توثيق الأحداث التاريخية في الدراما العُمانية (6)

 

شيخة الفجرية – باحثة من سلطنة عُمان

.......................................................

على الرغم مما قاله ابن بطوطة، بأنّ: "من خواص هذه المدينة وعجائبها، أنه لا يقصدها أحد بسوء إلا عاد عليه مكروه؛ وحال بينه وبينها (1)، إذ لطالما تعرضت بلادنا للمخاطر منذ بواكير سني تاريخها، أي منذ ماقبل الميلاد ومابعده، إذ كلما هب أهلها الكرام لبنائها وجعلها في أجمل وأبهى حلّةٍ، يأتيها الحسدُ على هيئة بشرٍ ويُدمرُ ما تم بناءه، ثم ما تلبث أن تنهض من جديد، وسيجد المشاهد عن ذلك الكثير فيما كتب عما لحق بهذه البلدة الطيبة من نكبات وحملات تدمير متلاحقة على يد المتربصين _وهم كثر_،  ففي عام618/ 1221م، كتب ابن المجاور كتابه "صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز"، ذاكراً تدمير مدينة البليد في ظفار على يد أحمد الحبوضي صاحب السفن، وكيف أعاد أهل ظفار بناءها بصورة شاملة بعد ثلاث سنوات، وقد بنوا عليها سور من الحجر والجص، وركب عليه أربعة أبواب: باب البحر، ينفذ إلى البحر، ويسمى باب الساحر، وبابان مما يلي البر، وهما على أسماء ظفار المهدومة، أحدهما مشرق ويسمى باب (حرقة) ينفذ إلى عين عذبة، والثاني مما يلي المغرب ويسمى باب (الحرجاء)، وقد اسموها بالمنصورة بسبب إزدهارها، فهي ذات هواء طيب، وجوها موافق، وماؤها من فلج عذب فرات، تطلع بها الفواكه من كل فن، منها: الفوفل والنارجيل، وقصب السكر والموز، والرمان والعنب، والنخل، والليمون والاترنج والنارنج، والنبق، والدوم وهو المقل؛ ومأكول أهلها السمك والذرة والكنب، ومطعوم دوابهم السمك اليابس(2).

وقد ذكرت أغلب الكتب والمخطوطات، كيف عمل العمانيون على منازلة أعدائهم، فمنهم من هزمه العمانيون شر هزيمه، ومنهم من تقطعت به السبل في صحراء عُمان، وفي الختام تبدد الأعداء وبقيت عُمان بمن تبقى من شعبها المناضل، من هذه الكُتب: كتاب "ابن رزيق"" "الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عُمان" و"الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين"، وكتاب تاريخ عمان لفيلبس ويندل الذي صوَّر السرب البحري البرتغالي بقيادة "هكتور داسيلفيا" لمهاجمة وتدمير ظفار(3)، ولاتزال العديد من المصادر التاريخية  تحتفظ بأخبارِ تدمير البوكيرك لمسقط ومطرح مع سلسلة الحروب التي تتابعت على هذا البلد الطاهر.

ولن تكونُ مظاهر الفقر في المسلسلات العُمانية التاريخية أو التراثية مبررة بعد اليوم، إلا إذا حملت الأعمال الدرامية التاريخية والتراثية تاريخاً محدداً، يبدأ ببداية عام 1900م، وهو العام الذي بدأت فيه السيطرة الفعلية لبريطانيا في الخليج، حيثُ تدهورت الحياة الإقتصادية في جميع المدن الساحلية التي كانت تمد خزينة الدولة بالمال، وبعد انتهاء عهد أساطيل السفن التجارية لم يتبق لسكانها سوى صيد السمك مع أشجار النخيل وبعض الفواكة وتجارة الأسلحة التي يظهر أنها من أربح التجارات...، لذلك بقي سكانها على قيد الأمل بعودة ما كان من مجد(4).

وعليه، فإنَّ جميع ما تم ذكره من توثيقاتٍ للحياةِ في عُمان(إجتماعياً، ودينياً واقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، وعُمرانياً)، لا يبررُ إطلاقاً ما يتم إنتاجه من أعمال درامية تلفزيونية على وجه الخصوص لا تليق بما مرَّ على هذه البقعة العذبة من العالم من حضاراتٍ وثقافاتٍ، وأساطيل إمبراطورية خضعت لها الممالك والبلدان، فحكمت أرضاً شاسعة، تمتدُّ شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، فمنذ الرحالة "إيزيدور"وذكره لملك أرض البخور" في مملكته المستقرة والمزدهرة قبل الميلاد "و زيارات الملكة المصرية "حتشبسوت"، وما يمكن أن توحيه هذه الجملة على النص والصورة من غنىً وأبهة، فإنَّ ذلك لا شك يوحي بعظمة المكان وأصحابه، وما وصلوا إليه من رُقيٍّ حضاريٍّ يستحق محاكاته بما يليق، وبما وصل إليه من أهمية وإزدهار، وأسواق وشعبٍ متحضر، كما جاء في رحلات "نيورتيسي" في عام 320 قبل الميلاد، ومن كل ذلك نستطيع القول أنه أمام الدراما العُمانية فرصة كبيرة، في استثمار التاريخ الحضاري لصنع دراما تنويرية، وذلك لأنَّ " تأثير فيلم واحد أو مسلسل واحد ناجح فنياً يفوق تأثير مئات الكتب والمحاضرات, وآلاف الخطب على عقول الناس"(5)؛ ويجب التفكير بجدية في كيفية الاستثمار الفني لهذا التاريخ العريق.

المراجع:

1.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ، ص276.‏

2.النيسابوري، ابن المجاور: صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز، ط1، ليدن1951، ص 260- 265.‏

3.فيلبس، وندل: تاريخ عُمان، وزارة التراث القومي والثقافة، ط3، تر: محمد أمين عبد الله، مسقط،1989، ص25.‏

4.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، وزارة التراث القومي والثقافة، ط5، مسقط، ص25.‏

5. مبروك، محمد إبراهيم وآخرون: ابن رشد وفيلم المصير, ويوسف شاهين وفيلم الآخر, وعولمة الحرب ضد الإسلاميين, مركز الحضارة العربية,  ط1, 1999م، ص 6 .

6.حسب كشوفات إرشيف مكتبتي الإذاعة والتلفزيون بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، مع الإعتذار لمن لم أجد اسمه في تلك الكشوفات، علماً أنه تم إعداد قائمتين لمنجز الدراما الإذاعية والتلفزيونية في كتابٍ أعدته كاتبة السطور للنشر.‏

 

تعليق عبر الفيس بوك