مفهوم المسؤولية الاجتماعية

 

  علي بن كفيتان

 

كعادة الرؤية تبادر لوضع اليد على قضايا تهم المجتمع، ولم أكن مستغرباً تنظيم الدار للمنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية فقد سبقت الكثير من المبادرات ولا زال الكثير في الطريق في ظاهرة متنامية تتبناها مؤسسة إعلامية خاصة من باب المسؤولية الاجتماعية محور حديثنا في هذا المقال.

جند الكثير من أصحاب الأموال عقولهم وجوارحهم للكسب وغادر من غادر دون أن يترك بصمة في الدنيا الإنسانية أما في الدنيا المالية فظل منافساً عنيداً لأقرانه جباة النقود باحثاً عن صدارة الترتيب في مجلات المال والأعمال وآخر اهتماماته هي المسؤولية الاجتماعية التي يعتبرها ضرباً من الجنون. حدث ذلك في زمن ليس ببعيد لكن الصورة باتت مختلفة والمعايير اليوم تتطلب أن ينفق ذلك المهووس بالنقد شيئاً مما جمع مكرهاً لأنَّ البريستيج السائد يحتم عليه أن يظهر في وسائل الإعلام وهو يزور مدارس للأيتام، والقرى المنكوبة جراء الكوارث، ودولاً يحطمها التخلف ولابد من تقديم بعض المال لإظهار هذا الجانب المشرق في حياته الذي اكتشفه مؤخراً مدير أعماله ذو النظرة العصرية.

ولأرباب السياسة سهم في الأمر فكم رأينا أمراء وملوكا ورؤساء دول يتنازلون عن مقامهم العالي في دهاليز السياسة وأروقتها الثعلبية الماكرة ويتظاهرون بحب البشرية والتضامن مع قضاياها الملحة كالفقر والمرض وقضايا البيئة وغيرها ولا يعلم الكثير من الناس أنهم من يُدير كل تلك الدسائس خلف الأبواب المغلقة ومع كل ذلك ستجد دولهم هي المانح الرئيسي للمسؤولية الاجتماعية للضحايا، إنها معادلة صعبة جداً لا يفهمها إلا من اتقن الركض في الاتجاهات المتناقضة وفي آخر الشوط يحجز لنفسه المكان المناسب في الصور التذكارية التي تلتهمها أشهر الصحف والمجلات ومحطات التلفزة لتقتات عليها لاحقاً مواقع التواصل الاجتماعي.

ليس المقام هنا للإشادة بالأفراد الذين يتبرعون بمضخة مياه هنا وجهازا طبيا هناك رغم أهمية الأمر لمجتمع لا يؤمن إلا بالتنافسية بعيدا عن الشعور العميق بالمسؤولية الذاتية التي ننشدها ولا يجب أن نرسم صورة وردية بعيدة عن الواقع إذا ما أردنا تصحيح مسار المساهمة الطوعية النابعة من الذات البشرية الخيرة تجاه المجتمع. حسب البيانات الشحيحة المتاحة والتي لا توليها المراكز الإحصائية أهمية تذكر فالمجتمع بشكل عام لا يؤمن بالمسؤولية الاجتماعية الحقيقية في أضعف صورها. فكيف به لا يأبه لتخريب المرافق العامة؟ ولا يرحم ممتلكات الدولة؟ وعلى نقيض ذلك تجده في بيته وفي سيارته ومزرعته إنها متلازمة مجتمعية صعبة.

إن الدين الإسلامي الحنيف وضع منهجاً ربانياً للمسؤولية الاجتماعية بل ورفعه في قمة هرم أركانه الخمسة بعد الصلاة وهي عمود الدين إنها الزكاة، فهي ركن من أركان الإسلام، وهي أمر واجب على من لديه نصابها. فلو فكرنا بعيداً عن استدرار عواطف أصحاب رؤوس الأموال وتذكيرهم في كل محفل بما منحهم الوطن لجمع كل تلك الثروات الطائلة، ولو أنشأنا جهازا رقابياً دقيقاً على مدخرات ودخل المؤسسات والأفراد واستقطاع قيمة الزكاة الشرعية منها وصرفها في الاتجاه الصحيح؛ لما احتجنا إلى ضرائب جديدة على عامة الناس التي تساوي بين الفقير المتعفف وبين صاحب المليارات، هذا هو أحد أبواب المسؤولية الاجتماعية النابعة من الدين الإسلامي، لم يمنح الإسلام خياراً للأفراد في دفع الزكاة الشرعية إنه أمر واجب على الجميع يفرضه الدين وتقوم عليه الدولة شريطة وجود الشفافية والمصداقية في التحصيل وفي التصرف بتلك الأموال.

من العجب العجاب أن ترى شركة حكومية مملوكة للدولة تقدم سنوياً ملايين الريالات لوزارة حكومية ينفق عليها من الموازنة العامة للدولة ويصب ذلك العمل في خانة المسؤولية الاجتماعية، أليس حريا بهذه الشركات أن تتلمس المسؤولية الاجتماعية في وجهها الصحيح أم أن الأمر عبارة عن نفاق مؤسسي بات مرغوباً ولا يجد من ينكره أو بالأحرى من يفهمه في خضم البحث عن تقارير مزركشة بالصور ترفع لمجلس الإدارة وتتحدث عن صرف مبالغ طائلة للمجتمع بينما هي دعم لوزير أخفق في إدارة دفة وزارته بالموارد التي طلبها من الحكومة لذلك لجأ لمانحين جدد يشربون من نفس النبع.             

   alikafetan@gmail.com