ورطةٌ أنْ تُولدَ هُنا

ناصر الحاج - العراق


لو كُنت تعيشُ هنا ستجدُ نفسك في ورطةٍ تحتَ نخلة  يابسة بين الرصاصةِ ورائحةَ النفطِ تتقي الموتَ بقصبةِ البهلولِ.
لو ولِدتَ هُنا لكُنت تحملُ قطعةَ شمس على يسار صدركَ الأسمر تعويذة لبردِ العمرِ الطويلِ، وحفظتَ مووايلَ الحزنِ وصوتَ القطارِ يهز شغاف القلبِ (ياريل صيح بحمد صيحة عشگ ياريل)، وعرفتَ أسبابَ الموتِ المائة بعد الألفِ وعرفتَ أن السمكَ أكلَ لحم الجنودِ. فقط ليغلقوا ثقوبَ البوابةِ الشرقيةِ بِـ(بساطيلهم الرومانيةِ) التي دفعَ ثمنها فهدُ الأحولِ.
لو كُنت هُنا لتعلَّمتَ السباحةِ بهيكلكَ العظمي في أحواض التيزابِ وتفوز بكأسِ العالمِ للألمِ العجيب.
ألمْ أقُل لكم إنها ورطةٌ أن تُولد هُنا تتعلم من صوتِ أمكَ النواح (دللّول يالولد يبني دللّول, عدوك عليل وساكن الچول) وأنت لاتعرف مايعني هذا العداء.
ورطة أخرى لاتعرفها حتى تُقشر بياضَ جدار السجنِ قشرةٍ بعد أخرى ربما ستجدُ اسمَ أخيكَ، أو جاركَ المفقودِ مُنذ سنينَ قَدْ رسمَ قلباً في وسطه وطنٌ محاطا بالنخيلِ.
لو عشت هُنا عِند طينِ الفراتِ لشربتَ مع الحليبِ أساطيرَ وملاحمَ، وعرفتَ كيفَ النهرُ يصبحُ ناقداً للشعرِ بين الضفتين, آه لو عِشتَ هُنا لعشقتَ امرأة كبدرٍ يعتلي مدّاً تتأرجح بينَ نشوتين...
(2)
ليّ يدك العابرة
على جسد الأشياء
وما تساقط من ياسمينك
في هدأة الليل
على سور
 الهواجس
ولي ماقال السُّراةُ
بمطافهم الأخير
//
لك النوافذ مشرعة
للهبوب
وعرق يدي الذي جفَّ
على ستائرها
ولي خمرُ الترقب
كأسا بكأس
مواويل انتظار
//
لي وجع الراحلين
في عبث الحروب
ولكِ ماليَّ
من أمل ..
//
لي ما يتسرب
 من تحت باب الله
من نور شمسه
ولك انعكاسها
 في مرآة
قلبك الصغير
//
لي مافاض من النسيان
وتسرب من ثقوب
 الرصاص في أعالي الروح
 ولك حلاوة الحلم
على وسادتك
الحجر.

(3)
في أول الليل
ألم  ملامحي
من بريق المرايا
وادخل في تراتيلِ
خيالك
 كتلميذ
مشاكس
 يحمل حقيبة
فارغة
إلا من حصى
الطريق  
وممحاة للذنوب
التي احصتها
عل كتفي
عصافير الطفولة
البيضاء
التي اختنقت
بدخان  الحروب
الحروب التي
مازالت تبحر بقارب
مثقوب  بالعصافير
العصافير
 التي ماعادت
تبني أعشاشها
فوق مقياس
الكهرباء..

(4)
لم تكن أنت
تلك ملامح رجل آخر
احتل المرآة
أنت لا تعرف هؤلاء
الرجال الذين يقفون
كقاطرة عاطلة
بانتظار البكاء
ذلك البكاء
الذي تتعلمه
وحيدا في بداية
الرحلة
ثم تبدأ بارتكاب
الأشياء الغبيّة
حتى تصير الأيام
جبلا من هباء..
(5)
كل هذه النقوش التي على الأبواب  قصائدي القديمة
كتبتها في عهد قديم كنت أملك كامل حريتي بالثرثرة في مقهى الصمت
كان الملوك يحبون النَّقر عليها بعد منتصف الليل
فيما كنت أرسم الشمس عليها لتضيء للعابرين طريق العودة لقبورهم
كان الليل حليفي الوحيد أمام تمرّد هذا الصمت
وأحرص على تأثيثه بالموسيقى خشيةً عليه من الغول
 كان يبادلني الأسى في كل مرة يباغتني فيها الغول  ويوجّه لرأسي إبهامه المحشوّ بالجنائز
كم كانت معذورات أمهاتنا في الأنين
دعما للحزن الوطنيّ
كانت أمي تهز ذلك المهد الخشبيّ الملون
وتقرأ في  أسرار  الكون
أذكرها حين قالت سيكثر الموت ها هنا
وهي تنظر إلى نجمة في السماء لها ذيلٌ طويل
يشبه غبار الفضة..

تعليق عبر الفيس بوك