قصيدتان

محمد توفيق لبن - مصر


(1)    الفراشةُ لحنٌ
لم نصلْ بعدُ
لمحطةِ اليأس الأخيرةِ
ولم تخلعنا الأرضُ ثيابًا باليةَ

ما زال طفل الروح
خلف نوافذِ الحلمِ
يلوحُ للشمس
ويفتحُ كفيّه
ينتظرُ الفراشات التي لا تجيئُ

يهمسُ في نفسهِ..
حتمًا ستأتى..  
... لا أظنُ
ماذا سأفعلُ لو خاننى الوقتُ
وشاخ المدى خجلًا
وداهمني القادمون من أقصى جنوب القلبِ
ينزفون مِلح أغنيتي
ماذا سأقولُ للتي سئمت بالضفةِ الآخرى
ولأمي
وللنازحين إلى دمي

يا حبيبتي لا تقلقي
سأختصر المسافةَ في لفافة تبغٍ
وأقلّب المدى في كوب ماء.. وأنام منهكًا
منهكًا تمامًا كليل العائدين من الحربِ
لا همُ انكسروا
ولا همُ انتصروا
والأنفاسُ أزيزُ محركٍ صاخب الإيقاع
عاريةً تغني وترقصُ
وتصرخُ..

يا لحن
ملّ المتعبون غناءهم
وما نحنُ بكاشفي عورَ الكلامِ    

يا لحن
القلب على اليأس استوى
مسّه إذ مسه وقعُ خطاك
فخرَ وهوى

يا لحن
ثمة لحنٌ لم يفضّ بكارة ورقةٍ
أنهكها الشوق
فألهبَنا..
فوهبَنا المعتمون ضياءهم
و وهبَنا

يا لحن
يا ظلَ المسافرِ صوب مشكاةٍ تراوده
يحرسه الشجرُ المسن
وتخَتطفه الطير
حتى إذا جاءها
لم يجدها شيئًا
و وجد الفراشاتَ
تتجلى فغنّى..

الفراشةُ لحنٌ
حطّت على كتف الحقيّقة
رحيقُ ريقها الترياق
فردوسُ أنفاس
المغرمين
العابرين
اليائسين
البائسين
اللابسين
لباس الحزن
من وجعٍ
يصوغ صمت اللواتى
أحببنى شعرًا
وأحببتهن وردًا
على النهدين ينمو
فأقطف ما تهيأ
من ثمار الأغنيات
وأمضي
أغني..
..أغني
كأني طريدُ الليل
والأفقُ العليلُ
يقلبُ ما تلألأ من شَتات الدمع
وأمضي أغني..أغني.

(2)    نبيٌ لم تؤمنْ به الأيامُ
أمي سادسُ الصلواتِ
أنت لها
وقدسُ الروحِ
حين تروحُ
تبحثُ عنك
تسألُ
مرآةَ البيتِ باهتةً
تُحدقُ في الذكرى
تسألُ فنجانَ القهوةِ
كم طال غيابُك
فتجيب القهوةُ
من أولِ رشفة.. وتصلي..

أُختي
على حائط بيتنا
عند انقطاع الكهرباء
كان يُشكلُ الظلَ
يداعبُنا كأنا
صغارُ الأوزِ
نرعى في بحيرة
وانطفأت الشمعة
وتبكي..

 

أختي
كان يُمسك الرملَ
ويُبعثره في الهواء
ويُقول هكذا..
..هكذا تتساقط الحياةُ
سنة تلو الأخرى
سنة تلو الأخرى
واحدة في اتجاه الريح
وأخرى
ويضحكُ..

كنتَ وحدك
مدعاةً للتفلسف والمداعبةِ
والمرارةَ معًا
وحدك أنت
تحيا الجرحَ
ولا تحيا الحياة

أبكي
تاركًا بابَ الذكرياتِ
وأسألُ
أين..أين؟


فتهمسُ أمي
ملوحةً صوب السماء
ربما..
ربما استقلَ الغائبون غيمةً
فى نزهةٍ يتسامرون
فأصرخُ..
يومًا سأصعد عاريًا
مواريًا عورة الوقتِ
فالسماءُ مرآةُ الأرضِ
وخلفَ هاتين الحياة

وخلفَ الصخرةِ
التى مُتكأ الغائبين
نام أبي
متكئًا إلى حِجر أمه
تقص عليهِ
قِصة الكون
فيحدقُ باسمًا
من فتحةٍ في قبرهِ
ويشكر الرب
وكلما رأى ضوءًا توضأ
ورتلَ وِردًا
من الأغنيات

الفراشاتُ أسراب ضوءٍ
يُقلبها الحنينُ
والروح متسعٌ للغناء

كم سنةٍ ستسرى في وريدي العمرِ
تغزلُ من لوعة الأيام جلبابها
حتى إذا ما انتهى
صدري كمدًا
أرخيتُها على جسدي
فأُولَدُ من جديد

كم سنةٍ يموت المألهون في دمي
وليس هناك إله يموت

وكم سنةٍ تتنزل الملائكةُ
حاملةً أباريقَ من الكلماتِ
منك.. إليك
رويدًا.. رويدًا
ستضاءُ شفتاىّ
ويندلعُ فيك القصيد.

تعليق عبر الفيس بوك