عبيدلي العبيدلي
قد يبدو لبعض القادة السياسيين في البحرين، وتحديدا في صفوف الجمعيات السياسية، أن المسافة التي تبعدنا عن انتخابات 2018 ضوئية، وأن هناك من أولويات المهام النضالية ما يضع الاستعداد لتلك الانتخابات في أسفل الأولويات. وبدلا من التهيؤ لها، نجد البعض يروج لعدم جدواها في معادلة موازين قوى المشهد السياسي البحريني.
وقبل الوصول إلى مسألة ضرورة الاستعداد للانتخابات القادمة، لا بد من التأكيد على الحقائق التالية:
1- أن مطلب تشكيل سلطة تشريعية، هو مطلب قديم رفعته الحركة الإصلاحية التي كان من بين رموزها القيادية شخصيات من أمثال سعد الشملان وأحمد الشيراوي، وخليل المؤيد ومنصور العريض، ومحسن التاجر، وعبد الله باذيب. هذا ما نقلته مجلة "الميزان" العراقية في عدده الصادر في 23-12-1938، حيث تصدر مطلب "إنشاء مجلس تشريعي مؤلف من عشرين عضوا عشرة منهم سنة ومثلهم من الشيعة بانتخاب عام دون تدخل أية سلطة أجنبية ويعين الحاكم رئيسا للمجلس"، قائمة المطالب العشرة التي رفعتها حينها. وتكرر المطلب ذاته في التحركات السياسية التي عرفتها البحرين خلال السنوات السبعين الأخيرة من تاريخها الحديث، مثل حركة "هيئة الاتحاد الوطني" التي نشطت خلال العقد الخامس من القرن العشرين، عندما "صاغت الهيئة مطالب الشعب البحريني، يومذاك، في مطالب رئيسية في مقدمتها: تأسيس مجلس تشريعي يمثل أهالي البلاد تمثيلاً صحيحاً عن طريق الانتخابات الحرة".
2- جاء المشروع الإصلاحي في مطلع القرن الواحد والعشرين، حاملا معه، في مقدمة ما حمل، إطارا ممنهجا متكاملا لتأسيس سلطة تشريعية في البحرين، تأخذ على عاتقها نقل البلاد نقلة نوعية نحو بناء مجتمع معاصر متحضر، تضع حدا لفترة سبقتها لم يكن أطراف منظومة العلاقات السياسية البحرينية يتمتعون خلالها بما يستحقونه وما يحتاجون له، من أطر تنظيمية سليمة تنسق العلاقات فيما بينهم.
3- وعليه، تأتي السلطة التشريعية القائمة اليوم كمحصلة طبيعية للنضالات التي خاضها شعب البحرين على مدى ما يربو علة نصف قرن من تلك النضالات، وإرادة ملكية صادقة لبناء إطار سياسي متحضر يبني العلاقة السليمة الناضجة بين مكونات العمل السياسي البحريني، ويضعها في إطارها الصحيح الذي يضمن سير هذه العلاقة في طرق التطور السلمي غير الملتوية، والبعيد كل البعد عن أي شكل من أشكال العنف.
4- أن المشاركة في الانتخابات ليست حكرا على الجمعيات السياسية، لكنه من الأفضل، إذا ما أريد تأطير العمل السياسي البحريني، خاصة في نطاق حضور القوى المعارضة في البرلمان، أن تكون جذور أشجار الكتل البرلمانية هي الجمعيات السياسية.
لذلك؛ يكون من الخطأ القاتل للعمل السياسي البحريني، خاصة في هذه المرحلة، أن يكون برلمان 2018 بعيدا عن تمثيل الشارع البحريني من خلال رموزه السياسية، التي تنتسب، بشكل أو بآخر للجمعيات السياسية النشطة.
