عبيدلي العبيدلي
بين الحين والآخر يطل علينا ببعض الأنشطة المشتركة التي تتراوح بين إقامة فعالية احتفالية بحدث معين، وإصدار بيان مشترك حول حدث تمر به البلاد. ومما لا شك فيه أن مثل هذه المبادرات الجماعية رغم أنها لا تشفي الغليل، ولا تمد التيار بما يحتاجه من زاد يعينه على المضي في مسيرته الطويلة، لكنها تبقى في نهاية المطاف علامات مضيئة على طريق العمل الوطني المُشترك، كونها تعكس مجموعة من الحقائق التي يمكن إجمال الأبرز بينها في النقاط التالية:
أن هذا التيار، ما يزال، رغم التراجعات الذاتية التي يعاني منها، والصعاب الموضوعية التي يبقى مكالبا بتجاوزها، ما يزال يحمل بين أضلعه قلبا نابضا قادرا على إثبات الحضور، وإن كان ذلك على استحياء، وفي نطاق ضيق، وبشكل موسمي.
إن هذا التيار، رغم كل ما يوجه إليه من اتهامات، ما يزال يحمل في أحشائه القدرة على الإنجاب والعطاء في الميدان السياسي، مهما كانت ضآلة هذا الإنجاب، لكنه دليل على الخصوبة التي يتمتع بها هذا التيار، والقدرة على المشاركة، عندما يمر العمل السياسي ببعض المنعطفات الحادة التي تهدد، ليس التيار فحسب، وإنما مجمل فصائل العمل السياسي البحريني.
إن طغيان حضور الإسلام السياسي في الساحة، خلال العشرين سنة الماضية، رغم تراجع الحصة الضئيلة التي نالها التيار الوطني الديمقراطي، لكن ذلك لم يقد إلى اجتثاث جذور التيار التي يبدو، كما تؤكد الحقائق على الأرض مغروسة عميقا في نفوس قطاع لا يستهان به من النشطاء السياسيين البحرينيين.
إن ساحة العمل السياسي البحرينية لم تنبذ الفكر الوطني الديمقراطي، وما تزال مهيئة أمام من يُريد أن يمارس نشاطه على أرضية فكرية تنتمي لهذه المدرسة، التي تشكل في جوهرها، نبعا جاريا قابلا للاستمرار والنمو على حدٍ سواء.
كل ذلك، رغم أهميته، والمدلولات التي يحملها، والمعاني التي يعبر عنها، لا يصل إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق مكونات هذا التيار، والمهام التي ينبغي له التصدي لها، والتي يمكن إلقاء الضوء على أبرز معالمها من خلال النقاط التالية:
يحمل هذا التيار على عاتقه مسؤولية نقل التجربة السياسية الغنية التي يحملها الكثير من كوادره القيادية ممن تربوا في أحضان الحركة الوطنية العربية التي تنتمي إلى المدرسة ذاتها. هذه التجربة اكتسبها التيار البحريني، عندما كانت حاضنته العربية في أوج مدها. ليس المقصود هنا النقل الحرفي الضيق الأفق المحدود الفعالية، وإنما ذلك النقل القادر على إغناء التجرية وتأصيلها.
تفتح الظروف السياسية الراهنة التي تمر بها البحرين، مجالا واسعاً أمام هذا التيار كي يضاعف من نشاطاته، ويؤكد حضوره، حيث لم يعد يتصدر الصراع، أو التنافس بين مكونات العمل السياسي منصباً على الخلاف مع هذا التيار، الأمر الذي من شأنه بناء بيئة مريحة وصحية يُمكن للتيار أن يتنفس من خلال رئتيها، وينعم بهامش واسع من الحرية التي تمكنه من إثبات الحضور.
تتيح العولمة، بعد تنقيحها من خواصها الجشعة القبيحة، مجالا واسعا أمام التيار كي ينشط في صفوف نسبة عالية من الشباب ممن تربطهم الكثير من الوشائج القوية مع العولمة، وخاصة في شقها الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه مد التيار بالدماء الجديدة الشابة التي بات اليوم في أمس الحاجة لها، من أجل نفض الغبار الذي راكمته قيادات شاخت وآن أوان تنحيها عن مقاعد القيادة، بعد الاستفادة من خبرتها الغنية، التي يكتنز بها تاريخها المضيء.
على أنَّ التيار الوطني الديمقراطي في البحرين، إن شاء أن يعيد الاعتبار لتاريخه، وينال المكانة التي يستحقها في العمل السياسي، أصبح مطالبا بالنظر في التحديات التي تواجهه، والأبرز بينها يمكن حصره في النقاط التالية:
امتلاك الثقة بالنفس على قدرته أن يكون في طليعة مكونات العمل السياسي المعارضة، بمعنى أن يكون صلبًا من الداخل، لا يخشى أن يتقدم الصفوف، كي يتبوأ المكانة التي يستحقها، بفضل تاريخه الناصع وتجربته الغنية، دون أن يعني ذلك إلغاء دور الآخرين، أو التقليل من قدرتهم على المساهمة.
وضع الخلافات الفكرية بين مكونات هذا التيار جانبا، والاتفاق على ماهو عريض ومشترك، يبيح بناء الكتلة الوطنية وقيادتها، كي تمثل مختلف فئات الشعب التي لها مصلحة مباشرة في بناء المجتمع المدني الذي ناضل شعب البحرين من أجله، وجاء المشروع الإصلاحي تتويجا لذلك النضال، بعد التفاف الشعب حول ذلك المشروع ونيله تلك النسبة العالية (98.4) من المباركة الجماهيرية.
الشروع في صياغة برنامج عمل وطني، يشكل الأرضية الصالحة لتكتيل أعرض كتلة وطنية وراءه،
الاستفادة القصوى، وبشكل إستراتيجي، وليس تكتيكي من مكتسبات المشروع الإصلاحي، وفي المقدمة منها السلطة التشريعية بحجرتيها: البرلمان والشورى.
الالتفات الجاد نحو منظمات المجتمع المدني، كونها النبع الذي لا ينضب، القادر على مد التيار بمن يحتاجه من كوادر سياسية مؤهلة، وبرامج سياسية مناسبة.
يقف التيار الوطني الديمقراطي البحريني أمام تحديات تاريخية، تضع على عاتقه مسؤوليات تاريخية، إن نجح في التصدي لها، سيكون قادرا، وبكفاءة عالية الخروج من عنق الزجاجة، والتمرد على السياج الذي أحيط به، وخاصة خلال السنوات الأربع الماضيات.
الفرصة سانحة، والظروف مواتية، لكنها لا تنتظر إلا من يحسن الاستفادة منها، ويجيرها لصالح مشروعه الوطني.