"أفول عصر النفط"

خبراء "صندوق النقد" يتحدثون عن نهاية وشيكة لسطوة الخام الأسود

◄ ارتفاع إنتاج الغاز في السلطنة "خط الدفاع" أمام الطاقة البديلة

◄ النفط يسير على خطى الفحم مع استمرار تراجع استخداماته كمصدر للطاقة

◄ 90% من وقود السيارات سيكون كهربائيا بغضون 20 عاما

◄ "المتجددة" ستزيح النفط عن عرش مصادر الطاقة .. والتقنيات الجديدة تعجل بالخطوة

◄  سعر زهيد للنفط بحلول 2040 مع تنامي استخدام وتوليد الطاقات المُتجددة

◄ الغاز "الحصان الأسود" في منظومة إنتاج الطاقة بالسلطنة خلال السنوات المقبلة

الرؤية - نجلاء عبد العال

"نهاية عصر النفط.. لم يعُد التَّساؤل إذا ما كانت ستحدث وإنما متى؟".. بهذا العنوان الاستفهامي والذي يحمل في طياته العديد من علامات التعجب وهواجس الترقب، نشر 3 من أبرز خبراء صندوق النقد الدولي تقريرًا حول هذه القضية، على مدونة الصندوق على الإنترنت، يؤكدون فيه أنَّ الخام الأسود استقل القطار الذي سبقه إليه الفحم، كأحد أنواع الطاقات الثانوية، إذ بات النفط قريباً أكثر من أي وقت مضى من توديع الأسواق كمصدر رئيسي للطاقة، لاسيما فيما يتعلق باستخدامات الوقود في السيارات.

ويستند التقرير إلى معلومات عن التزايد في إنتاج الطاقات البديلة وتطوير استخداماتها والتي تقوم على واحدة منها صناعة السيارات الكهربائية، ويضيف هذه العوامل إلى ما خلص له تقرير سابق لصندوق النقد الدولي بأن النفط الصخري سيستمر لوقت طويل ضاغطاً على أسعار الخام في الأسواق. ويقول الخبراء في تقريرهم الجديد ".. هناك دراسات أحدث تشير إلى أنَّ التكنولوجيات الجديدة الأخرى، مثل انتشار السيارات الكهربائية وتوليد الطاقة الشمسية، يمكن حتى أن يكون تأثيرها أعمق على سوق النفط والطلب عليه في الأجل الطويل".

النفط يسير على خطى الفحم!

ويعقد التقرير مُقارنة بين مصير كل من الفحم والنفط، مشيرًا إلى أنَّ النهاية قد تتشابه قريبًا، وكشفت المقارنة أن "الفحم كان منذ 100 عام يشكل ما يقرب من 80% من حصة استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة. وفي غضون 20 عامًا انخفضت هذه الحصة إلى النصف، وانخفضت مرة أخرى خلال 40 عاماً إلى الخُمس فقط، مع إحلال النفط محل الفحم كمصدر الطاقة الرئيسي في العالم. وقد حدث ذلك على الرغم من أن الفحم كان أرخص من النفط، وذلك لعدم وجود بديل فعلي لتوفير الطاقة للسيارات التي سرعان ما تحولت من كونها وسيلة انتقال شخصي فاخرة وغير مألوفة إلى الوسيلة المُفضلة للانتقال. واليوم، يشكل استهلاك السيارات من الوقود حوالي 45% من استهلاك النفط في العالم".

ومع ما يورده التقرير الموجز من تحليل يتضمن التسارع في حركة تكنولوجيا السيارات فإنَّ تحول الوقود من النفط إلى الكهرباء أصبح أمرًا لا مفر منه، أما متى سيكون هذا التحول النهائي؟ فيفصح التقرير عن إجابة ذلك التساؤل من خلال تسليط الضوء على ورقة عمل صدرت مؤخراً عن الصندوق تتنبأ بأنَّ السيارات الكهربائية قد تشكل 90% من إجمالي معروض السيارات في الاقتصادات المتقدمة وأكثر من نصفه في اقتصادات الأسواق الصاعدة بحلول عام 2040.

