مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني والتحديات الاقتصادية

علي الرئيسي

"لون القط لا يهم، سواء كان أبيض أم أسود طالما أنه يصطاد الفئران". دينج زياو بنج

 في افتتاح المؤتمر التاسع عشر للحـزب الشيــوعي الصيني لم يخفِ الرئيس الصيني شي جين بينج طموحاته بأن تلعب الصين دورا محوريا وقياديا في العالم "لقد حان الوقت لتحول الصين لقوة عظمى تقود العالم سياسيًا، اقتصاديًا، عسكريًا وفي مسائل البيئة أيضا".

وفي نفس الوقت حذَّر الرئيس من أن تحقيق "حلم الصين" لن يكون نزهة، وأن تحقيق ذلك يتطلب أكثر من قرع الطبول. لقد تطرق السكرتير العام لعدد من القضايا التي تهم الصين، كمسألة هونج كونج والبناء في الجزر المتنازع عليها، ونظام الحكم، وهيمنة الحزب الشيوعي على السلطة، كما ركز على موضوع محاربة الفساد . وقد حدد الحزب في أدبياته هدفين يجب تحقيقهما خلال السنوات القادمة: إكمال ما يسمى بمشروع الرفاهية المتوسطة للمجتمع بحلول عام 2035، وبتأسيس موقع الصين كدولة عظمى في عام 2050.

وعلى العكس مما حصل خلال السنوات الماضية لم تحدد مؤشرات كمية لتحقيق هذين المشروعين. ومن المثير أيضا أن القيادة الحالية قد غيرت ما تسميه التناقض الأساسي الذي كان سائدًا منذ 1981، حيث كان التناقض الأساسي هو المبادلة بين احتياجات الناس وتخلف قوى الإنتاج في المجتمع الصيني، فقد تم إعادة النظر إلى أن التناقض الأساسي هو في النمو غير المتوازن وغير الكفؤ وبين تزايد احتياجات المواطنين للعيش بصورة أفضل.

الرئيس الصيني يطمح إلى أن تحتل الصين موقعا قياديا على الساحة الدولية، ورغم أن نمو الاقتصاد الصيني لايزال من المتوقع أن يصل أعلى من 6٪ خلال السنوات القادمة، وهو أقل طبعا من المستويات التي حققها في بداية الألفية، إلا أن هناك العديد من التحديات الاقتصادية التي تواجهه .هناك ثلاثة تحديات أساسية تواجه القيادة الصينية أول هذه التحديات هو النظام الاقتصادي، أي التناقض بين ملكية الدولة لقوى الإنتاج "النظام الاشتراكي" وقوى السوق ومن هو الأجدر بتخصيص الموارد. وأمام هذه المعضلة؛ فإن القيادة تخرج بتوليفة غير متسقة من السياسات مؤكدة فيها على أهمية دور الأسواق في تخصيص موارد التنمية وفي الوقت ذاته تؤكد على الدور القيادي للقطاع العام. إن الحزب يؤمن بأن هذين النموذجـين الاقتصاديــين هما متوافقـــان وأن مايدعى بالنظام الخليط (Blended Economy) ذي النكهة الصينية، لايزال صالحاً للتنمية في الصين.

تقرير السكرتير العام في المؤتمر يمتدح هذا النموذج الاقتصادي المختلط، كما يثني على الشركات الصينية الخاصة ذات الحضور العالمي، ولكنه يتجاهل الحاجة إلى إصلاح العديد من الشركات المتعثرة والمملوكة للقطاع العام والتي تتطلب أوضاعها معالجة آنية.

المسألة الثانية: هي التوتر بين الطلب والعرض في الاقتصاد الصيني، فالتقرير السياسي للحزب في المؤتمر يؤكد بشكل واضح أهمية الإصلاحات الهيكلية المطلوبة على مستوى العرض supply side، فالتأكيد على أهمية الإنتاجية، الابتكار، وتشذيب القدرات الزائدة، والانتقال إلى السلسة الأعلى من التصنيع والخدمات تعتبر من اللبنات الأساسية في هذا المجهود. كما يوضح التقرير أهمية زيادة قدرة المستهلكين على الصرف وعلى الخدمات والتي اعتبرت من المسائل الاقتصادية التي يجب أن تحظى بالاهتمام . غير أن الاهتمام بجانب العرض دون جانب الطلب قد يدعو إلى القلق حسب بعض المراقبين للشأن الصيني.

المسألة الأخيرة: التوتر أو القلق حول مسألة ما يسمى بالمسار والمحطة المقصودة. فبالرغم من الإنجازات العظيمة التي حققها الاقتصاد الصيني في العقود الأخيرة إلا أنه لايزال في مراحله الأولى من التغييرات والإصلاحات الهيكلية، فقطاع الخدمات رغم ماحققه من نمو لا يزال يشكل 52 % من الناتج المحلي الإجمالي، بينما الاستهلاك العائلي لا يتجاوز  %40  من الناتج المحلي الإجمالي. الصين قد تكون في المسار الصحيح ولكن مسيرتها طويلة للالتحاق بالدول المتقدمة اقتصاديًا.