عبيدلي العبيدلي
امتلأت القواميس العربية الحديثة بمداخل مفردات الزواج، حتى طالت قوائمها، وبات من الصعب حصرها. لكن المتفق عليه من قبل الكل هو الزواج الشرعي. وهو الزواج الذي تُحدد أصوله بدقة متناهية المصادر الإسلامية الموثوقة، ويقصد به "العقد الذي يحصل في اتفاق بين طرفين، والارتباط بالإيجاب والقبول، وحضور ولي الأمر أو وكيله، فيقول للزوج زوّجتك ابنتي على سنّة الله ورسوله، فيقول الزوج قبلت، فهي تحدث بالإيجاب والقبول، ويشهد عليها شاهدان من أهلهما. وهذا العقد لا يكون صحيحاً إلا إن صح العقد واستوفى جميع الشروط الموجودة في العقد كقيمة المهر يجب أن تكون صحيحة والشروط الأخرى الموجودة في العقد، ويلزم كل طرف بالاتفاق على شروط العقد الموجودة دون إخلال بأي منها".
لكن الأمر أصبح مختلفاً اليوم، فبتنا أمام قائمة طويلة تشمل مجموعة متنوعة من أصناف الزواج مثل: زواج المسيار، وزواج المتعة، والزواج السياحي، والزواج بشرط، بل وحتى زواج الدم، وأخيرا زواج الهاتف والإنترنت. ليس هنا مجال الدخول في تفاصيل كل واحد منها لتقويم شرعيته من عدم شرعيته. فما نحن بصدد إلقاء الضوء عليه هي تلك العلاقة بين صندوق إصلاح سوق العمل البحرينية "تمكين" والجمعية البحرينية لشركات التقنية "بتك".
فمؤخرا عرفت البحرين زواجًا مختلفًا تماماً عما سبقت الإشارة له، ويمكن أن نطلق عليه "زواج الابتكار". تم هذا الزواج، وبرضى الطرفين، وبمباركة الجهات المعنية، بين "تمكين" و"بتك". جاءت ثمرته في وقت مبكر وهي "جائزة البحرين للتقنية". التي يحق لكل شركة بحرينية شاركت في "الرواق الوطني البحريني في جايتكس 2017" أن تتقدم لها كي تفوز بواحدة من جوائزها الخمس..
شاركت في المسابقة ما يقارب 16 شركة، بحوالي 29 منتجا يخصها، أو خدمة تقدمها، وخضعت للتحكيم من قبل لجنة دولية ضمت مجموعة مميزة من الخبراء والأكاديميين في حقول تقنية المعلومات والاتصالات المختلفة. ومن المتوقع الإعلان عن الأعمال الفائزة التي خضعت لمعايير دولية تمحورت حول مدى الابتكار في منتجات الشركة المرشحة وخدماتها، وملاءمتها للاحتياجات التجارية والاجتماعية، واستعدادها للمنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية، خلال أيام جايتكس 2017 التي تمتد بين 8-12 أكتوبر الحالي.
ووسم هذه العلاقة بين "تمكين" و"بتك" بـ "زواج الابتكار" يعود إلى مجموعة من المقاييس والمعايير، ومن ثم الأسباب الكامنة وراءه، والأهداف التي يسعى الطرفان لتحقيقها، والتي يمكن رصد الأهم بينها في النقاط التالية:
1. أن الهدف الرئيس الذي يقف وراء هذه العلاقات والتطورات الإيجابية التي عرفتها، يعود إلى تمسك الطرفين بالحرص على تنويع الدخل الوطني، وزيادة نسبة قطاع تقنية المعلومات والاتصالات فيه، بشكل مستمر، وعلى نحو متواصل.
2. أن العلاقة التي دامت بينهما التي تعود إلى ما يزيد على العشر سنوات، بدأت، وما تزال تحصر نفسها في مجال محدد هو تقنية المعلومات والاتصالات، ولا يمكن لعلاقة تخاطب سوق هذا الميدان ان تستمر وتنمو، في حال عجزها عن مواكبة الابتكارات السريعة الخطى التي تتمتع بها هذه السوق، ويتحلى بها المنخرطين في عملياتها. وهذا يفسر تطور العلاقة بشكل بطيء، لكنه راسخ الخطوات، ويتجه نحو هدف محدد واضح لدى طرفي العلاقة. فمن المسلمات التي لا يرقى لها الشك، أن صناعة تقنية المعلومات والاتصالات، دع عنك سوقها، تحتاج إلى آليات إبداعية دينامية لا توفرها سوى علاقة تقوم على الابتكار، وتنظمها عقلية التطوير المستمر الرافض للتوقف، أو حتى مجرد المراوحة.
3. أن تطور العلاقة توجت مؤخرا بمراسم هذا الزواج "الابتكاري"، في مطلع هذا العام (2017)، عندما قررت تمكين أن ترتقي بالعلاقة من مجرد "مانح" هو "تمكين"، و"ومستفيد"، وهو "بتك"، إلى شراكة استراتيجية بين الطرفين يلتزم كل واحد منهما بمسؤوليات محددة، يحصد من خلالها مردودا هو الآخر محدد. ومن ثم، ليس هناك ما يمكن أن يضمن سلاسة هذه العلاقة الاستراتيجية، ويكفل الارتقاء بأدائها أكثر من الابتكار، الذي يشكل بدوره صمام الأمان الذي يحول دون ترهلها، أو حتى مجرد جمودها. ولم يكن التخلي عن دور المانح مجرد قرار فوقي اتخذته إدارة "تمكين"، بل هو سلوك منهجي تبنته دوائر صنع القرار في تمكين"، وترجم إلى ممارسات تحولت إلى مشروعات تساهم في إصلاح سوق العمل البحرينية من جانب، وتشارك في تنويع الدخل الوطني وتثريه من جانب آخر.
4. أن رؤية "بتك" للارتقاء بأداء قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في مملكة البحرين، لم يكن مجرد قرارات اعتباطية عفوية تتخذ في مجموعة من القرارات المتناثرة التي تتمخض عنها اجتماعات متلاحقة، تم بين جدران مغلقة، بقدر ما هي خطة عمل متكاملة تطل على واقع صناعة تقنية المعلومات والاتصالات في البحرين من نافذة ثلاثية الأبعاد، تأخذ في عين الاعتبار برؤية نقدية فاحصة: واقع هذه الصناعة، والتحديات التي تواجهها، والحلول الابتكارية الناجحة التي هي في أمس الحاجة لها. تمخضت هذه الرؤية عن برنامج عمل تقدمت به "بتك" لـ "تمكين" من أجل الاتفاق على الخطوات الضرورية التي تكفل نقله بسلاسة، وعلى أرضية ابتكارية من الأوراق التي دون عليها، إلى أرض الواقع الذي سيتلقاه.
5. أن هذا الزواج، هو تحول استراتيجي نوعي من قبل "تمكين" نحو منظمات المجتمع المدني الواعدة. وليس هناك أكثر من "تمكين" من يدرك تلك العلاقة الطردية بين ازدهار منظمات المجتمع المدني، ورفاه المجتمع وعمرانه.
على أرضية هذه القوائم الثلاث، تنامت العلاقة بين الطرفين، وكانت أول ثمار ذلك هو هذا الزواج الابتكاري الذي جاءت "جائزة البحرين للتقنية" كأول أبنائه. لا شك أن مثل هذا التقدم سيولد مشكلاته، وسيطرح تحدياته، لكن زواج الابتكار القائم على الإبداع كفيل بمعالجة المشاكل، ومواجهة التحديات، على نحو إيجابي، ومثمر.