أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (7)

د. عمر هزاع – دير الزو - سوريا


في هذه الحلقة نتناول مرحلة (الدعوة النبويّة خارج مكة) حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم للبحث عن سبل جديدة في دعوته خارج مكة بعد فقده لعمه وزوجه وشعوره أن عشيرته ستضطهده وتضطهد أتباعه, فاتجه للطائف ولاقى من أهلها مثل ما كان يخشى من مكة وأكثر, وفي هذه القطعة سنفصل تلك الأحداث...
.............................

إِذا تَشاكَلَ بِالعَدوى أَعاديها
                             مِنَ الطَّبيعيِّ أَن يَرتاعَ شاكيها
لَكِنَّهُ... غَيرُ كُلِّ النَّاسِ زِيدَ عَلى
                              عَزمِ الإِرداةِ بِالتَّقوى تُماشيها
"مُحَمَّدٌ"؛ مَعقِدُ الإِصرارِ؛ سِيرَتُهُ
                            نُورُ السِّراجِ إِذا احتَمَّتْ أَماسيها
بِهِ العِصابَةُ قَد لَمَّتْ ذَوائِبَها
                              إِذا العُصابَةُ مَلَّتْ مِن ذَواريها
لَهُ الزَّعامَةُ شَقَّتْ عَن عَزائِمِها
                              إِذا الغَباوَةُ شَفَّتْ عَن بَواغيها  
حَجمُ الفَجيعَةِ زَاجُ الدَّمعِ فَجَّرَهُ
                             يَنبُوعَ نارٍ تَلَظَّى في حَجاجيها
فَمِحنَةُ "الطَّائِفِ"؛ التَّاريخُ يَذكُرُها
                          إِذا يَطوفُ بِعاتيها وَعاثيها  *68
 
عَلى سِماطَينِ !!صُفُّوا!!
– يا احتِرارَ دَمي-
وَبِالحِجارَةِ !!
- يا آلامَ لاجيها –
 واهًا !!
– رَمَوهُ –
وَلَيتَ الرَّميَ في كَبِدي !!
وَلَيتَ " مالِكَ " مَوكولٌ
بِراميها !!
نَعلاهُ مِن دَمِهِ احمَرَّا !! وَما بَرِحوا !! فَأَلجَؤُوه جِدارًا في ضَواحيها !! *69
- فِداءُ رِجلِكَ عُمري –
لَيتَهُم عَرَفوا , بِأَنَّ شِسعَكَ أَغلى مِن غَواليها !!
يَضري دَمًا - تَحتَ فَيءِ الكَرمِ  مُتَّكِئًا
     عَلى الجِدارِ - بِأَوجاعٍ يُعاجيها
 
إِذ لَزَّهُ الحَزَنُ المَخزونُ  في أَسَفٍ
                            لِفَشِّ أَقفالِ أَسرارٍ يُخَفِّيها
عَلى أَزيزِ الشِّكاياتِ؛ الأَضالِعُ في
                  سِردابِ وَحشَتِهِ؛ اهتَزَّتْ تُناجيها:
 
o    ( إِلَيكَ أَشكو هَواني )؛
 في سَحابَتِها أَظَلَّهُ اللَّهُ - مَأزورًا - بِغاشيها
    ناداهُ " جِبريلُ " :
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُني لِأُطبِقَ الــ " أَخشَبَينِ " - الآنَ – أَمحيها, إِذا أَرَدتَ, فَمُرني أَن أُدَمِّرَها, فِدا دِمائِكَ, أَو زَبيًا بِزابيها)!
o    فَقالَ: (دَعها)!
-  الشَّفيقُ  –
(ارفِقْ. فَلِي أَمَلٌ, وَلِي رَجاءٌ بِأَنَّ الحَيَّ يُحييها, فَيُخرِجُ اللَّهُ مِن أَصلابِها  نَفَرًا لا يَرتَضونَ - لِغَيرِ اللَّهِ – تَأليها *70 ) !!
المُلهَمُ الفَذُّ لَم يَقنَطْ  بِدَعوَتِهِ
                              مِن رَحمَةِ اللَّهِ في تَشذيبِ ناتيها  
فَكانَ لِلجِنِّ حَظٌّ مِن رِسالَتِهِ
                         عَلى مَسامِعِهِم بِالهَديِ يُمليها *71
يَدُ العِنايَةِ جَزَّتْ شَوكَ رَوعَتِهِ
                        فاخضَوضَرَ العَونُ أَمنًا في نَواحيها
فَمَدَّ في عَرَصاتِ الجَهلِ سِلعَتَهُ
                         وَلِلكَســـادِ امـتِدادٌ حَــــولَ شاريها
 

