عيسى الرواحي
ذلك أسمى هدف وأنبل مقصد من طلب العلم أولاً هو الوصول إلى الجنة، وهذا ما يجب أن يُرسخ في أبنائنا الطلاب من بداية دخولهم إلى المدرسة بحيث يُغرس في أذهانهم أنَّ طلب العلم من أعظم العبادات وأشرفها عند الله سبحانه وتعالى، وأنَّه من الطرق الموصلة إلى الجنة، ولعل في ذلك دافعًا أكبر وحافزًا أشد إلى طلب العلم لنا جميعا كبارًا و صغارا رجالا ونساء في أننا بطلبنا العلم إنما نحقق الهدف الذي من أجله خلقنا وهو عبادة الله تعالى، والغاية التي من أجلها نسعى ونطمع ألا وهي دخول الجنان ونيل رضوان الله تعالى.
لا ريب أنَّ لطلب العلم أهدافا كثيرة وغايات نبيلة ومقاصد سامية لا يتسع المقام لذكرها، ولا يكاد أحدٌ يجهلها ولعلها في ذهن كل طالب، فما من طالب علم إلا ويعرف أنَّ قيمته في الحياة بعلمه، ويعرف أنَّ الشعوب المتقدمة وصلت إلى ذرى المجد والعلياء بالعلم، وأنَّ من أراد منصبا رفيعا أو وظيفة مرموقة فعليه بالعلم، ومن أراد المكانة والثراء فعليه بطلب العلم أيضًا، والبحث في ما يحققه العلم لصاحبه لا يحصيه العد، ولا يقف عند حد.
لكننا بحاجة في حقيقة الأمر إلى التأكيد على أهم مقصد من مقاصد طلب العلم وهو الوصول إلى الجنة كما أشرت آنفا، وهذا ما قد يغيب عن أذهان بعضنا عند الحث على طلب العلم، وقد لمست ذلك مرارا وتكرارا عند سماعي الكلمات المدرسية أو البرامج الإذاعية أو قراءتي المقالات المنشورة حيث يظل حديثهم مقصورا عند حثهم على طلب العلم الأهداف المادية والمقاصد الدنيوية.
من الأهمية بمكان أن نغرس في قلوب أبنائنا قبل مسامعهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقا إلى الجنة" فكل ساعٍ إلى طلب أي علم نافع مفيد سواء أكان من علوم الدين أم علوم الدنيا إنما هو يسهل لنفسه طريق الجنة، وهو عندما يخرج من بيته إلى المدرسة أو إلى أي مؤسسة تعليمية حتى يعود فإنما هو في سبيل الله تعالى وطوبى لمن سعيه ووقته في سبيل الله تعالى، فقد ورد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"
ومن الأهمية بمكان أن يوقن الطالب أنَّ طلبه العلم فريضة فيما يخص بعض فرائض دينه كونه مسلما، وبتأديته هذه الفريضة ينال من الفضائل والكرامات ما يجعل الملائكة تحيطه بالعناية والرعاية، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ... وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع".
وهل هناك من دليل أقوى، وحجة أوضح، وبرهان أسطع، من أنَّ أول دعوة في الكتاب العزيز كانت تحث على طلب العلم، بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (سورة العلق 1-5)؟
وهل هناك من كرامة أكبر لأهل العلم من أن جعلهم الله شهداء معه في قضية التوحيد أو شهودا لهذه الحقيقة العظمى ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (سورة آل عمران 18)؟
وهل هناك أعظم من منزلة رفع الدرجات عند الله تعالى (... يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( المجادلة 11)؟
وحتى يتحقق لطالب العلم تلك الهبات الربانية والمِنح الجزيلة والمحاسن العظمى والفضائل الكبرى من طلبه العلم، فإنَّ عليه أن يستحضر تلك النيات أولاً في أنه يطلب العلم لله ونيل رضوانه، وأنه في سبيل الله ولأجل الوصول إلى الجنة؛ فإنما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرئ ما نوى، كما عليه أن يخلص ذلك لله تعالى وحده غير مبتغ رياء ولا سمعة، وأن يكون على تقوى من الله، فبتقوى الله تعالى يتحقق العلم، ويكون رافعا لدرجة صاحبه عند الله تعالى يقول تعالى "واتقوا الله ويعلمكم الله".