أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (2)

د. عمر هزاع – شاعر سوريّ مقيم في (الدوحة – قطر)

 

في هذه الحلقة من السيرة الشعريّة للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم سوف نوثق شعريا  (مولده: صبيحة الاثنين 9 ربيع الأول - عام حادثة الفيل - موافقًا 20 أو 22 أبريل 571 م \\ المصدر: الرحيق المختوم للمبارك فوري < وفي حاشيته توضيح ذلك >)، ونتحدث عن حالة الناس العامة, أهل مكة خاصة إبان ولادته - صلى الله عليه وسلم - وأحداث طفولته, ونشأته حتى وفاة والدته, وجده, وانتقاله إلى كنف عمه أبي طالب, إضافة لنسبه الشريف, ومعجزات المرحلة، ثم ندلف إلى مرحلة (نزول الوحي) وصولا إلى بداية الوحي
أولا - (مرحلة مولد النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم):

تَنازَعَ النَّاسُ دُنياهُم وَما فيها
     وَراوَدَتهُم فَزادَتْ غَيَّهُم تِيها
 
وَاخلَولَقَ الضَّعفُ حَتَّى لَم يَعُدْ سَبَبًا
     لِوَصمَةِ العارِ أَنَّ الخَرقَ يُبليها
 
قَبائِلُ العَرَبِ انشَقَّتْ إِلى فِرَقٍ
     أَعداؤُها شُرَكاءٌ في تَشَرِّيها
 
الفُرسُ؛ وَالرُّومُ؛ وَالأَحباشُ؛ تَسلِبُها
     قَرارَها! وَانشِقاقُ الرَّأي يُشقيها
 
شَراذِمٌ شُغِلَتْ بِالثَّأرِ فاشتَعَلَتْ
     أَسيافُها كَشَرارِ النَّارِ تَعضيها
 
    
    
عَلى الخُرافاتِ خارتْ
وَاكتَفَتْ بِتَقالِيدٍ مِنَ السِّحرِ وَالأَوهامِ تُغنيها
    
السِّلمُ وَالحَربُ ضَربٌ مِن نَقائِضِها
     وَالسَّبيُ وَالسَّلبُ خَطبٌ مِن تَقاضيها
 
وَالغَصبُ وَالنَّهبُ فَنٌّ مِن غَنائِمِها
     وَالوَأدُ وَالضَّهدُ أَنٌّ مِن مَغانيها
 
وَالنَّثرُ وَالشِّعرُ رَهوٌ في نَوادِرِها
     وَالخَمرُ وَالعُهرُ لَهوٌ في نَواديها
 
وَالشِّركُ وَالطِّيَرُ الحَمقاءُ مَفخَرةٌ
     تَرقى بِها, وَعَلى الأَنصابِ تَرقيها
 
لَولا أَرُومةُ أَخلاقٍ بِها انطَبَعَتْ
     عَنها تَحَدَّثَ دانيها وَقاصيها
 
مِنَ المروءةِ, وَالإِقدامِ أَوَّلُها
     وَخِلَّةِ الجُودِ, وَالتَّبيانِ  تاليها
 
لَما استَمَرَّ لَها "ذِكرٌ", وَلا انتُقِيَتْ
     لِيَستَقِرَّ لَها "ذِكرٌ" يُوَقِّيها
 
شّعبٌ تَخَيَّرَهُ المَولى لِيُكرِمَهُ
     وَما أَرادَ لَهُ في الخَلقِ تَسفيها
 
فَاختَصَّهُ بِنَبِيٍّ لَيسَ يُنكِرُهُ
     أَسافِلُ النَّاسِ؛ فَضلًا عِن أَعاليها
 
 مِنْ خَيرِ صُلبٍ لِرِحمٍ  رِيقَ مَحتِدُهُ
      وَخَيرِ بَطنٍ لِفَخْذٍ  مِن سَراريها*1
 