ومن البديهي أن يتم طرح سؤال عن منطقية التَّخلي عن النفط على الأقل كمولد للطاقة الكهربائية التي تلزم تزويد السيارات ووسائل النقل بالوقود، وهذا ما نقله التقرير وأجاب عليه بأن "حصة النفط في سوق توليد الكهرباء والتدفئة لا تصل بالفعل إلى 20% على مستوى العالم، ويمكن أن تتقلص أكثر بصعود نجم تكنولوجيا جديدة أخرى، وهي الطاقة المُتجددة".

الصعود نحو القمة

وبمرور الوقت تمضي مشروعات الطاقة المتجددة بكل مثابرة نحو الصعود إلى قمة هرم الطاقات، بفضل العديد من العوامل في صدارتها صون البيئة والحماية من التلوث، وقد نجحت في جذب تجارب ومشروعات بتريليونات الدولارات، حتى بات يعول عليها الآن لإنقاذ الكرة الأرضية، وهو ما تشير إليه الكثير من اتفاقيات ونقاشات المناخ حول العالم، الأمر الذي حفز مستثمرين آخرين -إن لم يكن نفس المستثمرين في كثير من الأحيان- على العمل لطرح منتجات تتعامل مع الطاقة الجديدة، سواء أدوات لإنتاج هذه الطاقات أو استغلالها. ولذلك تسارعت وتيرة انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء، فبحسب التقرير "تراجعت التكلفة لإنتاج الطاقة الشمسية منذ عام 2008 بنسبة قدرها 80% وطاقة الرياح بنسبة بلغت 60%". وواكب ذلك تزايدا كبيرا في إنتاج وانتشار السيارات ووسائل النقل التي تستخدم الطاقة الكهربائية كوقود. ومن يمن الطالع أنَّه قبل يومين فقط أُعلن عن تدشين أول شاحنة تعمل بالطاقة الكهربائية لتنضم إلى القطارات ومن بعدها سيارات الركوب. وأولت وسائل الإعلام اهتماما كبيرا بخبر تأسيس شركة نيسان موتور وشريكتها رينو مشروعا مشتركا جديدا في الصين لتصميم وإنتاج سيارة كهربائية، ليتزايد بذلك عدد الشركات التي تعمل على الاستفادة من توجه الصين- أحد أكبر أسواق العالم- نحو تبني السيارات "الصديقة للبيئة".

هذه المؤشرات والدلائل توفر مناخاً يهيئ الأسواق والاقتصادات نحو نهاية تكتب السطر الأخير في عصر النفط. لكن متى تحديدا سيحدث ذلك، فإن خبراء الصندوق أنفسهم يؤكدون: "حتى إذا لم يكن بوسعنا التنبؤ بما ستؤول إليه أسعار النفط في الأسبوع المُقبل أو الشهر المُقبل، فإن النفط بحلول عام 2040 سيكون أرخص كثيرا بالمقارنة بسعره اليوم، وعندئذ فإنّ القيمة المعادلة لسعر قدره 50 دولارا للبرميل ستبدو مرتفعة للغاية".

لعنة النفط؟!

وقد أعد التقرير خبراء اشتركوا سابقاً في كتاب بعنوان "كسر لعنة النفط.. طريق صقور الخليج نحو التنويع الاقتصادي"، وانصب تركيز الكتاب- الذي ضم خلاصة مُناقشات مسؤولين وخبراء على آليات تفاعل الدول المنتجة للنفط والمعتمدة- على إيرادات النفط في ظل التراجع القوي والطويل الأمد لأسعار الخام. وفي تقرير سابق للصندوق، أيضًا، أوضح أنه على المدى المتوسط، سيتحقق النمو الكلي في دول مجلس التعاون الخليجي بدعم التعافي المتوقع في الإنتاج النفطي، ولذا فإن النمو غير النفطي سيظل مقيدا نتيجة مواصلة التقشف المالي في البلدان التي تستلزم إجراء تصحيحات كبيرة (ومنها سلطنة عُمان)، لكن لعلها المرة الأولى التي تتحول فيها نبرة الحديث عن تراجع أسعار النفط إلى هذه الحدة، وتغير موجتها من تراجع متوسط المدى إلى الحديث عن "نهاية عصر النفط".

