فواتير مرهقة.. ومواطنون يبحثون عن الطوق

 

مسعود الحمداني

ارتفعت- كالعادة وكما هو متوقع- تسعيرة الوقود الشهرية، وارتفعت تسعيرة الكهرباء والماء بشكل جنوني حتى أجهش المواطن الفقير بالبكاء، وزادت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية حتى كاد البعض أن يعيش على الكفاف، كما ارتفعت أسعار معظم الخدمات الحكومية بشكل غير مسبوق، كل شيء من حولنا زاد سعره، وغلا ثمنه، والمواطن يئن، ويصرخ، ويستصرخ المسؤولين أن يراعوا ظروف حياته التي أصبحت مهددة بشكل مُباشر، وما من مجيب.

اعتاد المواطن أن لا يعلّق آمالا كبيرة على نشرة الوقود الشهرية التي تصدرها وزارة النفط والغاز والتي يراهن مسبقاً على زيادتها، ولا ينتظر إلا مقدار الزيادة التي ستضاف إلى أعبائه الشهرية، دون أمل بانخفاض أو فرج قريب.

أما فواتير الكهرباء فأصبحت حديث الساعة حيث لم يدرك المستهلك حتى الآن سبب هذه الزيادة المفرطة في قيمتها، والتي لم يسبق لها مثيل، رغم أنها ليست المرة الأولى التي تأتي بهذه "العشوائية المقننة"، والتي يقابلها تبرير معدٌ مسبقا من قبل مسؤولي الشركات المزودة للخدمة، والتي لا يفهمها غيرهم، وأعتقد جازماً بأن كثيرا من هؤلاء المسؤولين غير مقتنعين، ولا مقنعين بما يقولونه ويبررونه للمستهلك، لدرجة أن فواتير بعض البيوت ـ والتي لم يسكنها أصحابها بعد ـ جاءت بشكل خيالي وكأنها قراءات مسبقة لعشر سنين قادمة، حيث وصلت الفواتير إلى مستوى غير مسبوق من "التداخل"ـ ولن أقول التلاعب ـ بين الشرائح، والذي أدى إلى هذه الزيادة غير المنطقية للقراءات، وفي نفس الوقت لم توجد الشركات الموزعة حلا عادلا ومرضيا تراعي فيه المستهلكين، وظروفهم، ولم تعلن ـ على الأقل ـ عن تقسيط هذه المبالغ العالية بشكل مقبول لكافة الأطراف، كما أننا لم نسمع عن تدخل حازم وجاد من قبل الهيئة العامة للكهرباء لحسم الأمر، أو حلّه، وتركوا المواطن والمستهلك معلقا على حبل الفواتير المبتور.

كما لم تسلم المعاملات الحكومية هي الأخرى من الزيادات، وبمبالغ لم يلقَ بعضها الدراسة الكافية، وجاء بعضها مبالغا فيه، بينما زاد سعر البعض الآخر بشكل معقول، وفي المقابل لم تجوّد معظم الجهات الحكومية أداءها، ولم ترفع سقف جهودها وخدماتها، بل ساء الأداء- إن لم يتراجع- وتضاعف الوقت والجهد المبذول لإنهاء كثير من الإجراءات، دون تحسين، أو تحسّن.. يعني زيادة رسوم مقابل رداءة خدمات!!

أما أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية فقد ارتفعت هي الأخرى بالضرورة نتيجة الزيادات التي لحقت ببقية السلع غير الاستهلاكية والخدمات التي ذكرتها، وهو أمر بديهي، فالتاجر يبرر رفعه للأسعار بارتفاع قيم الأسعار المرتبطة بالسوق.

وفي كل الحالات، فالمتضرر الأكبر من كل ما فات هو المواطن البسيط، الذي لم يرتفع راتبه أو دخله، ولم يحصل على ترقياته القانونية منذ سنوات، ووقفت القوانين ضده، ولم تعطه الفرصة لتحسين وضعه، وذلك من خلال سنّ قوانين وتشريعات خاصة و"استثنائية" في مجال التجارة، واشتراطات البلديات والقوى العاملة، والتي يستطيع من خلالها تعويض جزء من التراكمات المالية التي فرضت عليه، وطوقت عنقه بأغلال من الالتزامات التي لا يستطيع مجاراتها، نتيجة الخلل الذي نتج عن انخفاض أسعار النفط، وقبل ذلك كنتيجة حتمية لسوء إدارة الموارد الطبيعية والبشرية لدينا، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحال التي لا نُحسد عليها، وهي مرحلة نحتاج فيها إلى مسؤولين مخلصين لأوطانهم قبل أن يكونوا مخلصين لأنفهسم ولمعارفهم، ليمسكوا دفة الاقتصاد ويسيّروه إلى بر الأمان الذي ما زال- على ما يبدو- بعيد المنال.

Samawat2004@live.com