 فَمِن "قُرَيشَ" إلى "عَدنانَ"  نِسبَتُهُ
      إِلى "الذَّبِيحِ" ابنِمِ "إبراهيمَ"  يُحصيها
 
تَمَخَّضَ الضَّوءُ إِيذانًا بِمَولِدِهِ
     وَاسَّاقَطَتْ "شُرَفُ الإِيوانِ" تَنزيها*2
 
وَأُخمَدَتْ -يا لَهُ!- "نارُ المَجُوسِ" لَهُ
     مِن بَعدِ ما اتَّقَدَتْ -دَهرًا- أَثافيها*3
 
وَ"ماءُ ساوَةَ" غِيضَ, الصَّاعِقاتُ هَمَتْ
     عَلى الكَنائِسِ  مِن حَولَيهِ  تَهبيها
 
 "مُحَمَّدًا"  جَدُّهُ سَمَّاهُ؛ لَيسَ لَهُ
      مِن قَبلِ ذاكَ  سَمِيٌّ  في تَسَمِّيها
 
وَأَرضَعَتهُ  عَلى "مَسروحَ"  جاريةٌ
      "ثُوَيبةُ" الخَيرِ  لا ضَلَّتْ هَوافيها*4
 
تَبَّتْ يَداكَ؛ وَلَكِن -يا أَبا لَهَبٍ
      بِهِ "ثُوَيبةُ"- ما تَبَّتْ أَياديها
 
فَسَلْ"حَلِيمةَ" عَنهُ عِندَما  انقَلَبَتْ
     بِهِ,  بِهِ انقَلَبَتْ  خُضرًا مَعاريها*5
 
تَكَفَّلَتهُ  عَلى يُتمٍ وَمَخمَصَةٍ
     عَلَّ الذي اختَصَّها إِيَّاهُ يَكفيها*6
 
ما أَرضَعَتهُ وَحِيدًا, إِنَّما  مَعَهُ
     قَد أَرضَعَتْ أُمَّةً  مِن طِيبِ صافيها
 
لا زالَ دِفءُ رَضاعِ الطُّهرِ  نَكهَتُهُ
     عَلى شِفاهِ نَجاوانا؛ يُمَنِّيها
 
بِهِ تَهُزُّ نَخيلَ الرُّوحِ؛ تُسقِطُ -عَن
     جُذُوعِهِ- رُطَبَ العِرفانِ؛ تَجنيها
 
أَما نَرُدُّ إِلَيها فَضلَها؟ وَبِنا
     نَبعُ المُرُوءَةِ دَفقٌ مِن مَجاريها!
 
مِنِ اسمِها الحِلمُ وَالسَّعدُ استَقَى لُغَةً
     مَجازُها بَرَكاتٌ مِن تَرَضِّيها
 

ما يَكتَفي الشِّعرُ مِن تَقلِيبِ صُورَتِها
     
     لَمَّا تُقَلِّبُهُ, وَالذُّعرُ يَغميها
 
وَإِذ رَأتهُ  وَقَد لافَ المَلاكُ  كَمَن
     لَفَّ الهَلاكُ عَلَيهِ حَبلَ كاليها
 
أَلفاهُ "جِبريلُ" في أَترابِ مَلعَبِهِ
         فَفَلَّ مِنهُ ضُلوعًا لَيسَ يُخطيها*7
 
وَاستَخرَجَ القَلبَ في "طِستٍ مُذَهَّبَةٍ"
     وَصَبَّ "زَمزَمَ" سَلسالًا يُنَقِّيها
 
فَما رَأّتهُ  صَريعًا  أَسرَعَتْ؛ فَسَعَتْ
     بِهِ إِلى أُمِّهِ, وَالهَمُّ يُضنيها
 
فَلَم يَكَدْ يَصرِمِ السِّتَّ التي صَرَمَتْ
     مَعْها الطُّفُولَةَ؛ حَتَّى فاهَ تَأويها*8
 
