أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (6)

د. عمر هزاع – دير الزور - سوريا

 

(عام الحزن)
وفي هذا العام اشتدت المحن على النبي صلى الله عليه وسلم, فقد اجتمعت عليه الهوائل في فقد زوجته خديجة ثم عمه أبي طالب, وهما هما من كانا يدعمانه ويعضدانه بمالهما ومكانتهما وعشيرتيهما, ففقد دعامتين قويتين وأحس بمكر قريش به, وأنها قد تفتك به بعد انكشاف ظهره, فحاول أن يلتمس طريقا للدعوة خارج مكة, ليؤمن للمسلمين فرصة النجاة بدينهم كي لا تخمد جذوة هذا الدين, وكي يتمكن من إتمام رسالته فيما بعد.
ما أَبلَسَ الشِّعرُ باستِعصاءِ ماحيها
                                  بَلِ التِباسَةِ حاميها بِعاصيها !
أَقوى "أَبو طالِبٍ" عُمرًا يَذِبُّ؛ وَما
                                 تَخَلَّلَتْ دَعوَةُ الإِســلامِ واقيها!
فَماتَ طَيخًا! عَلى أَشياخِ مِلَّتِهِ!
                             رَثَّ الضَّلالَةِ! لَم يُحسِنْ تَخَطِّيها! *65
فانهَدَّ رُكنٌ شَديدٌ كانَ يَحفَظُها
                              عَصــــِيَّةً, تَتَـحَدَّى مُستَبيحيــها
أَرستْ بِنَفسِ رَسولِ اللَّهِ مِيتَتُه
                             هَمًّا يَنُوءُ بِهِ – حَملًا - مُواسيها
فَكانَ فاتِحَةَ الأَحزانِ في سَنَةٍ
                             طُـوفانُ قادِمِها مِن سَيلِ خافيها
المَوتُ يَربِضُ في الأَحياءِ مُفتَرِشًا
                             مَســالِكَ الآلِ , بِالآلامِ يَطحيها
وَبِالمَناسِمِ يَفري في أَزِقَّتِها
                            فَمَن تَفِرُّ مِنَ النَّسمـــاتِ يَقزيها  
كَأَنَّها سَنَةُ الآجالِ,  مُتَّشِحًا
                           صَمصامَةً تَتَعَرَّى , لا يُرَكِّيها !
جَهمًا - عَلى دَكَّةٍ بِالبابِ - مُحتَفِزًا
                          يَصطادُ ما يَتَراءى مِن حَوانيها !
حَتفٌ يَحُفُّ بِهِ حَتفٌ ! وَداهِيَةٌ
                              تَدهو بِداهِيَةٍ ! وَالعَدُّ عاديها !
حَتَّى إِذا اهدَودَرَ النَّحسُ الشَّغافَ؛ طَما
                         وَاغتَمَّتِ النَّفسُ مِن طُغيانِ طاميها
فَما يَكادُ يُسَجِّي عَمَّهُ ؛ التَحَقَتْ
                         بِهِ " خَديجَةُ " ؛ في مِيقاتِ جابيها  
خَمسًا وعِشرينَ مِن عَطفٍ  بِمُنعَطَفٍ
                                تَخَطَّفَتها المَنايا في تَجَنِّيها

o    ( قَد آمَنَتْ  حِينَ كانَ النَّاسُ يَكفُرُ  بِي , وَصَدَّقَتْ عِندَما صَدَّتْ أَهاليها ) *66

عِبارَةٌ بِسٍجٍلِّ النَّعيِ قَد كُتِبَتْ
                             بِماءِ عَينِ النَّبيِّ , الفَقدُ مُمليها
بِزَفرَةٍ مِن وفاءِ الحِبِّ سَربَلَها
                           قَميصَ آهٍ وَرَتْ أَضلاعَ واريها
وارى بِها خَيرَ مَن عاشَتْ تُؤازِرُهُ
                               وَمَن يُشيعُ بِهِ رَزءًا تَواريها
ما أَفدَحَ الخَطبَ ! أُمُّ الأُمَّةِ ارتَحَلَتْ !
                      فَالأُمَّةُ – الخُبطُ وَالثَّكلى – نَواعيها!
نِعمَ النَّصيرُ , وَنِعمَ الزَّوجَةُ , افتُقِدا
                           فَمَن يُساويهِ فَقدًا !؟ أَو يُساويها !؟
لَمَّا قَضى عَضُداهُ , اليَأسُ مالَ بِهِ
                       فَمالَ - في نَزَعاتِ الضُّرِّ- ضاريها
فَأَلجَأَتهُ " قُرَيشٌ " في عَداوَتِها
                             إِلى التِماسِ بِعادٍ عَن دَعاويها
وَناهَضَتهُ إلى ظَهرِيِّ نَهضَتِهِ
                             وَالهِبرِزِيُّ أَبِيٌّ ! لا يُراضيها !
حَتَّى إِذا استَلَمَتهُ " الطَّائِفُ " انكَشَفَتْ
                               لَهُ الجَهالَةُ في أَسمالِ باليها ! *67
لِلــ .. " قَريَتَينِ " جِناياتٌ يُكابِدُها
                          وَما يَوَدُّ – لَدى المَولى– يُقاضيها!
الصَّبرُ سَلواهُ , وَالإِيمانُ مَنطِقُهُ
                          وَالدَّعوَةُ الحَقُّ لِلأَصحابِ يُزجيها

