مزارع النجد.. والحل المناسب

 

د محمد الشعشعي

قد يكون العنوان غير مناسب للبعض، لكنني قصدت أن أضعه بهذه الصيغة، وفي هذه الظروف بالذات، التي كنا نجزم فيها بأن قضية مزارع النجد ستجد لها الحل النموذجي والمقنع لجميع أطراف القضية من مزارعين وأصحاب حق، وجهات حكومية ذات علاقة مباشره من ناحية أخرى.

مزارع النجد تناولها الكُتاب في عشرات المقالات، ونشرتها الصحف في تقارير وتحقيقات مفصلة، وعرضت في برامج مرئية ومسموعة، وتمت مناقشتها باستمرار في المجالس البرلمانية وفي مكاتب المحافظين والولاة؛ مما يعطينا مؤشرا مهما حول أهمية الظاهرة وخلفياتها التاريخية التي قاربت الأربعة عقود من الزمن، وتحديدا عندما اكتشف أحد المواطنين الماء في هيلة الراكة في بداية الثمانينيات.

مزارع النجد في محافطة ظفار تُعقد عليها الآمال في رسم خطط وإستراتيجيات للمساهمة في تنمية مورد مهم من موارد الاقتصاد الوطني، ألا وهو مورد الزراعة الحيوي إذا ما استغله المخططون الاستغلال الأمثل؛ للاستفادة من الثروة وفق روية مستقبلية لرسم مخطط سلة غداء للمستقبل، بناء على الامتيازات والفرص التي أتاحتها طبيعة النجد من حيث جودة التربة وصلاحيتها للزراعة وتوافر مخزون الماء الجوفي، ولا ننسى التحدي الكبير الذي تغلب عليه المواطن طيلة هذه العقود، والذي انتقل بتلك الصحراء القاحلة مترامية الأطراف إلى واحات زراعية مثمرة تصل منتوجاتها إلى أغلب أسواق السلطنة وتصدر ايضا إلى الدول الأوروبية؛ نظرا لجودتها ومواصفاتها العالمية.

هذا المزارع -رغم إمكانياته المتواضعة- ضحى بالكثير من جهده ووقته وصحته، وتحمل التبعات وفض جيبه وباع ممتلكاته وتحدى الطبيعة الحارة، وتقلبات الجو المفاجئة، في سبيل إنشاء مزارع في صحراء كان يموت فيها الطير وعابر السبيل من شدة حرارتها، واليوم ها هي مزارع متكاملة يتهافت عليها المستثمرون من داخل وخارج السلطنة إذا ما نظمتها الدوله بشكل يستفيد منه المواطن، ولكي ينتج منتجات ذات جودة عالية ومنافسة ومتوافقة مع رسالة الدولة ورؤيتها لإنشاء سله غذاء في مزارع النجد، في ظل الانخفاض الحاد لأسعار النفط.

لن أسهب كثيرا في شرح مشكلات المزارعين ومتطلباتهم فهي كثيرة وتحتاج منا إلى وقت وجهد قد يحرفنا عن موضوعنا الرئيس ألا وهو إيجاد المخرج المناسب لحل هذه القضية، أو إبداء بعض الملاحظات على الآلية المتبعة الحالية السارية المفعول.

وحتى لا ننسف جهود كل من له بصمه في الوصول بهذه المزارع إلى هذا المستوى، بدءا بالمواطن الذي اجتهد بإخلاص وأنشأ وزرع وأسس، مرورا بالجهات الحكومية واللجان والزيارات المتتالية طيلة هذه السنوات، ناهيك عن الدور الملموس لمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار والوحدات الحكومية الأخرى ذات العلاقة؛ مثل: وزارة الزراعة والإسكان وموارد المياه؛ فهؤلاء لهم منا جزيل الثناء وجميل الإطراء على ما قدموه من عمل مقدر.

الآلية الحالية التي تم التوصل لها لم تكن عند مستوى الطموح، وتفاجأ بها المزارعون لأنها -وللأسف الشديد- غير منصفة لهم، وفق ما بدر منها هذا الأيام؛ حيث أحضرت اللجان قوائم حصر 2009 للمزارع القائمة آنذك التي شملها التعداد أثناء الزيارات، والتي لا يتعدى عددها 1300 مزرعة و555 بئرا.

ما سيتم الآن هو أن تعطى للمزارع المساحة وفق البيانات التي شملها الحصر عام 2009، وفق آلية الاستئجار بدفع 50 ريالا عمانيا سنويا عن كل فدان دون أن تملك لك، والمآخذ هنا أن الأولى بعد هذا الانتظار أن يكون قرار التملك لا قرار الاستئجار؛ حيث إن الاستئجار يدفع سنويا وبمبالغ كبيرة، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن المساحات في الصحراء كبيرة جدا، مقارنة بالمدن، وأن قيمة الفدان في الحواضر تساوي عشرات المرات قيمة الفدان في صحراء الربع الخالي؛ سواء من حيث الجدوى الاقتصادية أو من ناحية القيمة الاعتبارية والمعنوية؛ فدفع عشرات الآلاف سنويا دون تملك قرارٌ غير منطقي، ويحتاج إعادة نظر، كان يدفع الإيجار مرة واحدة ومن ثم التملك، وهذا الذي عمل به في مناطق السلطنة الأخرى.

- لم تكن المعلومات الحالية الموجودة مع اللجان دقيقة، إما أنها بسبب آلية الحصر في العام 2009 التي رفعت بيانات مساحات غير متوافقة مع الواقع، وإن كُنت أستبعد ذلك وأرى أنها كانت دقيقة، ولكن تم فيما بعد -ومن جهات أخرى- ذات اختصاص، تعديل هذه البيانات؛ حيث تفاجأ الكثير من المزارعين بوجود نقص شديد في مساحات مزارعهم وخدماتها، وهنا يجب الرجوع إلى حصر 2009 وما به من بيانات وعدم المناص عنه أو التعديل فيه إلا أن يكون في صالح المزارع.

- الآبار التي شملها الحصر والمسماة بـ"ثلاثية الدوائر" أي الآبار أو المزارع التي قيدت بياناتها والبالغ عددها 555، يجب أن ترى النور وأن يكون وضعها مشمولا مع تلك المزارع الآيلة للتنفيذ، وهذا ما نتوقعه.

- المطالبة الأخيرة: حصر المزارع القائمة حاليا بأسلوب عاجل وسريع ومنهجي، ورفعها كمطلب عام، شريطة إيقاف المخالفات الجديدة، وعدم التوسع فيها، وتشديد الرقابة عليها.

وختاما.. هذا موجز مقتضب لقضية كبرى تهم المواطن والاقتصاد والدولة، ومن هنا نقول شكرًا لمن زرع وشيد، وطوبى لمن اجتهد وضحى، وتحية وسلام لدولة تسمع من رعاياها، وتعنى بمصالحهم، وتجد لهم الحلول المناسبة إن شاء الله.