تَفَقَّدَ الأُمَّ, لَكِن لَم يَجِدْ أَثرًا
     فَالدَّربُ تَندِبُ, وَ"الأَبواءُ" تَنعيها*9
 
لَم يُدرِكِ الأَبَ – يَومًا – في بُنُوَّتِهِ
     وَأُمُّهُ –اليَومَ– نابُ المَوتِ يُرديها
 
يُتمانِ يَقتَسِمانِ الطِّفلَ:  يُتمُ أَبٍ
     وَيُتمُ أُمٍّ!! فَأَيَّ الدَّمعِ باكيها؟
 
فَرَدَّهُ جَدُّهُ –كَابنٍ– إِلَيهِ, عَلى
     حُنُوِّ ضِلعٍ, يَدُ الأَقدارِ تَحنيها*10
 
بِرِقَّةٍ؛ وَبِإِيثارٍ؛ يُقَدِّمُهُ
      عَلى بَنيهِ مَقاماتٍ يُوافيها
 
    

ما يَستَطيعُ  لَهُ  
الشَّيخُ العَجُوزُ ؟
إِذا اجتَثَّتْ مَنِيَّتُهُ جُذمُورَ صاويها!

    
ما ظَلَّ لِلجَدِّ –في جَدِّ المَصيرِ– سِوى
     عامَينِ؛ عَطفُهُما رَهنٌ بِباقيها
 
لِعَمِّهِ –حِينَ لاحَ الحَينُ– أَسلَمَهُ
     يُتمٌ جَديدٌ  تَهادى في دَواهيها*11
 
إِيها!! -"أَبا طالِبٍ"؛ لَمَّا نَهَضتَ بِهِ
      بِهِ نَهَضتَ  إِلى عَليائِهِ - إِيها!!
 
مِن كُلِّ بُدٍّ وَقَد أَعلَيتَ مَنزِلَهُ
     عَلى بَنيكَ قَدِ استَحقَقتَ تَنويها!!
 
لَو كانَ يُجزى عَلى الإِحسانِ كافِرُها
     لَخِلتُ أَنَّكَ أَولى في تَجازيها!!
 
    
    
لَولا بِأَنَّ رَسولَ اللَّهِ حَذَّرَنا:
o    (بِأَنَّ رِجلَكَ في النِّيرانِ تَكويها
وَأَنَّ  مِثلَكَ
لا يُرجَى الدُّعاءُ لَهُ) *12
لَما ادَّخَرنا رجاءً
 في تَحاشيها
    
    
إِذا نَهى اللَّهُ عَن فِعلٍ فَلَيسَ لَنا
     إِلَّا القَبُولُ بِما يُمليهِ ناهيها
 
    
ثانيًا -  (حتى نزول الوحي)
(بعد النظر والتمحيص - في القرائن والدلائل - يمكن تحديد يوم نزول الوحي بأنه يوم الاثنين لإحدى وعشرين مضت من رمضان – ليلًا – موافقًا 10 أغسطس 610 م // * ).
حياته – صلى الله عليه وسلم - في كنف عمه؛ وسفره معه إلى الشام؛ ونبوءة "بحيرا"؛ واشتغاله بالرعي والتجارة, وزواجه من "خديجة ", وعامة حياته قبل النبوّة مع تفصيل وقائعها ومعجزاتها.

بِكَ الغَمامةُ سَحَّتْ مِن أَعاليها
     فَأَخضَبَ الماءُ "ناديها وَباديها"
 
مُبارَكٌ –أَنتَ– في قَعساءِ ذُروَتِها
     وَوَجهُ بُشراكَ سَعدٌ في تَهانيها
 
 عَدوًا  أَعادُوكَ مِن "بُصرَى" عَلى وَجَلٍ
     لَمَّا "بَحيرا" رأَى الإِعجازَ يَحريها*13
 

