أرشيف الفتن

راشد الغافري

من خلال التجوُّل في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في هذه الأيام، يَلْحَظ المتتبع لهذه الوسائل حجمَ الهجمة الشرسة على بعض الدول العربية، خصوصا الخليجية منها، يظهرُ ذلك جليًّا في هذه الوسائل فيما يتناقله أصحابُ الحسابات المختلفة من مقاطع وتسجيلات وصور سلبية، التُقِطت في هذه البلدان، بيدِ أبنائها أو المقيمين فيها.

هذه المقاطع تُستخدم اليوم كمعول هدم لمجتمعات هذه البلدان، وتُستغل أبشع استغلال لإثارة الفتن والقلاقل وشق الصف فيها تحت ستارات مختلفة.

والمتتبِّع الجيد لهذه المقاطع والتسجيلات والصور يَلْحَظ -وبكل وضوح أيضا- أنَّ أكثرها مقاطع وتسجيلات قديمة، وصور التقطت منذ سنوات خلت، وكأن هناك من أرشف لهذه المقاطع والتسجيلات والصور، واحتفظ بها لغرضٍ في نفس يعقوب. فهي تُستغل لتحقيق مآرب وغايات بات كثيرون يُجاهرون بها عيانا بغض النظر عن صوابية توجههم وما يطالبون به من عدمه، موظِّفيِن تلك المقاطع والصور لإثبات حقائق وكسب مواقف وإحداث بلبلة من خلال العمل على إفقاد الثقة بين مواطني تلك المجتمعات وبين مؤسساته وقادته، والسعي لتوسيع هوَّة الخلاف التي تدفع للتململ والشعور بالظلم والضيم.

ولأنَّ الأمور قد تصل إلى مثل تلك المستويات من الأرشفة للمقاطع والتسجيلات والصور، فإننا نهيب بأبنائنا وبناتنا أن لا ينجروا إلى نشر ما قد يسيء إلى وطنهم في هذه الوسائل؛ لأنه -وبكل بساطة- هناك من يستغل مثل هذه الأمور ويؤرشف لها من أجل استغلالها في الوقت المناسب، أو حين تحين لحظات الانقضاض الشرسة على المجتمعات المستهدفة.

وربما من المفيد هنا أنْ نذكر أنَّ بعضَ الوثائق التي يتمُّ نشرها من قبل مُستخدمي وسائل التواصل تتعرَّض للتزوير والتزييف؛ لإحداث إرباكٍ مقصودٍ بين أفراد المجتمع، وهو ما قد يستدعي من الجهات المعنية في بعض الأحيان نفيَ صحة تلك الوثائق التي استغلت في غير موضعها.

إنَّ ما يقوم بنشره البعض من تسجيلات ومقاطع وصور بهدف التشهير أو السبق الإعلامي الخاص، أو البحث عن الشهرة وكثرة المتابعين، أو الانتقاص من دور مؤسسة أو شخصية ما لسبب ما، قد يعود بالوبال على الجميع؛ سواء قصد من قام بالنشر ذلك أو لم يقصد.

وعلى هذا، فإنَّ التأييد للتشريعات والقوانين التي تنظم عملية النشر وتؤكد على العقوبات بحقِّ من يُخالف ذلك هو مطلب وطني قبل أي شيء آخر، وهو أمرٌ مُهمٌّ للحفاظ على أمن هذا الوطن وخصوصياته.

أرشيف الفتن الذي نعنيه أصبح واقعا بلا شك، ويجب على الأبناء في هذه المرحلة بالذات فهم هذا الواقع وتدارك ما يمكن تداركه، بل والعمل على القضاء على هكذا حالات، من خلال الالتزام بالتشريعات والقوانين المنظمة، والتثقف فيها وتثقيف الآخرين بها حتى نحفظ لهذا الوطن وحدته وانسجامه بعيدا عن شرور المتربصين به والذين يعملون ليل نهار من أجل أرشفة ما يمكن أرشفته أو استجلاب ما يمكن جلبه من هذه الوسائل لاستغلاله أبشع استغلال متى ما سنحت الفرصة لهم بذلك.

وإذا كانت هذه المطالبة بحق الأبناء ومرتادي هذه الوسائل، فإنَّ الأمرَ في حقيقته يتخطَّى ذلك ليتجه إلى المؤسسات والعاملين فيها وأصحاب القرار؛ وذلك بعدم إتاحة الفرصة لظهور مثل هذه المقاطع والتسجيلات والصور؛ حيث وجب الالتزام بقوانين العمل وحل المشكلات وتذليل الصعاب أمام هذا الجيل كي لا يجد تلك الثغرة التي تجبره على نشر ما يتلقطه من هفوات للفت الانتباه إليه وإلى ضرورة حل مشاكله.

فقضية -على سبيل المثال- كمثل قضية الباحثين عن عمل وجب الإسراع في إيجاد الحلول المناسبة لها قبل استفحالها أكثر مما هي عليه، وربما من المفيد هنا أنْ نذكر حجم استجلاب التصريحات والتغريدات السابقة لمسؤولين في هذه الأيام حول أعداد الباحثين عن عمل، والتي ما عادت تتفق مع  واقع إحصاءات اليوم للتدليل على موضوع الأرشفة التي نشير إليها في هذا المقال.

ونعلم جميعا أنَّ ما سُمِّي بالربيع العربي قد عزف كثيرا على قضايا الشباب في تلك البلدان التي أصيبت بوبائه والتي أجَّجت من مشاعرهم وانساقوا بسبب ذلك خلف أمنيات تعديل الواقع الذي لم يجلب لهم سوى الدمار لأوطانهم والخراب لمجتمعاتهم، وكان لوسائل التواصل وما نشر فيها في تلك الفترة من وسائط عاملا رئيسا في إحداث ما أفرزته تلك الأحداث من كوارث.

ومن هنا، نؤكِّد على المسؤولين وصناع القرار بضرورة حل مشكلات الشباب أولا بأول، وعدم الاكتفاء بإغماض العينين كي لا نرى تلك المشكلات، ونوهِم أنفسنا وأبناءنا أننا نعيش واقعا ورديا يخالف في حقيقته الواقع الفعلي الذي يعانون منه.

... إنَّ أنسبَ وسيلة لقطع الطريق على أرشيف الفتن، إضافة إلى سن القوانين والتشريعات وتطبيقها هو احتضان هؤلاء الشباب، وتهيئتهم لخدمة وطنهم من خلال توفير كافة احتياجاتهم ومتطلباتهم لعيش حياة كريمة في ظل قيادة حكيمة.

ختامًا، رُبما من المفيد التمعُّن حول من يقف خلف هذه الأرشفة وأستجلابها عند الحاجة إنْ كان الأمر عفويًّا يقوم به رواد مواقع التواصل دونما نوايا مبيَّتة؟ أم أنْ هُناك جهات تستميت في البحث والتقصي عن هذه الوسائط لأرشفتها ثم جلبها لتحقيق أهدافا معدة مسبقا؟!

تعليق عبر الفيس بوك