الأعراف والسنن الاجتماعية (1- 2)

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

 

الأعراف والسنن الاجتماعية في أي مجتمع هي قاعدة السلوك المكرر الذي ينظم الحياة في المجتمعات المحلية، وتحكم العلاقات بين أفراد المجتمع الذين يتشاركون نفس الموارد مثل الرعي، والصيد، والحرف التقليدية الأخرى، وتفصل الأعراف والسنن في النزاعات قبل وبعد حدوثها وفق تشريع دقيق وضعه عقلاء المجتمع وأثبت نجاحه في إرساء الوئام الاجتماعي لفترات طويلة، ونتيجة لفاعليتها لا زال المجتمع يلجأ لها إلى يومنا هذا بما لا يتعارض مع دولة المؤسسات والقانون التي أرساها مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله وعافاه-، ويتفق فقهاء القانون أنها مصدر هام من مصادر التشريع وصمام أمان مجتمعي الى جانب الإدارات المحلية المنتخبة التي أفردنا لها مقالين سابقين وخاصة في حالات الحروب والمحن لا سمح الله التي يصعب فيها على الدولة تطبيق القوانين.

في ظفار كما في بقية مُحافظات السلطنة ساد العرف الاجتماعي لفترات طويلة وساهم في خلق إطار اجتماعي يحتكم إليه المجتمع بمختلف مكوناته ومناطقه كل حسب المحدد الرئيسي الذي ينظم حياته الاقتصادية والسياسية وأحواله الشخصية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر (المجتمع الزراعي، أو السمكي، أو الرعوي .... إلخ) فهناك سنن البحر، وسنن الرعي، وسنن تملك الأرض، وسنن ممارسة المهن، وسنن حل النزاعات التي غالبًا ما تنجم من الصراع على الموارد كمكامن صيد الأسماك، وتملك الأراضي بمختلف أنواعها، ومواقع الرعي، ومنازل اللبان، وموارد المياه وغيرها.  

صمدت الأعراف والسنن الاجتماعية في محافظة ظفار حتى اليوم وتساهم بشكل فاعل في مساندة دولة المؤسسات في إرساء الوئام الاجتماعي عبر معالجة بعض القضايا الناشئة وكثير من الأحوال الاجتماعية التي حدثت قبل عهد النهضة حيث تحتكم الأطراف طوعا دون إكراه لمن يتفقون عليه سواء كان شخصا واحدا أو أكثر من العامة المشهود لهم بالصلاح أو أحد أصحاب السنن الاجتماعية لحل نزاعهم ويسمى عرفياً بـ (العدل - العدول)، وبعد أن يتم التوافق المبدئي لإيجاد حل لقضية ما تجتمع الأطراف ويتم دعوة المشايخ والوجهاء وحتى العامة لإشهار الصلح وغالباً ما  يكون اللقاء في بيت أحد المراجع الاجتماعية المعروفة وتتم عملية ما يعرف بـ"الحلف الاجتماعي" وله عدة أنواع حسب طبيعة الخلاف ونوعيته؛ حيث يتلو رجل ضليع في الأحلاف العرفية نص الحلف بصوت مسموع للجميع بينما يمسك طرفا الخلاف أحدهما بمقدمة سيف والآخر بمؤخرته في أحلاف الدم أو بالمصافحة بينهما في الأحلاف الأخرى بحضور الشهود العدول والقعايد (نواب الشهود) ويتحالف الطرفان على منح من اتفقوا عليه لحل الخلاف بينهم كامل الصلاحية لإنهاء القضية وبأنهم يقرون بشكل مطلق دون أي اعتراض على ما يحكم به، ويوافقون على إنفاذ الضمانات في حال الإخلال بما ورد في الحكم، وبأنهم سينفذونه دون تردد إلا في الحالات الاستثنائية التي حددها العرف وتوافق عليها الأطراف حيث أجاز في بعض الحالات الاستئناف لسلطة عرفية أعلى تسمى بـ(أصحاب السوارح) ويوازي ذلك محكمة الاستئناف، كما تمنح قاعدة الأعراف والسنن الاجتماعية حق التظلم إلى ما يعرف بـ(المورد العام) وهو السلطة العليا والنهائية في سلم التقاضي ويشبه ما يعرف اليوم بالمحكمة العليا ويكون حكمه نهائياً غير قابل للنقض. ولقد درج العرف الاجتماعي في ظفار أن يكون لكل مكون اجتماعي (شيخ أو مقدم ... إلخ (سلطة تنفيذية) – صاحب عرف أو سنن (سلطة قضائية) – بينما تبقى بيد من يعرفون بأصحاب السوارح الذين لا ينتمون لمكون واحد (السلطة التشريعية) – شاعر أو متحدث ...إلخ (سلطة أدبية).

 

alikafetan@gmail.com