دواعي ظهور"قضية" المرأة حديثا ومظلومياتها قديما

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني
الجامعة الهاشمية – الأردن


    إن المرأة في العصر الحديث باتت حديثا يتداول في الأوساط العلمية والسياسية والاجتماعية وغيره؛ بل أصبحت "قضية" وقبل أن نشرع ببيان مكانتها في الفكر الإسلامي ،لابد من توجيه الأنظار إلى الفرق الجوهري بين دواعي ظهور قضية المرأة في الغرب ،وبين دواعي ظهورها في الشرق في العصر الحديث بشكل خاص .
إن التحول الاجتماعي الكبير في أوائل عصر النهضة كان نتيجة حتمية للتحول السياسي والاقتصادي الكبيرين،واللذيّن أديا إلى نسف العصر الكلاسيكي المظلم، ومبادئه وأفكـاره التي كانت سبب تخلف أوروبا عبر القرون الماضية، وظهرت قضية الأوروبية وحقوقها، من ضمن القضايا المطروحة نتيجة لخلل اجتماعي كبير في العصور الوسطى. ولما كان المجتمع الغربي ينتقل  من الإقطاعية إلى الرأسمالية الحرة- رأى ذوو السلطان ضرورة توجيه المرأة التي تشكل غالبية المجتمع باستغلال حنقها على الظلم الذي كانت تعانيه في ظل القيم الكلاسيكية؛ من أجل تحقيق مكاسب مادية خاصة، فكانت فكرة تحرير  المرأة في الغرب تحريرا غير مشروط، وتحولت في ظل الرأسمالية إلى عبودية أشد وطأة، فلم تعد سوى دمية تستغل وسيلة للدعاية والترويج لبضائع الرأسماليين من أزياء وعطور، ومستهلكة لسلعهم،وغيرها.
 وفي بداية النهضة الأوروبية كان المشرق الإسلامي يدخل في مرحلة سباته، ومع أن المرأة المسلمة لم تكن تعاني من الظلم الذي عانت منه الأوروبية، إلا أن المجتمع المسلم كله أخذ يعاني من مشكلة سياسية مزمنة انعكست على المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسلوكيا.
ولعل السبب المباشر في ظهور مشكلة المرأة وقضيتها هو انهيار الدولة الإسلامية الواحدة، وتفككها إلى دويلات، وما أعقبها من نكبة فلسطين، وظهور الورم الصهيوني في قلب الأمة، والذي أدى بدوره إلى زعزعة ثقة الناس بحضارتهم وفكرهم بالإضافة إلى وجود مروجين وعملاء في الشرق للاشتراكية والشيوعية والرأسمالية وغيرها مواكبة للهيمنة الغربية، ومصنعة في مطبخها؛ لضمان تفتيتها وتصارعها من الداخل، فوجدت قبولاً في عقول كثير من أعشار المثقفين المبهورين بفكر المحتل وقوته، ناهيك عن الدعم لها من الخارج باسم التعددية الفكرية، والحرية الحزبية، آخذين بكل ما يطرحه من إشكالات وحلول - في واقع الأمر- ما كانت موجودة في مجتمعنا .وطرح الحلول لمشاكل ليست موجودة أصلاً أدى إلى إيجاد مشاكل لم تكن، كمن يشرب دواء لخفض السكر، وليس بمريض سكر، فيدخل في غيبوبة ووفاة.
وإننا لا ننكر وجود خلل اجتماعي في المجتمع الإسلامي في ذاك الحين، إلاّ أن المرأة لم تكن الضحية الوحيدة في الوطن العربي؛ بل هي واحدة من مجتمع مكون منها ومن الرجل والطفل، كلهم يعيشون مأساة واحدة : الجهل، والجوع، والتخلف، والتبعية، والذل، والتهميش، و...إلخ.
لكن الشيوعية والرأسمالية وغيرهما من الصرعات الفكرية المستوردة ركزت على المرأة خاصة؛ بجعلها صورة مشوهة من المرأة الأوروبية من أجل تكبيل الرجل وسلبه دوره الفطري والحضاري الفروسي، و تغيير الهوية الإسلامية في المجتمع الذي قسمت دولته في دويلات، وفتت قبيلته في جنسيات، وقد آن الأوان لتفتيت أصغروحدة لتماسكه، ألا وهو الأسرة الصغيرة، حين يخلق في كل بيت صراع بين الأب والأم، والأخ والأخت، والأب والبنت، وهكذا تمهيداً لنسف الهوية الأخلاقية والقيمية الاجتماعية، وتمهيدا لما يسمى بالعولمة  لضمان ذوبان المغلوب في الغالب؛ ولضمان خلخلة كل الثوابت والأسس التي ترتكز عليها الأمة.