لَولا انجِذابُ قُلُوبِ المُسلِمينَ لِمِغناطيسِ حِكمَتِهِ
لَانفَضَّ لافيها !
لَولا الثَّباتُ وَفَضلُ اللَّهِ ؛ ما صَمَدوا
                           وَلَم يَكُن لِبَناتِ الهامِ واعيها!
لَولا القِيادَةُ وَالتَّهذيبُ ؛ لَانفَرَطَتْ
                         فَرائِدُ العِقدِ عَن تَسلِيكِ حاليها!
لَولا الشُّعورُ بِمَسؤُوليَّةٍ وَقَعَتْ
                         عَلى عَواتِقِهِم ؛ لَانهَدَّ واهيها !
لَولا التَّعَلُّقُ بِالقُرآنِ ؛ ما سَلَكوا
                         مَناهِجَ الهَديِ أَحكامًا وَتَفقيها !
بَشائِرُ الوَحيِ آياتٌ مُؤَلِّفَةٌ
                          بَينَ القُلوبِ ؛ مَفاتيحٌ تآويها
وَمُحكَمُ الذِّكرِ أَكوادٌ يَفُكُّ بِها
                            تَشفيرَ أَفئِدَةِ الآنامِ  شافيها

الهامش:
أبلس: يئس ودهش وتحير وسكت غما ولم تكن له حجة و قل خيره \ طيخ: كبر وفساد وقبح وجهل وخوض بالباطل\ يطحي: يبسط ويضطجع\ المناسم: جمع منسم (للجمال كالظفر للإنسان) طرف خف الجمل \ يفري: يشق و يقتطع ويفتت \ يقزي: يصرع ويقتل \ صمصام: سيف مصقول\ يركي: يتكئ \ جهم : وجه كريه عابس وغليظ \ حواني: جمع حانية (من الحنو) \ اهدودر: انصب وانهمر
الياْس (اليأس) \ ناهض: قاوم \ ظهري: ما يهمل و ينسى \ الهبرزي: الأسد \ أسمال: ثياب بالية رثة \ القريتين (وترد هذه المفردة بهذه الصيغة أي صيغة المثنى المجرور غالبًا – اعتمادًا على ما ذكرت عليه في القرآن - و لا مانع من أن تأتي مرفوعة بالألف في موقعها من الكلام): هما مكة و الطائف \ لافي (لاف): الصقر الملتف حول الصيد و كذلك المخالط للآخرين \ بنات الهام: مخ الدماغ و النخاع \ حالي: من يسلك و يصوغ الحلى أكواد : جمع كود: شيفرة اليكترونية أو رقمية أو لوغاريتمية لفك الملفات المحمية أو المشفرة \ آنام : خلق و بشر .

المراجع:
*65: في الصحيح عن المسيب : أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي – صلى الله عليه و سلم – وعنده أبو جهل فقال : ( أي عم , قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) فقال أبو جهل و عبد الله بن أمية : يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزالا يكلماه حتى قال آخر شيء كلمهم به : على ملة عبد المطلب , فقال النبي : ( لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ) فنزلت : ( ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) التوبة 113.
المصدر : صحيح البخاري باب قصة أبي طالب 1(548)
*66: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -: (آمنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني حين كذبني الناس وأشركتني في مالها حين حرمني الناس و رزقني الله ولدها و حرم ولد غيرها), رواه الإمام أحمد في مسنده 6(118).
*67: في هذا العام – عام الحزن – اشتدت عداوة قريش للرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه فخرج يدعو أهل الطائف فلقي منهم أشد مما لقي من قومه, وبلغ الضيق بصحابته إلى محاولة الهجرة عن مكة ومن ذلك محاولة أبي بكر التي قصد بها الحبشة وأرجعه ابن الدغنة في جواره, وفي ذلك صرح النجيب آبادي (انظر تاريخ الإسلام 1"120") \\ أما القصة كاملة فمروية في: ابن هشام 1(372-373-374) \\ و في صحيح البخاري 1(552-553).

تعليق عبر الفيس بوك