المعتصم البوسعيدي
قبل أسبوعين، وفي طريق مسقط-صور، أدرت المذياع لأسمع أي شيء كان في تلك اللحظة، عندها شدني الحديث الذي كان يدور حول أخبار رياضة الفروسية العُمانية، وعلمت بُعيد لحظات أنه برنامج مُخصص عن الفروسية ويحمل اسم "صهيل" مُعد بشكل ممتاز، ويحتوي على فقرات متنوعة عن الفروسية بسباقاتها وفعالياتها وأخبارها، وحديث عن مُلاك الخيل، وعن الخيل ذاتها مع وقفات شعرية منتقاة، ولقاءات مع المسؤولين عن هذه الرياضة العريقة.
لقد منحني سماع برنامج "صهيل" فسحة من التفكير والتساؤل؛ أين نحن عن هذه الرياضة؟! وأين هي من خارطة الرياضة العُمانية بشكل عام؟! ولا أدعي معرفتي بها وأتوقع أن ثمة كثيرين مثلي ممن تمر علينا -بين الفينة والأخرى- مقاطع انتصارات الخيل العُمانية في المضامير المحلية والإقليمية والعالمية، وتشدنا أيضًا جمال الخيل العُمانية، ونتفاخر بصور ارتباط الإنساني العُماني بالفروسية وأصالتها ورمزيتها الإسلامية، وقد حاولتُ ـ وأنا المقصرـ أن اتقصى أحوال هذه الرياضة النبيلة في السلطنة، بالرغم من صعوبة ذلك في الشبكة العنكبوتية؛ لضعف قاعدة البيانات الرياضية في مواقع المؤسسات المعنية، إلا أنني وجدت ما أود قوله -ولو بالنذر اليسير- حتى لا تهرب مني الأفكار في زحام الأيام.
البحث قادني إلى العام 1985م تاريخ إشهار الاتحاد العُماني للفروسية وما مرَ به من مُتغيرات حتى انضمامه تحت مظلة وزارة الشؤون الرياضية عام 2005م ثم تشكيل مجلس إدارة الاتحاد في العام 2013م وتحديد مهامه واختصاصاته العامة، وقد توالى على قيادة زمام اتحاد الفروسية -وحتى الاتحاد الحالي- شخصيات اعتبارية رفيعة المستوى نجحت في تعزيز مكانة الاتحاد، وإيجاد التوزان المطلوب بين المؤسسة والرياضة، بل إن هناك فترات تاريخية سابقة كانت للفروسية العُمانية الريادة بين نظيراتها من الدول، وقبل كل ذلك كان هناك -ولا يزال- الدعم السامي لمولانا المعظم -حفظه الله ورعاه- فارس عُمان الأول.
كثيرة هي تلك التفاصيل التي يمكن الحديث عنها فيما يخص الفروسية العُمانية؛ من مزرعة الرحبة والنقلة النوعية التي أحدثتها، إلى الخيالة السلطانية وصيتها الرائع، وقوفًا مع محمد بن عيسى الفيروز أول عُماني يرأس اتحادا دوليا إثر ترأسه الاتحاد الدولي لالتقاط الأوتاد، وما يقدمه هذا الرجل لرياضة الفروسية العُمانية على وجه الخصوص، مرورًا بتنوع رياضات الخيل من مسابقات محلية ودولية وفنون تراثية وغيرها، ثم هناك كفاءة الكادر الوطني من المالك والفارس والمدرب وحتى السائس، وهنا يمكن الاستدلال بالبطل العُماني الفارس سلطان الطوقي الذي حقق ميدالية أولمبية في العام 2010م في فئة الشباب، وكان من الممكن أن يكون مشروعَ بطل أولمبي في المستوى الأكبر، والطوقي من أسرة عريقة في رياضة الفروسية تمتلك مركزا يُعنى بالفروسية لتدريب وتأهيل الفرسان خاصة في الرياضات الأولمبية، كل هذا التطواف السريع كان يقودني نحو سؤال حيرني وأوجد في نفسي رغبة كتابة هذا المقال؛ لماذا (لم أو لا) نستغل هذه الرياضة لتحقيق انتصار أولمبي عالمي؟! وهل يوجد مشروع أولمبي في اتحاد الفروسية؟! وطرحي هنا ليس نقدًا، وإنما تساؤلاً أود الحصول فيه على إجابة، والأمل يحدوني نحو إجابة تفتح أبواب الأماني على مصراعيها.
إن تاريخ رياضة الفروسية يحكي دخولها في الرياضات الأولمبية منذ العام 1900م، وليس كل رياضات الفروسية داخلة في النطاق الأولمبي؛ هناك رياضات محددة تتضمن قفز الحواجز وأدب الخيل، كما أن الفروسية بشكل عام تُعتبر -عُرفًا- رياضة الأغنياء؛ إذ تحتاج لميزانية مرتفعة جدًّا، وكم أفرحني حديثي -قبل كتابة المقال- مع مجموعة من المعنيين بالفروسية، ولاحظت أُفقهم الواسع وتفاؤلهم بقدرات السلطنة في الوصول بعيدًا في رياضة الفروسية، مع تحديد جملة من التحديات أهمها ضرورة مساهمة القطاع الخاص في تعزيز هذه الرياضة ورفع مكانتها للمستوى العالمي؛ "فاليد الواحدة لا تصفق"، وعن قلة البُنى الأساسية المهيأة بالصورة المُثلى إداريًّا وفنيًّا، كما ذكروا الدور الإعلامي الذي لم يرتقِ بعد للتطلعات رغم تطوره الواضح في الفترة الأخيرة، والذي جاء نتيجة اشتغال المعنيين بالفروسية أنفسهم، مع ذكر أهمية تسويق رياضة الفروسية لما تشكله من قيمة رياضية واقتصادية في آن وهذا جانب -أعتقد- يقع على عاتق الاتحاد والوزارة واللجنة الأولمبية، أما تفاؤلهم فكان مستندًا للقاعدة الصلبة التي تنطلق منها الفروسية، علاوة على وجود مرابط خيل أو مدارس ومراكز خاصة -إن صح التعبير- باتت تشكل إضافة جيدة للفروسية العُمانية.
يبقى حديثي هنا "غيض من فيض" يملكه أصحاب الشأن برياضة الفروسية، والأماني مُعلقة "بصهيل" يتخطى كل الحواجز؛ لتكون النتيجة "رفرفة" علم الوطن في بطولات عالمية ليس بالمشاركة فقط؛ بل "برفرفة" على منصات التتويج، ويا ليت على منصة أولمبية تخرجنا من القلة القليلة التي لا تملك سوى "خُفي حُنين"!!