الرجل الصندوق والمرأة العنكبوت

مرفت عبد العزيز العريمي- كاتبة وباحثة عمانية


قلة استطاعوا  فك شفرة  التواصل بين الرجل والمرأة، أو بالأحرى كيف يفكّر كلّ من الرجل، والمرأة، فما زلنا نسمع في كل مناسبة، أو موقف عن  الفروقات  بين الرجل، والمرأة وما وراء ذلك من نشوب الكثير من المشكلات،  والخلافات،  ليس فقط على صعيد العلاقات الأسرية؛ بل حتى إن البعض  يعزو  الإخفاقات المهنية، والعلمية إلى الفروقات بين الجنسين دون وجود سند علمي يعزّز هذا القول.
 إنّ  مسلسل الصراعات المفتعلة  بين المرأة، والرجل التي أصبحت مادة دسمة للإعلام، والدراما، والروايات والتي تعود إلى تحليلات، عادة ما تصف المرأة بالانفعال  في تصرفاتها، والرجل بالبرود في ردود أفعاله تجاه تلك التصرفات؛ فالمرأة تتوقع أن يفهم  الرجل طلباتها التي تأتي من وراء الكلمات.. الهمسات..  النظرات.. السلوكيات، إلا أنّ الطامة الكبرى، والكارثة الأعظم تحدث عندما يفسّر الرجل تلك الكلمات الإيحائية بطريقة مختلفة، ويدخلان في دوّامة  كلامية من التراشق اللفظي، والاتهامات المتبادلة التي  تبدأ بــ"أنت لا تحبني، ولم تعد تكترث لي،  وتنتهي  أنا في بيت أهلي!!"
موقف واحد فقط كفيل أن يحوّل العلاقة  السعيدة إلى كارثة أسرية،  قليلون  استطاعوا أن يفهموا (كود) العلاقة التي تجمع بين المرأة، والرجل،  فعاشا في استقرار إذ أنهم أدركوا فعليا أن المرأة، والرجل مختلفان، ومتكاملان في الوقت نفسه، ولا يمكن  الاستغناء عن أحدهما.
إلا أن المشكلة ما زالت قائمة،  لأن كلا  الجنسين  يملكان منهجين مختلفين في التفكير،  وهذا هو جوهر المشكلة،  فمهما حاولنا التقريب بينهما، فلا يمكن أن نجزم بأن المرأة تستطيع أن تفهم الرجل، والأمر كذلك بالنسبه له، لسبب بسيط أن كليهما يتوقع أن الآخر يفكر مثله، ويحاول أن يتناقش مع الآخر بإسلوب منطقي اعتاده  مع بني جنسه، وقد أثبتت الأبحاث العلمية في العقود الماضية أن كليهما يختلفان حتى في تكوين الدماغ، فالاختلاف في أصل التكوين، ولا يمكن علاجه، وإن الرجل والمراة يملكان دماغين ذا  قابليات مختلفة تتكامل، وتتقاطع مع بعضهما البعض، ويجب أن يفهم كل منهما خصائص الآخر، ويدركان تمام الإدراك أنهما متكاملان، ويمكن للمتخصصين استثمار هذا الاختلاف، وتوظيفه في تطوير خصائص الاختلاف في تربية، وتعليم الأولاد، والبنات.  
ومن المجحف حقا أن نطلب من الرجل أن  يفكر كما تفكر المرأة،  أو  أن يتفاعل مع الأمور، كما تتفاعل المرأة لأنه لن يستطيع إلى ذلك سبيلا، وأن حاول، فنمط تفكيره، مختلفٌ تماما عنها، والعكس كذلك صحيح بالنسبه لها، فلا يمكن أن نتوقع أن تتصرف المرأة، كما يتصرف الرجل، فسلوكياته، وردود فعله ناتجة عن نمط تفكير مختلف.
 يشبّه العلماء عقل الرجل بمجموعة من الصناديق محكمة الإغلاق  لكل صندوق موضوع واحد فقط، فهناك صندوق للبيت، وصندوق للعمل، وصندوق للأولاد  وهلم جرا،  فإن دخل أحد الصناديق لا يستطيع رؤية ما يحدث في الصناديق الأخرى،  أو حتى يتفاعل مع كل ما يحدث بالخارج حتى يخرج منها  لذلك؛  فإن رأت المرأة الرجل منشغلا بصندوق العمل، فلا تحاول مقاطعته، أو التحدث إليه، لأنه لن يتستوعب ما ستقوله، فهو داخل الصندوق.
أما تفكير المرأة، فهو عنكبوتي أي مجموعة من الخيوط المترابطة تشكل نسيجا واحدا،  ويمكنها أن تعمل، وتفكر في أكثر من شيء في وقت واحد، لذلك،  فهي ماهرة جدا في التخطيط، والتفكير المستقبلي،  والوظائف التي تتطلب مهارات متعددة.
إذن نحن أمام ثنائية بديعة إنها ثنائية المرأة العنكبوت، والرجل الصندوق وهذه العلاقة السهلة الممتنعة بين  الجنسين مازالت تُفرد لها مساحات واسعة في الدراسات التي طرحت العديد من الحلول لإلغاء فجوة الاختلاف بينهما، وتقريب  فلسفات تفكيرهما حتى أن الكثير من الخبراء يرون، أنه من المهم جدا إشراك المرأة في عملية اتخاذ كافة القررات التي تتعلق بتنمية المجتمع، وتطويره، لأن  اتجاهاتها في التفكير تسلط الضوء على زوايا، ومساحات  قد يغفل عنها الرجل، والعكس صحيح إلا أن  الدراما، والقصص الكرتونية، ونصائح المقربين جسدت، ورسخت نقاط الاختلاف أكثر من التكامل.. إنّ الفروقات موجودة،  وهي حقيقة  يجب أن نتعايش معها لا أن نرفضها،  فالاختلاف بين الرجل، والمرأة من أجل استمرار الحياة، ولا جدوى  من تحويل الاختلاف إلى خلاف،  لأنها الطريق  إلى التعاسة،  وإخلال التوازن في الحياة.. وتستمر الحكاية.

تعليق عبر الفيس بوك