إلى معالي وزير ديوان البلاط السلطاني

 

د. عبدالله باحجاج

تشد الرحال يوميًا - وذروتها تكون في كل فصل خريف - إلى منطقة النبي أيوب التي تقع في أعلى مكان بمنطقة أتين بصلالة بمُحافظة ظفار، وتنسب هذه المنطقة الرائعة، إلى النبي أيوب – عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام – وفق الوثائق العمانية، ووفق ما ينقل كذلك عن الباحث المعروف على الشحري، رغم اختلاف الروايات، الأهم هنا، أن هذه المنطقة، قد أصبحت أهم المعالم السياحية في ظفار.

فيكفي بها وجود ضريح النبي أيوب الذي يبلغ طوله (4) أمتار وعرضه (مترا ونصف المتر) وبجواره آثار قدمه كبيرة الحجم، لا تزال معالمها واضحة حتى الآن، وبالقرب من الضريح قبلتين قديمتين، إحداهما نحو بيت المقدس والأخرى نحو مكة المكرمة، وبالقرب من هذا المكان توجد عين ماء، يعتقد الكثير من النَّاس وبالذات الآسيويين أنّ ماءها مبارك، وأنها العين التي تضرع النبي أيوب إلى رب العالمين وإله المُرسلين فقال (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين) سورة الأنبياء، الآية 83، فجاءه الرد بنص هذه الآية: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) سورة "ص" الآية (42). ويقصد الكثير من الآسيويين الضريح والماء بنوايا يقينية منها للاستشفاء، مثلما شفي النبي نفسه من هذه المياه، ومثل هذه الاعتقادات قد أصبحت تشكل عوامل جذب سياحية.

كما يدفع بالزائرين من داخل البلاد والسياح إلى زيارة هذه المنطقة دوافع كثيرة، منها السياحة للاطلاع على تلكم الموروثات التاريخية في مضامينها وأشكالها الفريدة بصرف النظر عن اختلاف الروايات التي يرى بعضها أنَّ قبر النبي أيوب في الأردن أو سوريا.. إلخ. غير أنّ الباحث الشحري يؤكد صدقية المكان وحصريته، وفق دلائل، سنحاول الالتقاء به، لعرضها للرأي العام. والزائر للمنطقة، بمجرد أن تطأ قدماه هذه المنطقة، ويرى بحواسه الخمس مشاهدات تلك الموروثات كالقبر، طوله وعرضه، والقبلتين اللتين يبين شكلهما أنهما تضربان في عُمق التاريخ وحقبه الزمنية، وآثار القدم طولها وعرضها، وعين الماء، ستنتابه روحانيات عميقة بالمكان، وستشعر حواسه الخمس بحقبتها الزمنية الغابرة، بل إنَّ اختيار المكان نفسه فوق أعلى الجبال في المنطقة، وبعيدًا عن الناس، هو حدث في ذاته يُرجح رواية انعزال النبي أيوب بسبب مرضه.

وقد ورد في التفاسير الإسلامية أنَّ أيوب عليه السلام قد أصيب في جسده بقرح ودمامل حتى عجز عن الحركة ورقد في الأرض كالمشلول، فدعا ربه أن يشفيه، وفق منصوص تلك الآية الكريمة، وجاءه الرد أن فتح الله عليه عيناً من الأرض، من هنا يكمن اعتقاد البعض ببركة مياه هذه العين، بل واعتقادهم بمكان قبر هذا النبي، وفق مثل هذه المُعطيات.

الذي يهمنا هنا من وراء استحضار المكان بحمولته المادية والروحية عند الكثير من الناس من داخل وخارج البلاد، هو الجانب السياحي لهذا المكان، والزائر له في أي وقت من الأسبوع خارج موسمية الخريف، سيلاحظ ارتياد الزائرين له على مدار اليوم بهدف زيارة تلك الموروثات لذاتها أو للاستمتاع بجماليات هذا المكان، الذي يشرف على مدينة صلالة، ويجعل الرؤية ساحرة خاصة عندما يمتد البصر إلى فضاءات بحر العرب، عندها يسبح الفكر في خيالات ويتعمق في تخيلات، وهو يشرب الشاي في المطعم السياحي الذي لا يبعد عن تلك المواقع التاريخية سوى بضعة كيلومترات، فكيف بفصل الخريف؟

وهنا نأتي إلى القضية التي يقف وراءها فتح هذا الموضوع، وهو المسجد الذي تمَّ بناؤه على نفقة عاهل البلاد- حفظه الله ورعاه- داخل حرم تلك المواقع التاريخية، ويكثر فيه المصلون الزائرون والمقيمون، ويعطي للمكان جوانب روحانية منذ الوهلة الأولى، غير أنه منذ ثلاث سنوات قد أوقفت الصلاة فيه بسبب سقوط أجزاء كبيرة من سقفه، وهو ينتظر التجديد منذ ذلك التاريخ. ويمر خريف، ويأتي آخر، وهو مُعطل، ينتظر التجديد، ولا تجديد حتى الآن، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى تجديده قريبًا، مع ما يبعث ذلك من رسائل سلبية للرأي العام المحلي وللسياح والزائرين، فلماذا هذا التأخير؟

التساؤل نطرحه لعلمنا بوجود مؤسسات وأطر أقيمت خصيصًا لإدارة الجوامع والمساجد التي تنشأ على نفقة عاهل البلاد- حفظه الله-، وهي منتشرة في الكثير من المحافظات وولايات البلاد، ولا يقتصر دورها- خاصة الجوامع- على أداء الصلوات الخمس فقط، بل هي منارات علمية نيرة بما تحتويه من مرافق تثري الحركة الثقافية. فلما يتم تأجيل تجديد هذا المسجد حتى الآن؟ ولماذا لم تقم هذه المؤسسات بعملية تجديد هذا المسجد رغم أهميته سالفة الذكر؟

ربما علينا هنا أن نبعث برسالة عاجلة إلى معالي السيد وزير ديوان البلاط السلطاني، لأننا على ثقة تامة بأنه لو علم معاليه بقضية هذا المسجد، فلن يقبل أن يتأخر أو يتعطل الأجر العظيم العائد منه لعاهل البلاد- حفظه الله-، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) سورة التوبة الآية 18، وكذلك الحديث النبوي الشريف، الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رواه البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان رضي الله عنه. ونسأل الله أن تكون بيوت الله التي تنشأ على نفقة عاهل البلاد في ميزان حسناته ويجزيه الله بسببها خير الجزاء، وأن يلبسه لباس الصحة والعافية ويمد في عمره.

إنَّ هذا المسجد له قيمة دينية وسياحية في آن واحد، وهو يشكل حاجة فعلية للزائرين والسياح لهذه المنطقة على وجه الخصوص، ولساكني هذه المنطقة عامة، وبالتالي، ينبغي أن تكون له الأولوية، أما إذا نظرنا لمسألة المنشأ والرعاية، فإن التأخير في تجديده حتى الآن يمس جوهرهما، وهذا لا ينبغي السكوت عليه. إذن، متى سيتم تجديده؟ نتمنى أن يكون قبل خريف 2018، وهناك الآن مدة كافية للبدء قبل الخريف المُقبل.