نَصٌّ ولَوحَة

الأرواحُ المتجرِّدَةُ

ناصر أبو عون وسامية الغريبيّة - مسقط


ذات مساء صيفي قائظ، كانت السماء تنصب قبّة نحاسية وتحاصر الأرض من الأعلى، و زفير الموت يحتبس في قصبة الكون الهوائية، والعرق ينزُّ من جلودنا، وتتنفس رئة الكون ماءنا المالح.. وقْتها كانت (الأرواح المتجرّدةُ)  تنفث زفير أحزانها في وجه النجوم التي لا تغادر أماكنها، وتكابد مشقة الإخلاص في أرض قَفْر من الحياء، وغالبا ما كانت مرآة عيونها لا تأخذ أكثر من وضعين إما الوضع المائل بزاوية حادّة تجاه الأرض تسقيها من حيائها وتعاتب خطواتها التي تطأ ثرى الأرض، وربما تحاور الأحياء المختبئين في ذرات الأديم فتخفف الوطء قليلا؛ فباطنها حياة وما فوقها عدم.. بينما زاوية النظر الأخرى كانت دائما على استقامتها باتجاه القادم أو في انتظار الذي لايجيء وربما لأن العالم فقد براءته، وشرب من ماء الخطيئة.
لم تكن (الأرواح المتجرّدة) تعرف من هذا العالم سوى المعادلات الأخلاقية الصحيحة، ولم تكن ضمائرها تقبل القسمة إلا على (المحبة)، وكان مجموع أخلاقها يساوي (=) حاصل ضرب القيم السماوية (x) أخلاق رُسُلِ الإنسانية، وكان أصواتها خرير جداول لا تنقطع موسيقها..
في الحقيقة ليست (الأرواح المتجرّدة) سوى صورة (يوسف) الذي (تمزق قميصه) على (جدران مدرسة الحياة)، و(نسخة إنسانية من موسى ) الذي نسي تلاميذه حيتانهم عند حواف الخجل.
ربما غادرت (الأرواح المتجرّدة) خيبتنا وبَلادَتنا ووحشيتنا إلى عالم منصف بامتياز حيث هناك (كل الأضلاع متساوية)، والمرايا غير خادعة ليست محدّبة أو متقعرة.. أيها الواقفون على ناصية الحياة لقد غادرت (الأرواح المتجرّدة) دنياكم وكتبتْ صحيفة أعمالها على سبورة الكون الشفيف الذي يعجز الطين عن اختراقه،  وصعدت بلا خطايان وصارت غير مرئية، تعبُّ من خمرة  الإخلاص، وتستحم في محيطات الحياء.

تعليق عبر الفيس بوك