    فَقالَ:
(فِيكُم غُلامٌ, أَرجِعُوهُ إِلى أَحضانِ "بَكَّةَ", وَاخشَوا مِن عَواديها, فَلِليَهُودِ كِتابٌ يَعرِفونَ بِهِ "خَتمَ النُّبُوَّةِ" في غُضروفِ  داعيها)

فَأَوَّبُوكَ إِلَيها؛ فَالتَجَأتَ إِلى
     جَناحِ عَمِّكَ؛ يَغطو شَرَّ ضابيها
 
بَرَزتَ في سُدَّةِ الأَخلاقِ؛ مُشتَهَرًا
     بِصِدقِ ما كُنتَ تَحكيها وَتَرويها
 
وَقَد وَفَيتَ؛ فَسَمَّوكَ "الأَمينَ"؛ وَمَن
     يُولي الأَمانَةَ ما قَد كُنتَ تُوليها؟!
 
لِلرَّعيِ وَالحِلمِ -بِالحُكمِ- ارتِباطُ عُرى
 
    لَها الرَّعِيَّةُ تَعزو سِرَّ راعيها*14
 

تِلكَ الشَّمائِلُ
- مِن قَبلِ النُّبُوَّةِ –
ضاءَتْ كالمَنارةِ في ظُلْماتِ داجيها

      
فَما سَجَدَتْ لِأَصنامٍ  وَقَد سَجَدوا
     وَلا تَخِذتَ بَغِيًّا مِثلَ باغيها
 
وَلا قَطَعَتْ مِنَ الأَرحامِ ما قَطَعوا
     وَلا نَعِمتَ خَلِيًّا مِثلَ خاليها
 
وَلا رَغِبتَ مِنَ الدُّنيا بِما رَغِبوا
     وَلا رَكَنتَ إِلى غَيٍّ كَغاويها
 
 كُرمَى لِذَلِكَ  كَم وَدَّتْ "خَديجَةُ" أَن
     تَصيرَ زَوجَكَ, فاختارَتكَ تَقنيها*15
 
فَوَجَّهَت  لَكَ  مَبعوثًا  لِخِطبَتِها
     أَوحى إِلَيكَ  بِنُبلِ القَصدِ  تَحويها*16
 


فَسِيلَ مِنها فُروعُ النَّهرِ
- ما نُسِبوا –
انصَبُّوا
- إِلَيكَ -
فَما جَفَّتْ سَواقيها *17
 
    

الفِطنَةُ؛ النَّظَرُ؛ استِكناءُ كُلِّ تُقى
     وَفِطرَةُ الخَيرِ؛ أَوصافٌ تُجَلِّيها
 
عِنايَةُ اللَّهِ قّد حَفَّتكَ فَانحَرَفَت
     عَنكَ الخَطايا, فَلَم يَحرِفْكَ مُغريها*18
 
يا آمَنَ الخَلقِ؛ يا أنقى القُلُوبِ؛ وَيا
     أَتقَى صَفِيٍّ؛ وَمَبعُوثٍ؛ يُؤَدِّيها*19
 
وَمَن سِواكَ -لِهذا البَعثِ- أَليَقُ في
     حَملِ الرِّسالَةِ, وَاستِنقاذِ تاويها؟!
 
فَضا شَمائِلِكَ استَوفى فَضائِلَها
     فَكُنتَ بِالنُّورِ –لا بِالنَّارِ– غاضيها
 
ناداكَ مَولاكَ؛ أَوحى بِالتَّأَمُّلِ كَي
     تُدَرِّبَ النَّفسَ تَدريبًا يُزَكِّيها
 
فَهِمتَ في مَلَكوتِ اللَّهِ مُدَّكِرًا
     مَعنى التَّفَرُّدِ في شَتَّى أَواليها
 
وَهِبتَ مِن رَهَبوتِ الخَلقِ ناشِئَةً
     لَولا يَدُ الرَّحَموتِ اختَلَّ ناشيها
 
يُغضي مُحيطُكَ عَن خَطبِ الحَياةِ, وَلَو
     تَبَصَّرَتْ -خَبطَها- الأَحياءُ؛ يُضغيها
 