ولكي نوضح جوهر ما قلناه من أن العربية قد فرضت عليها مشاكل قياساً على الأوروبية، لتُلبَس بالتالي قصراً شخصية الأخيرة فتوافق أغراض مسيسي العالم الحديث وأهواءهم؛ لا بد من الحديث عن وضع المرأة في الجاهليات المختلفة القديمة والحديثة، فالعربية قد تحررت مع بزوغ فجر الإسلام أي قبل أكثر من 1400 عام، في حين أن الأوروبية كانت وما زالت تعيش في غياهب الظلم البدائي.
لقد كان الوأد من الممارسات الظالمة ضد المرأة في الجاهلية حيث كانت توأد الفتاة فور ولادتها خشية الفقر، أو العار، وكان أيضاً يذبح بعض الذكور قربانا للآلهة المزعومة، وكان أول من ابتدعها بحق الإناث في العرب زعيم قبيلة ربيعة حين غزاهم بعض القبائل، فقتلوا الرجال وسبوا النساء وفيهم ابنة الزعيم، ولما أراد أن يفتديها كانت قد وقعت في حب من أسرها وآثرته على العودة إلى أبيها  فسن وأد البنات في قبيلته.كما أن سيادة شريعة الغاب في الجاهلية، لدى العرب وبقية الأمم، جعلت حياة القوي تنبني على موت الضعيف، حياة تنقل وصعلكة، وغزو يسفر عن سبي للأطفال والنساء وأسر للرجال، ينتهي ببيعهم عبيداً فرادى في بلاد بعيدة، ومن هنا كان لكل قبيلة وشم لأبنائها، ووسم لأنعامها؛ ليسهل البحث عنهم والتعرف عليهم، فكان الفقراء الضعاف يؤثرون وأد أولادهم، وخاصة البنات لئلا يسبين ويعذبن، ويكفي الإسلام عظمة أنه هو الدين الذي جفف منابع الرق رويداً رويداً، وفتح باب المكاتبة للعقلاء من العبيد، وجعل أجرا عظيما لفك الرقاب،والحرية فرضا للجارية التي تلد....الخ، بعد أن كانت النخاسة تجارة رائجة لدى شعوب الأرض جميعا.
وعلى أي حال لم تكن هذه العادة سائدة لدى قبائل العرب جميعاً وإنما في بعضهم،  والموءودة ليست دائما أنثى فهو اسم جنس يطلق على كل نفس توأد، من ذكر أو أنثى، وقد كان بعض الجاهليين يئدون الولد عموما من الفقر أو خشية الفقر، فجاء الإسلام وحرم قتل النفس التي حرّم الله. وكان من سادة العرب من يدفع مالا إلى الوالد مقابل أن يعطيه ولده( ذكرا أو أنثى) فيتبناه ويربيه ويرعاه حتى يكبر ويزوجه، ولم يكن العرب وحدهم من يفعلون ذلك فالجاهلية الهندية ما زالت إلى يومنا هذا تئد البنات مـن الفقر، وبعض الآباء يبيعون بناتهم رقيقا ،وفي الصين يتخلص الآباء من أطفالهم بقتلهم وإلقائهم في عرض البحر خوفاً من عقوبة الإعدام بسبب الإنجاب أكثر من المسموح.وقد حرم الإسلام هذه العادة انتصافاً لإنسانية المرأة وحقها في الحياة، ولإنسانية الإنسان. فقال تعالى" وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير:8 ،9)" وقال أيضاً عزَّ وجلَّ "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم ( النحل:59)" استسفاهاً لمن يفعل ذلك وقال تعالى:" قد قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" ".وقال:" وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ  نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ  إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا "(الأنعام:151)، وقال: " وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ  نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ  إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا "(الإسراء:31).
ظلت المرأة في الجاهليات المختلفة محرومة من الإرث وظلت الأوروبية كذلك إلى بداية عصر النهضة؛ بل إنه لا يجوز لها أن تتصرف فيما تملك دون وصاية الزوج أو ولي الأمر . وكانت المرأة في الجاهلية العربية تورث مثل المتاع، وكان ابن الزوج يرث أباه في زوجته رغماً عنها  في حين نجد الإسلام يعطيها حصة هي الأصل من مال الوالد والوالدة والولد والزوج، وجعل للذكر ضعف حصتها" وللذكر مثل حظ الأنثيين"  وهذه من الشبهات التي يحاول أن يغمز فيها أعداء الإسلام بالتشريع الإلهي. ولو تفكرنا قليلاً لوجدنا أنها قسمة الحق والعدل، فقد أعطاها بعدما كانت محرومة، ثم إنها بحصتها أوفر حظاً مما أعطي شقيقها إذ لا تجب  النفقة عليها، بل عليه أن ينفق عليها من نصيبه إن لم يكن لها زوج، ونفقتها فرض على زوجها إن كانت متزوجة، وعلى ولدها إن كان بالغا، وإن كانت غنية، فمالها ترفه به نفسها فقط. ومحارمها أولئك ينفقون على زوجاتهم وأولادهم وبناتهم وأخواتهم، كما أوجب على أخيها النفقة على زوجهِ وأولاده وأحد الوالدين إن وجِد .
