدول الخليجية على غرار ما هو سائد في الدول الغربية.

ويمكن حصر المخاوف من نقلة التحول السريعة في: البناء الوطني للدول الخليجية (الولاء والانتماء)، وإعادة توزيع ثروة الضرائب من حيث المسارات والكيفيات.

ولأنّ منظومة الضرائب المقبلة والرسوم التي ارتفعت على بعض الخدمات بنسب مئوية فلكية فجأة، ستعري المجتمعات الخليجية، وستجعلها في مواجهة فردية معها، ومن سيظهر فوق السطح - غير الدولة – داعما لها، سيتمكن من كسب معركة الولاء والانتماء، وهذه مسألة مفصلية في التحولات وتداعياتها المقبلة، وقد يترافق معها، الشعور بعدم عدالة توزيع إيرادات الضرائب داخل مكوناتها الجغرافية والديموغرافية، خاصة تلك التي يكون مساهمتها أكثر من غيرها في ايرادات الضرائب والرسوم، مما يظهر للدول الخليجية إشكالية كبرى مع الإنسان والأرض، معا، وفي آن واحد.

وفي المقابل، ستجد الدولة الخليجية، نفسها مضطرة أن تدفع الثمن السياسي لهذه التحولات، وهذا الثمن نراه حتميا، ومنطقيا، لا مناص منه، ويمكننا أن نحصرهما في: المشاركة الشعبية "الحقيقية" في رسم وتحديد الضرائب والرسوم، وإصلاح البيروقراطية في الخليج، لكي يستجيب لعصر الضرائب ورهانات الحكومة عليه.

وهناك الآن تفاوت كبير- شكلا وماهية- في تلكم المشاركة بين الدول الست، لكن، قد تلتقي جميعها في شكل سياسي محدد، سواء بصورة تلقائية أم تحت الضغط الطبيعي للتطور السياسي، فعهد إنتاج الحكومة للسياسات المالية وإنشاء الضرائب وتحديد سقفها، قد ولّى، وهذه مسألة لابد أن يشترك فيها المجتمع على قدم المساواة مع الحكومة، وستتجلى من خلال المجالس التمثيلية للمجتمعات الخليجية، كما قد تثار لهذه الدول مشكلة التهرب الضريبي، وما يصاحبها من فساد.. إذا ما استمر وضع الجهاز البيروقراطي كما هو سائد الآن، فهناك دول أسبق وأقدم من دول الخليج في عصر الضرائب، لا تزال تعاني من مشكلة التهرب الضريبي مما يجعلها تفقد ميزانيتها المليارات سنويا، فلابد أولا من تأهيل البيروقراطية في الخليج لكي تكون مؤهلة لعصر الجبايات؟

ويمكن القول صراحة إنّ منظومة الولاء والانتماء التي تمّ تأسيسها على ثقافة المنح والعطاءات والخدمات المجانية في الخليج، التي كانت سائدة في عصر الدولة الريعية، يمكن أن تتفكك سريعا وخلال عام 2018 فقط، عندما يتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في موازاة مع استمرار تطبيق بقية الضرائب والرسوم السابقة، خاصة رفع الدعم عن الخدمات التي تمس معيشة المواطنين مباشرة. ولنا تصور حجم التداعيات الكبيرة على المجتمعات الخليجية إذا ما استحكمت حلقات هذه الضرائب والرسوم على مرتبات الطبقتين الضعيفة والمتوسطة خليجيا؟ فالإيرادات المتوقعة من ضريبة القيمة المضافة (25) مليار دولار سنويا، وستكون متصاعدة سنويا، ولن تظل ثابتة عند 5% طوال السنوات المقبلة. فالمخطط لها التصاعد التدريجي، وحتى لو نظرنا الان في سقفها 5% قانونا، ففعليا هى 10% فالتاجر سيضيف نسبته 5% تحت حجة أنّه سيدفع المبلغ مقدما، وهذا مبلغ كبير سيتم تحصيله من جيوب ومن آمال وتطلعات المواطنين الخليجيين. إنّه مشهد مضطرب، ومن هذا المشهد، نتساءل، هل هناك من يتأمل معنا في عمق الآثار الوطنية التي ستتداعى من جراء ما يطرحه هذا المشهد بتلك التلازمية والاستمرارية والتصعيدية؟ فكيف إذا ما أقدمت الحكومات الخليجية على فرض رسوم وضرائب أخرى؟ فمثلا، يقال إنّ هناك ضريبة على المخلفات المنزلية، وتتحدث مصادر غير رسمية عن رسوم 2% من إجمالي مرتبات المواطنين.

ربما تكون واضحة الآن، مبررات القلق على منظومة الولاء والانتماء للدولة الخليجية من الضرائب المقبلة التي لن تتحملها المجتمعات، والتي تتزامن مع مرحلة سياسية بالغة التعقيد، من هنا نبدي قلقا مرتفعا على تلك المنظومة. ومنه، نرى أن بلادنا لم تعد مرتبطة بالسير مع الآخرين في هذا الطريق الوعر، وربما عليها التفكير في المراجعة وتأخير تطبيق بعض الضرائب، قد تكون سابقا مضطرة اختياريا، للمسايرة الخليجية لدواعي إقامة السوق الخليجية الموحدة التي تحتم تطبيق أنظمة ضرائب موحدة بين دولها، ومن بينها تطبيق ضريبة القيمة المضافة. والآن خليجنا أبعد بكثير عن هذا السوق، بل إنّها تواجه تحديات سياسية كبرى، يبدو وضعها، وكأنّها قبل إنشاء المنظومة الخليجية عام 1981، بل الأسوأ؟ فمن يشاطرنا القلق المرتفع الآن؟