يُعاقِرونَ هَياماتِ السَّرابِ
وأَنــتَ
- في مُقارَعَةِ الأَهواءِ –
راسيها

 
    
تُذيبُ –بِالخَلوَةِ– الأَيَّامَ؛ تَصهَرُها
     فَما تَهُمُّكَ لَو ذابَتْ لَياليها
 
حَتَّى تَجَلجَلَتِ الآياتُ مُعلِنَةً
     بُشرى النُّبُوَّةِ في أَبهى مَجاليها*20
 

(3) مرحلة (بدء الوحي):
مرحلة نزول الوحي عليه – صلى الله عليه وسلم – أثناء خلوته, وإسلام خديجة, ونبوءة ورقة بن نوفل.

مَرارَةٌ وَاحتِراراتٌ  تَحاميها
     وَفي "حِراءَ"  حَرارٌ  مِن تَناميها
 


وَاللَّيلُ يَلبَسُ جِلبابَ السُّكونِ؛
وَبِالتَّـأَمُّلِ انغَمَسَتْ أَفكارُ ساهيها
 
    
وَقَد أُحِيطَ بِهِ مِن كُلِّ زاوِيَةٍ
     في غَفلَةٍ <عَنهُ> ظَلَّ الحَظُّ يَزويها
 
لِأَربَعينَ -وَقَد حَطَّتْ  كَأَجنِحَةٍ
     رَفَّتْ  عَلى قَدَرٍ- وَالوَعدُ يَكميها
 
أَلقى عَلَيها بُرودُ الصَّمتِ بُردَتَهُ
     وَاربَدَّ سَرمَدُهُ المُمتَدُّ يَضبيها
 
فَدَقَّها وَتَدًا شُدَّتْ حَبائِلُهُ
     إِلى غَيابَةِ أَسرارٍ يُغَبِّيها
 
كِنانَةُ الوَحيِ شَفَّتْ عَن أَكِنَّتِها
     رَمِيَّةٌ كادَ  مِمَّا شافَ  يَرميها
 
حِكايَةٌ؛ رَمَضانُ الدَّهرِ يَسرُدُها
     وَلَيلَةُ القَدرِ لِلأَزمانِ تَحكيها
 
رِسالةٌ؛ بِرَداحٍ حانَ مَوقِتُها
     إِلى حَريدٍ؛ وَهَذا الـ..  شَّيءُ  ساعيها
 

o     (ما ذاكَ ؟!)    
- يَسأَلُ عَن "جِبريلَ"  رِعدَتَهُ!! فَما تُجيبُ!! وَما  عَن ذاكَ  يُدريها!؟ -

فَنَبَّشَ الوَعيُ في اللَّا وَعيِ؛  يَحرُثُهُ
     مُفَتِّشًا عَن إِجاباتٍ؛  يُدانيها
 
 بَينا يُلَملِمُ أَفكارًا مُبَعثَرَةً
     حذَّ السُّكوتَ صَريرُ الوَحيِ؛ يَصريها
 

بِــــ:
     ("اقرَأْ") ؛
  تَفاجَأَ !
o    (ما بِالقارِئِ!) ؛
 انفَلَتَتْ عِبارَةُ - الذَّاهِلِ الأُمِّيِّ - مِن فِيها*21
فَغَطَّهُ المَلَكُ  الأُولى؛ فَأَطلَقَهُ
     مِن حَيثُ بادَرَهُ  الأُولى؛ يُثَنِّيها:
 

    بِـــــ: ("اقرَأْ")!!
 وَما عِندَهُ رَدٌّ يَلوذُ بِهِ إِلَّا التي - ثِقَلُ الإِنهاكِ - يُعييها
ذاتَ السُّؤالِ! فَذاتَ الرَّدِّ ! يَجعَلُ مِن
     غَطِّ المُسائِلِ -لِلمَسؤُولِ- تَنبيها
 