دَعا قَبائِلَها
حَتَّى يُقاطِعَ بِالدَّعوَى انقِلابًا تَمادَى في تَوازيها *72
فَما استَجابَ لَهُ - في ذاكَ - أَغلبُها
                               خَلا قَليلٌ فُرادى مِن غَواديها *73
غَدَوا لَها سُفَراءَ الوَعدِ؛ وَانتَظَروا
                              غَدًا؛ لِيَعــدُوا عَلى مَجـــرى تَأَنِّيها
باتُوا مَنابِرَها الأُولى التي صَدَحَتْ
                            بِالحَقِّ؛ ثُمَّ انبَرَتْ – تَدنُو- قَواصيها  
فاستَنبَتوا بِنَواةِ الدِّينِ بُرعُمَةً
                            تَعَهَّـــدوها إِذا هَبَّـــتْ هَــــــــوابيها
فَفَتَّحَتْ بَتَلاتُ الحُبِّ, وَاحتَصَدَتْ
                            بَيادِرُ الــــوُدِّ, مِن سُقيـــا زَوابــيها
سَنابِلُ الشَّوقِ ما زالتْ مَواسِمُها
                            بِالاِنتِـــظارِ, وَما أَشقــــى تَرَوِّيها!
حَنَّتْ إِلَيهِ؛ فَكانَتْ عِندَ هِجرَتِهِ
                             تَطيـــرُ تَـــوقًا كَأَنَّ التَّوقَ ذاريها!
لِلَّهِ دَرُّ قٌلـــوبٍ أَحبَبَتْ فَحَــبَتْ!
                            ظَلَّتْ غَيــارى إِذِ انفَضَّتْ بَواقيها!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
احتم: اشتدَّ واسودَّ\ العِصابة: ما عصب به وما يلف على القتادة فلا ينزع عنها إلا بجهد\ عُصابة: الجماعة ليس لها واحد\ زاج: ملح كبريتي\ زجَّ: طعن\ حجاجي (حجاج) عظام محجر العين \ عاتي: ظالم و طاغية و متكبر\ عاثي: فاسد وكافر\ سماط: صف وجنب الطريق\ مالك: خازن النار وحارس بوابتها.
ناتي (ناتئ): بارز عن موضعه, منتفخ, متورم\ عون: أرض أصابها المطر\ زوابي: جمع زابية وهي مؤنث زاب والزاب نهر في العراق ويسمى مع ما حوله من الأنهار والفروع بالزوابي\ بواقي: جمع باقية وهي مؤنث باق (المتبقية).
المراجع:
*69: رجمه أهل الطائف بالحجارة حتى اختضب نعلاه بالدم وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فألجؤوهما إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف فجلس عنده رسول الله – صلى الله عليه و سلم – إلى فيء حبلة من عنب ودعا دعاءه المشهور: ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولاقوة إلا بك).
*70: روى البخاري تفصيل القصة بسنده عن عروة بن الزبير عن عائشة (وهذا مختصرها): أنها سألت الرسول عن يوم كان أشد عليه من يوم أحد فحدثها عن قصة الطائف وعودته منها مهموما حتى وصل لأطراف مكة فجاءه جبريل فاستأمره أن يطبق عليها الأخشبين وهما جبلا مكة فقال له النبي: (بل أرجو أن يخرج الله عَزَّ وجَلَّ من أصلابهم من يعبد الله عَزَّ وجَلَّ وحده لا يشرك به شيئا).
المرجع: صحيح البخاري كتاب بدء الخلق 1(458) \\ صحيح مسلم باب ما لقي النبي من أذى المشركين والمنافقين 2(109).
*71: ثبت في محكم التنزيل أن الإسلام دعوة عالمية للإنس والجن كافة (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ...) سورة الجن (حتى تمام الآية 15).
*72: قال الزهري: كان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – ودعاهم وعرض نفسه عليهم: بنو عامر بن صعصعة ومحارب بن حضفة وفزارة وغسان ومُرَّة وحنيفة وسليم وعبس وبنو نصر وبنو البكاء وكندة وكلب والحارث بن كعب والحضارمة فلم يستجب منهم أحد.
المصدر: روى ذلك الترمذي \\ انظر مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 149.
*73: دعا الرسول الأفراد كما دعا الجماعات فحصل على بعض ردود صالحة وآمن به عدة رجال نذكر منهم:
- سويد بن صامت: من شعراء يثرب, المصادر: ابن هشام 1(425-426-427) \\ رحمة للعاملين 1(74).
- إياس بن معاذ: من الأوس وقد منعه الوفد الذي جاء فيه من الإسلام ولكن يروى أنه كان يهلل ويكبر ويحمد ويسبِّح عند موته.
المصادر: ابن هشام 1(427-428) \\ تاريخ الإسلام للنجيب آبادي 1(126).
- أبو ذر الغفاري: من سكان نواحي يثرب وقد سمع بالنبي وجاء فأسلم وخرج معلنا عن ذلك فضرب مرارا وحال العباس دون قتل قريش له ووردت القصة كاملة في صحيح البخاري باب قصة زمزم 1(499-500) وباب إسلام أبي ذر 1(544-545).
- طفيل بن عمرو الدوسي: زعيم قبيلة دوس وشاعرها اللبيب و كان سببا في إسلام سبعين أوثمانين بيتا من قومه وقتل شهيدا يوم  اليمامة.
 المصادر: ابن هشام 1(312-313-314-315)\\ رحمة للعالمين 1(81-82)\\ مختصر سيرة الرسول للنجدي ص144\\ تريخ الإسلام للنجيب آبادي 1(127)
- ضماد الأزدي: من أزد شنوءة من اليمن, المصادر: روى ذلك مسلم\\ مشكاة المصابيح باب علامات النبوة 2(525)
- ستة نفر من يثرب ( الخزرج ) هم : أسعد بن زرارة , عوف بن الحارث بن رفاعة , رافع بم مالك بن العجلان , قطبة بن عاد بن حديدة , عتبة بن عامر بن نابي , جابر بن عبدالله بن  رئاب , و هم حملة الإسلام ليثرب .
المصادر: زاد المعاد 2(50) \\ ابن هشام 1(429-541).

تعليق عبر الفيس بوك