 والأعجب أن القانون الإنجليزي ظل حتى عام (1805م) يعطي الزوج حق بيع زوجته رقيقاً جهاراً نهاراً.
وكانت المرأة في الجاهليات القديمة الأشوريةو الفرعونية  واليونانية مستغلة باسم الدين الذي شرعه ذوو السلطان من أجل إشباع رغباتهم الجسدية والمادية، وكانت الإباحية الجنسية، وكان من شعائرهم ما يسمى بـ"الزنا المقدس"، وما زالت في الهند إلى اليوم نساء يعرفن بـ"بغايا المعبد" يزنين مع عابر الطريق في سبيل إلههن المزعوم.وكان من الطقوس الواجبة عند تلك الأمم أن تزني العذراء مع عابري السبيل معبد"عشتار"، و "أفروديت"، و"إيزيس"، قبل أن تزف إلى زوجها ما لا يقل عن أسبوعين.          
وفي الحضارة الغربية اليوم التي تدعي الانتصار لحرية المرأة، تتعرض المرأة بسبب سفورها الفاضح إلى مضايقات جنسية عالية النسبة في أماكن العمل، كما أن المرأة لاتعطى راتباً مساوياً لراتب الرجل الذي في منزلتها العلمية نفسها.في أماكن كثيرة في أوروبا، كفرنسا مثلا لا حصرا.
كما أعطت جمعيات حقوق المرأة، والقوانين في أمـريكا وأوروبـا شـرعـية للخدن "Boy friend"   فله ما للزوج من حقوق، لتمتلئ الملاجئ ودور الحضانة الحكومية بالأطفال غير الشرعيين؛ بل بين الحين والآخر تتناول وسائل الإعلام في الدول الأوروبية وأمريكا بكثير من الفخر والاعتزاز خبر ولادة أصغر أُم عندهم في سن "الثانية عشرة " غالباً، من زميلها على مقاعد الدراسة، في حين يرون تزويج البنت في سن مبكرة زواجاً شرعياً أمراً بشعاً ومستكرهاً، وجريمة توجب العقاب والسجن .
وفي الجاهليات المختلفة لم يكن للمرأة الحق في اختيار الزوج، وكذلك كان الأمر في أوروبا إلى عصر النهضة، في حين أن الإسلام أعطى المرأة حق اختيار الزوج والنظر إليه بوجود وليّه، بل جعل زواج الإكراه باطلاً، قبلهم بقرون طويلة، بل إن بعض الحرائر في الجاهلية العربية كن يخيرن في أزواجهن. وقد يقول قائل: إن بعض الفتيات في مجتمعنا اليوم يكرهن على الزواج، والواقع أن هذا لا يمس بقداسة التشريع الإسلام، وإنما الخلل في بيئة الأهل أولاً، وفي الفتاة ثانياً ؛لأنها رضيت بأن تكون ضحية، والشرع يعطيها الحق في اللجوء إلى القاضي وولي الأمر من أجل منع زواجها بالإكراه .
بل كانت المجتمعات الجاهلية تحتقر المرأة، فاليونان يرونها رجساً من عمل الشيطان تباع وتشترى كالمتاع، وتمنع من التعليم، ولا يجوز أن ترث، وتستغل لمتعة الرجل في طقوس الخصب. فهذه شريعة حمورابي التي يتفاخرون بأنها أول دستور في تاريخ الإنسانية كانت تحسب المرأة في عداد الماشية المملوكة. وعند الهنود القدماء لا يحق للمرأة أن تحيا بعد وفاة زوجها ، فتحرق معه حية كما تقدم قرباناً للآلهة.وفي تايلند إلى اليوم في بعض القبائل تدفن المرأة حية في قبر ثم يوضع فوقها لوح من صخر ثم يوضع جثمانه فوقها ثم لوح صخر فوقه فتراب. وكذلك ملوك الفراعنة. وجاء في تشريع الهندوس :"ليس الصبر المقدر، والريح، والموت، والجحيم، والسم، والأفاعي  والنار بأسوأ من المرأة. وعند بعض الطوائف اليهودية البنت في مرتبة الخادم، ولأبيها الحق في أن يبيعها قاصرة، وهي عندهم لعنة لأنها أخرجت آدم من الجنة، وقد جاء في التوراة :" المرأة أمرُّ من الموت، وإن الصالح أمام اللّه ينجو منها، رجلاً واحد بين ألف وجدت، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد".كما لا يخالط الرجل المرأة في وقت العذر الشرعي؛ لأنها عندهم نجسة، ولا يُآكلها أو يشاربها ، ودمها نجس و إن شيء منه  جاء على ثوب أو غطاء فلا يطهر إلّا بالقص.

تعليق عبر الفيس بوك