مدرين المكتومية
يفقد التكرار والاعتياد أحيانا بعض التعبيرات جزءا من قيمتها، وحال تعبير "المسؤولية الاجتماعية" مثال بارز على ذلك؛ فهذا المعنى الإنساني المكثف في كلمتين، أصبح مع التكرار كأنه كيان جامد لا يثير المشاعر، أو يدفع نحو التعاون والتعاطف، ونحن في وقت تتزايد فيه أهمية المسؤولية الاجتماعية في عُمان، ليس فقط على مستوى التضافر الإنساني بين الناس فحسب، ولكن أيضا على المستوى الاقتصادي.
وكان بيان مجلس الوزراء الأخير، الذي لقي استحسانا وفرحة عارمة بين الناس، يحمل في طياته إعلاء لقيمة ومفهوم المسؤولية الاجتماعية، وهو ما لم ينتبه له الكثيرون؛ فعندما أشاد مجلس الوزراء بتفهم جميع المواطنين للتحديات الراهنة فهو ينوه بتقديره تحمُّل كل مواطن مسئوليته تجاه المجتمع، وعندما يدعو مجلس الوزراء جميع المؤسسات الخاصة للمبادرة وتحمل مسؤولياتها الوطنية في مجال التشغيل وتوفير بيئة العمل الجاذبة للعمانيين، فإن المجلس ينوه بمسؤولية القطاع الخاص تجاه المجتمع، وقبل هذا وذاك بدأ المجلس الموقر بنفسه بالمبادرة إلى شرح ما يقوم به من وضع الخطط والبرامج لتهيئة فرص العمل المناسبة للقوى العاملة الوطنية، وسبل المعالجة المستدامة لهذا الموضوع.
وكأحد أدوار مؤسسة "الرؤيا" التي تلتزم بها، تنطلق اليوم فعاليات مبادرة جديدة من مبادرات "الرؤية"؛ ألا وهي "المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية" في دورته الأولى "نحو ميثاق وطني للمسؤولية الاجتماعية"؛ حيث يعيد المنتدى طرح قضايا تتزايد أهميتها مع الوقت، ويبحث في المسؤولية الاجتماعية للشراكات والقطاع الخاص وللأفراد أيضا، وهو ما يعني أن هناك أدوارا تساعد حتى القطاع الخاص على القيام بمسؤولياته.
والمسؤولية هنا كلمة كبيرة تعني مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه والشركة تجاه البيئة التي تعمل فيها، والمسؤول الحكومي تجاه الأعمال المناطة به؛ فإذا قام كل منا بعمل ما عليه من مسؤوليات، سنحقق إنجازات قد لا تكون موضوعه في شكل خطط ونقاط محددة في الرؤى المتعددة التي توضع.
وهناك جانب مهم جدا لهذا الموضوع، يمكن إبرازه كمحفز للناس، وهو الجانب الديني؛ فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، يترجم بالفعل المقصود من "المسؤولية الاجتماعية" كمفهوم، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يحث على تحمل المسؤولية بما يعني أنه لا يمكن أن نركن إلى إلقاء اللوم على الآخرين؛ باعتبارهم مسؤولين عن كل شيء، ولكن الكل مسؤول كلٌّ في مكانه؛ الطالب مسؤول تجاه دراسته وأسرته، والخريج مسؤول عن تطوير وابتكار الجديد، وصاحب العمل مسؤول عن تطوير من يعمل معه؛ الجميع مسؤول، ولا يمكن التفرغ بعد ذلك لصب اللوم على جهة أو أخرى، دون أن ننظر إلى أنفسنا.
وقد ظهرت، مؤخرا، أشكال من المسؤولية الاجتماعية لمجموعة من الأفراد في المجتمع، توضح كيف أن الخير باق في المجتمع العماني، وبالطبع كانت هذه المجهودات والتبرعات موجودة من قبل، ولكن الحديث عنها الآن مهم وضروري لتحقيق الرضا المجتمعي بين الناس، فبدأ أصحاب الأموال يتبرعون بمبالغ مالية أو تقديم خدمات تخص مجتمعاتهم، وذلك ينصب جله في مفهوم المسؤولية الاجتماعية. ومن واقع مسؤولية "الرؤية" تجاه مجتمعها، فإنها تتبني هذا المنتدى لتقدم للناس مبادرة يمكنهم من خلالها التعرف على ما يجب عليهم القيام به، والنظر لمفهوم الشراكة والمسؤولية من جوانبها المختلفة، والبحث عن ميثاق وطني للمسؤولية الاجتماعية، يشبه العقد الاجتماعي ليكون أسلوب عمل وعطاء متكامل، يستهدف رفعة وطننا الغالي، وكل فرد فيه، تحت القيادة السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله وأبقاه لعُمان والعُمانيين.
madreen@alroya.info