ما كانَ يَقرَأُ  قَبلًا  كَي يُقَرِّئَهُ!!
     فَما أَرادَ  بِهذا السُّولِ  مُقريها؟؟
 
الجَهدُ؛ وَالرُّعبُ؛ وَالإِعياءُ تَدهَمُهُ
     وَقَوسُ دَهشَةِ ما لاقاهُ تَحبيها
 
حُسبانةٌ مِن دَرارِ الغَيبِ قَد حَزَبَتْ
     وَما بِدائِرَةِ الحُسبانِ يَحزيها
 
طَوى بِها, وَنِياطُ الخَوفِ تَحمِلُها
      إِلى "خَديجَةَ"  حَمْلَ الرُّوحِ مُضنيها
 
فَدَثَّرَتهُ, جَزاها اللَّهُ ما صَنَعَتْ
      خيرًا بِمَنزِلَةِ الفِردَوسِ يُثريها
 

وَزَمَّلَتهُ بِعَطفٍ مِن مَحَبَّتِها
     
وَاللَّهُ يَعطِفُ, بِالإِسلامِ يُغريها
 
وَأَيَّدَتْ -بِيَدِ التَّصديقِ- بِعثَتَهُ
     وَأَكَّدَتْ -بِتَفاتيها- تَبَدِّيها
 

    (سَيُخرِجُونَكَ مِنها. لَيتَني جَذَعٌ) !!
– قالَ "ابنُ نَوفَلَ" –
(رُكنٌ في تَرَكِّيها)!! *22

o    (أَمُخرِجِيَّ هُمُ!؟)
- التَّسآلُ يَطرَحُ  عَن جَوى القَرارةِ  حَرَّاتٍ تُخَبِّيها -
    (نَعَم – وَعُودِيَ مَن قَد خُصَّ  قَبلَكَ  بِالنَّاموسِ – فَاثبَتْ ... فَحَتمًا  أَنتَ  قاليها) *23


تَكَوَّمَ الغَدُ أَحزانًا بِمُهجَتِهِ
     لَولا بَشارَةُ "جِبريلٍ" تُسَرِّيها*24
 
تَكرارُ عَودَتِهِ بِالوَحيِ ثَبَّتَهُ
     حَتَّى تَيَقَّنَ حَقًّا مِن تَجَلِّيها
 

وَضَوءُ
"يا أَيُّها المُدَّثِّرُ"
انفَرَجَتْ بِهِ بِدايَةُ فَجرٍ عَن مَباديها *25

فَقامَ؛ فاحتَمَلَ التَّكليفَ  مُنذَرُها
     
    بِضعًا وَعِشرينَ  أَعباءً؛ لِبانيها
 
 أَعباءَ دَعوَةِ إِسلامٍ  بِلا كَلَلٍ
     في السِّرِّ وَالجَهرِ يُرسيها وَيُجريها
 