وعلى صعيد محلي فإن تراجع أسعار النفط أصاب بالفعل المسار الاقتصادي للسلطنة -مثل باقي دول الخليج- لكن وعلى غرار قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات خلال أزمة النفط، فإن النمو الاقتصادي سيتواصل حتى وإن انتهى عصر النفط، كما يتوقع خبراء الصندوق، فعلى المدى البعيد يمكن توقع ما تحققه خطط التنويع الاقتصادي من نجاح، إلا أن التساؤل الحقيقي الذي يقفز الآن هو: ماذا عن المدى القصير والمتوسط؟

لعل الإجابة تكمن في شقائق النفط، وتحديدا الغاز، الذي أولاً لا يُعاني من "النظرة المتعالية" من قبل التقنيات الحديثة و"حماة البيئة"، وثانياً لأنه من أكثر العناصر المستخدمة في توليد الكهرباء حتى للآلات المتعاملة مع الطاقة الشمسية والرياح.

ووضع الغاز الطبيعي في السلطنة مبشر للغاية؛ إذ لا يفصل البلاد سوى أشهر قليلة عن موعد إطلاق أول إنتاج من حقل خزان أكبر حقل غاز طبيعي بالسلطنة، والذي سيضيف كميات هائلة من الغاز المنتج تصل إلى مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، مع اكتمال مراحل العمل. ولا يوفر الغاز الطبيعي الذي تعمل عليه شركة "بي بي عمان" في حقل خزان عملا حصريا واستثنائيا في هذا الحقل فحسب، بل سيكون هناك العديد من المشروعات المشابهة مستقبلا، خاصة وأن الأرقام تؤكد أن إجمالي احتياطي مخزون الغاز في السلطنة يزيد على 59.4 تريليون متر مكعب، لم يتم حتى الآن سوى إنتاج 20% منه، وبذلك فإن الغاز- والكهرباء التي ستستخدم في إنتاجه- سيكون حصانا أسود يقوم بدور مهم في حال "نهاية عصر النفط".

مشروعات جديدة

ومع افتراض واقع غياب النفط في المستقبل القريب كأهم مصدر للوقود فإن استخدام النفط في الصناعات لا يبدو أنه سيكون له نهاية قريبة، وكما قال معالي الدكتور محمد الرمحي وزير النفط والغاز فإن الوزارة تتطلع إلى اليوم الذي يجري تصنيع كل نقطة نفط داخل السلطنة، فالنظرة إلى إمكانية التخلي عن تصدير النفط في عمان "ليست بعيدة تماماً" إذا جاز التعبير؛ ونظرة إلى المشروعات العملاقة التي يجري التحضير لها والتي ستدخل العمل والإنتاج قبل 2020 تؤكد أن الترتيب جار لمثل هذا اليوم، وعلى سبيل المثال لا الحصر ننظر إلى مشروع توسعة مصفاة صحار، ومشروع إنشاء مصفاة الدقم، وأيضاً أكبر المشاريع العمانية على الإطلاق وهو مدينة لوى للبلاستيك والذي سيكون خطوة عملاقة في مجال الصناعات القائمة على مشتقات النفط.

وفي حال التوسع في الصناعات على المشتقات النفطية، فقد تشهد النظرة إلى الخام العماني تحولا جذريا، لكونه شديد اللزوجة، ما قد يتسبب في بعض الإنفاق والجهد على نحو أكبر من غيره من الخامات بسبب صعوبة استخراجه، لأنه مع الاستفادة من كل مركبات هذا الخام ستزداد قدرة تفكيك الثروة إلى ثروات، ومن صناعة واحدة إلى آلاف الصناعات الوسطى والنهائية.

غير أن ما يتبقى هو الاستعداد لهذا التحول في النظرة للخام من جانب المستثمرين العمانيين قبل غيرهم، والتأهب للاستفادة من الخامات التي ستتاح، والطلب الذي سيتزايد مستقبلاً على منتجات، سيكون العالم بحاجة لها، فهناك صناعات الإطارات والأدوية والأسمدة والبلاستيك وغيرها الكثير، مما سيشمله عصر ما بعد نهاية النفط.

تعليق عبر الفيس بوك