الكتلة الوطنية 1 – 2


 عبيدلي العبيدلي
 
على امتداد السنوات السبع الماضية، وربما أكثر، تكررت دعوات ضرورة بروز ما أصبح يعرف باسم "الكتلة الوطنية" في أدبيات الفكر السياسي البحريني. البعض منها جاء على لسان قيادات مكونات العمل السياسي البحريني، والبعض الآخر جاء في كتابات بعض النشطين في فضاء ذلك الفكر. رغم كل ذلك، لم نشهد تجسيدًا لها على أرض الواقع. بل ربما شهدنا ما هو عكس ذلك تمامًا، حيث وصل الأمر إلى مستوى اليأس القاتل من إمكانية تبلور مثل هذا التكوين السياسي.
ترتفع، كردة فعل طبيعية على هذا الواقع الذي يقترب من منافاة المنطق السياسي، علامة استفهام كبيرة وقوية تتساءل عن الأسباب الكامنة وراء هذا "الفشل"، إن جاز لنا التعبير، الذي يقف في عناد سلبي أمام تلك الدعوات وتكرارها، بمناسبة وغير مناسبة. المنطق يفرض نفسه هنا، وربما بقسوة كي يفصح، لا تأبه لكل استجداءات من يحاول التمويه، أو التستر على أهم تلك الأسباب، التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1.    أن هذه الدعوات، لم تتجاوز حدود الإشارات السريعة العابرة والموسمية. فلم ينتقل أي منها إلى مستوى البرامج الجادة القادرة على مخاطبة الفئة التي تستهدفها، وبالمفردات التي تفهمها. وبقدر ما كشف ذلك الواقع عدم جدية القوى التي تقف وراءها، بقدر ما كشف هشاشة محتوى، وقصر أفق، تلك الدعوات، التي لم تلبث أن بهتت إن لم تمت. كان البعض منها يحاول تجيير نشاط تلك الكتلة، في حال رأت النور، لمصالح فئوية تتضارب موضوعيا مع تشكل تلك الكتلة، واتساع نطاق تأثيراتها، ومن ثم تساعدها على تنفيذ برامجها التي تؤهلها لتحقيق أهدافها. في حين لم يكف البعض الآخر عن حصرها في نطاق الاستهلاك السياسي الذي يمده بوقود القدرة على الحركة والاستمرار الانتهازيين.
2.    أن الواقع الموضوعي لتطور مكونات المجتمع البحريني غير قادرة على إفراز متل هذه الكتلة، التي، كما يبدو، لم تحن الظروف المناسبة بعد، لتبلورها وبروزها على سطح ساحة العمل السياسي البحريني، ومن ثم فهناك حاجة ماسة للعمل من أجل إنضاج تلك الظروف، من خلال جهود وطنية متقدمة على الصعيد الفكري، وناضجة من حيث التكوين السياسي، ومؤهلة بمتطلبات الابتكار الذهني، كي تسارع في إنضاج مثل هذه الظروف، بدلاً من انتظارها، القادرة على أن تحرر تلك الدعوات من دوائرها الفئوية الضيقة بمختلف تلاوينها إلى فضاءاتها الوطنية الرحبة بمقاييسها الشمولية الراسخة.  
3.    أن درجة الاقتناع لدى مكونات العمل السياسي البحريني بجدوى مثل هذه الكتلة الوطنية، ومن ثم طبيعة الدور المطلوب منها أن تمارسه في ميدان العمل السياسي، ما تزال محدودة الأفق، غير قادرة على نفض غبار الإرث الثقيل الذي تحمله منذ ما يزيد على نصف قرن من ممارسة العمل السياسي، الذي لم يكن تكوين مثل هذه الكتلة مدرجا بالجدية المطلوبة على جدول أعمال مهامه، المكتظ بمهام أخرى، كانت تفرضها عليه طبيعة تلك المرحلة ومتطلباتها.
4.    أن الدعوات التي طفت على السطح، لم تتوافر فيها الحدود الدنيا لمتطلبات النجاح. وهذا يفسر عدم تلقيها الاستجابة المتوقعة التي تؤهلها للانتقال من مجرد دعوات مبحوحة الأصوات، إلى برامج عمل وطنية على أرض الواقع. ففي أجنتها كانت تكمن عناصر فشلها، إما لافتقادها التشخيص الصحيح للواقع السياسي، وطرق معالجته التي تساعد على انتشاله من وصوله.
5.    أن القوى، دع عنك الأفراد، ممن وقفوا وراء تلك الدعوات لا يحملون المواصفات الدنيا التي تؤهلهم لتلقي الاستجابات الإيجابية لدعواتهم من مكونات العمل السياسي البحريني، الأمر الذي يمده بطاقة الاستمرار في مثل تلك الدعوات، والإصرار على تحويلها إلى برامج عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع. وإذا أردنا وضع النقاط على الحروف، فمعظم تلك الدعوات، إن لم يكن جميعها، انطلقت من جذور فئوية لم تستطع أن تتجاوز الواقع المجتمعي المشظى، فوقعت فريسة سهلة في أحضانه.
6.    أن الخلافات الضيقة الأفق التي كانت تحكم سلوك مكونات العمل السياسي البحريني، وخاصة قواها التي تقف في خانة المعارضة، كانت تقف بالمرصاد، أمام أية محاولة جادة من أجل تكوين، حتى أجنة تلك الكتلة الوطنية. فقد كانت ترى، سواء اعترفت أم رفضت الإقرار، في بروز مثل تلك الكتلة، تحديا للكثير من مشروعاتها، بل كان البعض منها يرى فيها عدوا مباشرا يهدد سيطرته على الشارع الذي يسيره، ونسفا لمرتكزات هيمنته على حركة ذلك الشارع، وتقليصا لنفوذه على تفكيره.
7.    أن الواقع الإقليمي المحيط، والذي هو الآخر لم ينضج الظروف المواتية لبروز مثل تلك الكتلة، والذي لا يمكنه موضوعيا السماح باكتمال مكوناتها البحرينية بمعزل عنه، وبالتالي فهو يمارس ضغوطا، البعض منها سافر وصريح، والبعض الآخر، وهو الأخطر والأكثر تأثيرا، مبطن وخبيث، من أجل الحيلولة دون نجاح المجتمع البحريني في تشكيل "كتلته الوطنية"، كي لا تكون سابقة تتدحرج ككرة ثلج متنامية تصل تأثيراتها إلى مكونات ذلك الواقع.
8.    أن منظمات المجتمع المدني، وخاصة الأكبر حجما، والأوسع حضورا، جردت من الكثير من عناصر قوتها التي بوسعها أن تشكل الرافعة التاريخية التي تمد مكونات العمل السياسي البحريني بالأفراد والمؤسسات، بل وحتى القيم، التي تجعلها قادرة على الانتقال من منصات الدعوات إلى أرض الممارسة العملية التي تؤسس لبروز كتلة وطنية تاريخية تقود البلاد نحو بناء المجتمع المطلوب، حتى تمارس القوى السياسية البحرينية أدوارها المناطة بها على الوجه الأكمل، وفي الاتجاه السليم.