سَفينَةً مَبدَأُ التَّوحيدِ دَفَّتُها
الإِيمانُ مَرساتُها القَدوى مَوانيها*26
الهامش:
ــــــــــــــــ
غي : ضلالة\ تيه: ضياع وحيرة \ اخلولق: استوى وبات خلقًا لمن يتعاورهم \ تشرِّي: تفرق     وتشرذم \ يعضي: يفرق ويوزع ويقتطع.
أنٌّ: أنين\ رهو: لطف ورفق \ طِيَر: (جمع طيرة): تشاؤم أو تفاؤل (تَطَيُّر) \ أرومة: علامة     وأصل \ ريق: ماض مبني للمجهول من الفعل راق: انصب ولمع وعلا \ محتد: أصل في النسب وطبع \ سراري: (سرار): أفضل النسب\ الذبيح: (إسماعيل عليه السلام) \ ابنم: ابن \ تمخض: (ـــت الحامل): دنا وقت ولادتها (مرحلة المخاض والطلق)\ أثافي: حجرات تنصب عليها المواقد \ يهبي: يثير و ينسف \ هوافي: جمع هافية و هي الضالة من الإبل و غيرها.
لاف: (الصقر الصيد) التف عليه وجعله تحت قوائمه \ كالي (كال) أداة تشبه الصنارة أوالخطاف تستخدم لجر الحصون وهدمها \ فلَّ: كسر وفكّك\ يضني: يثقل ويرهق ويضعف تأويه: تأوه\ الأبواء: موضع بين المدينة ومكة حيث توفيت والدته – صلى الله عليه وسلم – في طريق العودة لمكة إثر زيارتها لذويها.
صاوي: اليابس والجاف\ الحَين: الحتف والمنية\ إيه: لفظة تحسر \ تنويه: تنبيه وإشارة ولفت نظر\ تجازي: طلب الجزاء واستحقاقه.
النادي والبادي: موضع القفر و موضع الماء في الصحراء وهي تركيبة متلازمة دارجة في لغة العرب\ قعساء: مؤنث أقعس وهو المنيع القوي الثابت\ يحري: يقصد و يعني\ بكة: مكة (أم القرى)\ غضروف: عظم لين \ داعي: مُدَّعي\\ يغطو: يستر\ ضابي: (أضبى عليه) فاجأه ليبطش به.
تاوي: (من الماشية وغيرها) الهالك\ فضا: فضاء\ غاضي: (الغاضية) النار وموقدها\ مَلكوت: مُلك\ رهبوت: رَهبة \ رَحموت: رحمة \ ناشي (ناشئ) ضرورة شعرية \ يغضي: يغض النظر \ خبط: وقع الأقدام والوقوع أثناء المشي والعدو \ يضغي: يحمل على الصراخ.
هَيام: عطش أو داء يسببه العطش للجمال \ راسي: ثابت ومتزن.
تحامي: تجنب وتحاشي \ حرار: الحرية و التخلص من العبودية \ يكمي: يستر ويغطي \ يضبي: يفاجئ\ يغبِّي: يستر\ كنانة: جعبة النبل \ أكنة: جمع كنان وهو الستر والوقاء\ شاف: رأى       وأبصر ونظر\ رداح: ثقيلة, عظيمة, جرارة\ حريد: منفصل عن قومه ومنفرد عنهم.
صرير: صر الشيء: صوت وصاح بشدة والصرير صوت القلم عند الكتابة وصوت اصطكاك الأسنان \ يصري: يقطع ويفصل ويعلو ويتقدم\ سُوْل (سؤل): تخفيف الهمزة من ضرائر الشعر وهنا اختارها الشاعر إراديًا مع أن إبقاء الهمزة لا يغير الوزن لغاية تتضح تاليًا\ مقريها (مقرئها): من ضرائر الشعر أن يتخيل الشاعر أن نبرة الهمزة هي ياء فيجريها مجرى الياء الساكنة و قد تعاقبت هذه الضرورة مع ضرورة تخفيف همزة الواو في (سؤل) لدعم المخرجين الصوتيين بمدين متعاقبين يفيدان زيادة فداحة الموقف ورعبه ودهشته\ يحبي: يخطئ السهم قصده\ حسبانة: صاعقة\ يحزي: يتكهن ويتوقع.
تفاتي: طلب الفتوى (والمقصود بها سؤال السيدة خديجة لورقة عن فتوى ما حل بالنبي من وحي) \ تبدِّي: ظهور\ قرارة: قاع مستديرة يتجمع فيها الماء (قرارة النفس: أعماقها)\ جذع: صبي فتي \ تركِّي: اعتماد واتكاء\ ناموس: وحي وشريعة\ تسرِّي: تكلف المروءة والسخاء والسرور وإزاحة الهموم\ مبادي (مبادئ).

المراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*1 : نسبه – صلى الله عليه و سلم – و الذي ينتهي إلى ابراهيم
*2 : روى ابن أم سعد أن أم رسول الله – صلى اله عليه و سلم – قالت: لما ولدته خرج من فرجي نور أضاءت له قصور الشام , و روى أحمد عن العرباض بن سارية ما يقارب ذلك
*3 : من إرهاصات مولده – صلى الله عليه و سلم – سقوط أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى و انطفاء نار المجوس و تهدم الكنائس حول بحيرة ساوة التي غيض ماؤها.
المراجع : مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 12 \\ فقه السيرة للغزالي ص 46 \\ ابن هشام 1(159-160)
*4 : أول من أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح و كانت قد أرضعت قبله عمه حمزة بن عبد المطلب
المراجع : تلقيح فهوم أهل الأثر ص 4
*5 - *6: قصة حليمة السعدية. المراجع : زاد المعاد 1(19) \\ ابن هشام 1(162-163-164)
*7: قصة شق صدر النبي: روى مسلم عن أنس أن جبريل أتاه وهو يلعب مع الغلمان فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك, ثم غسله في طِسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأمَهَ ثم أعاده إلى مكانه.
المراجع:
ابن هشام 1(162-163-164).
*8: تلقيح فهوم أهل الأثر ص7 \\ ابن هشام 1(168).
*9: المراجع: محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري 1(63)\\ فقه السيرة للغزالي ص 50
*10: ابن هشام 1(168).
*11: تلقيح فهوم أهل الأثر ص 7 \\ ابن هشام 1(169).
*12: ذكر أنه لما سئل –  صلى الله عليه و سلم – عن أبي طالب قال بأنه في ضحضاح من النار حتى كعبيه, وقد نزل في ذلك (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) التوبة (113).
* المصدر : الرحيق المختوم فصل نزول الوحي , وفي حاشية المرجع تفسير هذه النتيجة
*13 : مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 15-16 \\ ابن هشام 1(180-181-182-183)
*14 : فقه السيرة للغزالي ص 52.
*15: ابن هشام 1(187-188).
*16: ابن هشام 1(189-190) \\ فقه السيرة للغزالي ص 59 \\ تلقيح فهوم أهل الأثر ص 7
*17: ابن هشام 1(191) \\ فقه السيرة للغزالي ص 60 \\ فتح الباري 7(507)
*18 - *19: كما قالت خديجة: يحمل الكَل ويكسب المعدوم ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. (صحيح البخاري 1(3))
*20: رحمة للعالمين 1(47) \\ ابن هشام 1(235-236) \\ في ظلال القرآن: الجزء الأول 29(166-167).
*21: نزلت الآيات حتى قوله تعالى (علم الإنسان ما لم يعلم) سورة العلق (من 1 و حتى 5).
*22: حديث عائشة في صحيح البخاري 1(2،3)
*23: مختصر من ابن هشام 1(238)
*24: فتر الوحي حتى حزن الرسول – صلى الله عليه و سلم – فكان يظهر له جبريل ويثبته،     ويقول له: يا محمد إنك رسول الله حقًّا فيسكن لذلك جأشه, و قال في ذلك ابن حجر: وكان ذلك – أي انقطاع الوحي أيامًا – ليذهب ما وجده من روع وليحصل له التشوف إلى العود.
المصدر: فتح الباري 1(27).
*25: حديثه – صلى الله عليه و سلم – عن فترة الوحي: قال: فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قِبَلَ السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء     والأرض فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني, فزملوني, فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر إلى قوله: فاهجر, ثم حمي الوحي وتتابع.
المصدر: صحيح البخاري, كتاب التفسير باب والرجز فاهجر 2(733).
*26: في ظلال القرآن: تفسير سورتي المزمل و المدثر ج : 29(168-169-170-171-182)

تعليق عبر الفيس بوك