هذا.. يضع على عاتق الجمعيات السياسية البحرينية مهمة إستراتيجية تتمحور مقومات نجاحها على المكونات الرئيسة التالية:
* القول بضرورة حضور تلك الجمعيات وتمثيلها في البرلمان، لا يعني إطلاقا حرمان الشخصيات الوطنية الأصيلة من المشاركة في الانتخابات، ومن ثم فمن الجريمة بمكان تجريد هذه الشخصيات من ذلك الحق تحت مبررات "حزبية" واهية، أثبت التاريخ خطأها بل وعدم جدواها.
* تجيير العمل البرلماني لتحقيق مصالح حزبية ضيقة، بما فيها الحضور في البرلمان، لم يعد أمرا مقبولا بأي مقياس من مقاييس العمل البرلماني، بل هو أسلوب أثبتت التجربة البحرينية قبل سواها من تجارب الشعوب الأخرى، أن احتكار التمثيل الشعبي في العناصر الحزبية أمرا يحمل من السلبيات أكثر من الإيجابيات، عندما تقاس الأمور بمعايير وطنية، تتجاوز الأنانيات الحزبية.
* أن كلفة الخسارة والربح من المشاركة والمقاطعة ينبغي أن تتجاوز أطر القضايا التكتيكية اليومية ضيقة الأفق؛ كي ترقى إلى متطلبات المسائل الإستراتيجية الكبرى واسعة النظرة. فمن غير المنطق السياسي -على سبيل المثال لا الحصر- التخندق في ربط القبول بقرار المشاركة باستجابة السلطة لمطلب قد يبدو في نظر البعض أنه إستراتيجي، لكنه في جوهر الأمر تكتيكي. فتاريخ الشعوب المتحضرة لا يرتبط بمصير فرد من الأفراد، مهما بلغت مكانته السياسية، ولا يتوقف عند مطلب واحد، بل هو منظومة متكاملة تنضوي تحتها مثل تلك المطالب الصغيرة، دون ان تعيق حركتها الكبرى المترامية الأطراف.
* من الخطأ ربط القبول بالمشاركة بنجاح المرشحين ووصولهم إلى قبة البرلمان. فالمشاركة في حد ذاتها، هي شكل من أشكال الصراع الذي تكون نتيجته محصلة منطقية لثقل موازين القوى الضالعة في ذلك الصراع.
* أن مشاركة الجمعيات في الانتخابات البرلمانية، ونجاح مرشحيها أو البعض منهم لا يعني إطلاقا، تجريد تلك الجمعيات نفسها من حق ممارسة أنشطتها تحت غطاء منظمات المجتمع المدني الأخرى، طالما جرى ذلك في نطاق القانون، وضمن شرعية تلك المنظمات. وهنا تبرز ضرورة الموازنة الناضجة القادرة على بناء الأطر الصحيحة بين مكونات العمل السياسي المختلفة، بما فيها البرلمان ومنظمات المجتمع المدني.
هذا يقودنا إلى مسألةٍ في غاية الأهمية، وهي أن المشاركة في البرلمان في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البحرين المعاصر، لم تعد خيارا كماليا في العمل السياسي البحريني، بل هي ضرورة ملحة تفرضها المرحلة الراهنة، وطبيعة الظروف التي أفرزها الحراك السياسي الذي عرفته البحرين خلال السنوات الست من عمرها.
وفي السياق، لا بد من التوقف عند الصمت غير المفهوم، وغير المبرر من الجمعيات السياسية في موقفها من انتخابات برلمان 2018 القادمة، فهي مطالبة بتحديد موقف، سلبيا كان ذلك الموقف أم إيجابيا. فمثل هذا الصمت هو انتحار بطيء ينبغي التحذير منه لمن أراد أن تكون له بصمة إيجابية واضحة المعالم، على صفحة العمل السياسي البحريني المعاصر.
والرابح الأكبر في المرحلة المقبلة هو من سيرفض السير في ركب من يصر على اقتفاء أثر قافلة مثل هذا الصمت، الذي لا يمكن أن يكون صاحبه إلا خاسرا في نهاية المطاف، مهما بدت مكاسبة الصغيرة كبيرة في نظره.