أقزام الثقافة (1 - 2)

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني
الجامعة الهاشمية - الأردن


إلى أولئك الذين يخرجون من عمق الظلمات، يتسللون إلينا من شقوق الزمن المتصدع، الذين خدمتهم الصدفة حينا، والشللية حينا، والجهويّة حينا آخر، و،........و.........،فرسان طواحين الهواء ممن ابتليت بهم اﻷمة إذ تعلموا - على فترة وغفلة - كيف يمسكون قلما يشحبرون به على وجه الورق، وتسربوا إلى اﻹعلام حينا وإلى منابر العلم والمؤتمرات حينا، وقُدِّمُوا على أنهم مثقفون، ﻻ بل مهيمنون على الثقافة وصُنّاع لها،وانتفخوا ونُفِخُوا حتى ظنوا حقا أنهم أرباب الفكر وسدنة اﻹبداع، وأن لهم أن يقولوا ماشاءوا، وكيف شاءوا بلا رقيب أو حسيب، يهرفون ويغرفون مما ﻻيعرفون،ونصَّبوا من أنفسهم رعاة للأجيال وقادة للتاريخ، وقباطانة للحضارة، فلم يبقوا ثابتا من ثوابت اﻷمة لم يحاولوا زعزعته وخلخلته، وﻻ مبدأ راسخا لم يحاولوا زلزلته، وفي غمغماتهم الكهنوتية خلطوا الحق بالباطل، وألبسوا الباطل ثوب الحق، وانطوت طويتهم على خبث ومكر وسم فكري ﻻينطلي على كل ممحص حكيم؛ لكنه للأسف الشديد ينطلي على سواد الناس وعامتهم، فمن ذلك مثلا جرأة تلك الأقلام الرخيصة على خدمة الإسلام المؤمرك، فيتخذ أولئك مثلا من الحديث عن اﻷحزاب الإسلامية وليجة لضرب اﻹسلام كله، يترسمون خطى سادتهم من العلمانيين الغربيين، تلك الفئة من اﻷمة التي اختارت أن تبيع أمتها وكينونتها وفكرها بثمن بخس مثلث: (المال،الشهرة،الشهوة)، ويتجاهلون مسألة جوهرية في الحضارة العربية الإسلامية هي أن الإسلام دين حياة دنيا وحياة أخرى، دين ودولة، كل ﻻ يتجزأ، وأن اﻹيمان ببعض والكفر ببعض يسلم إلى الخزي ويستوجب العقاب لقوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ  فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ  وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة - 85).
اﻹسلام كامل وصالح لكل زمان ومكان، وﻻ يحتاج إلى من نقصت مداركهم عن أدراكه وضاقت به صدورهم ليكملوه، وﻻيجوز أن يحمل تبعات ترهل وضعف وخلل اﻷحزاب المنتسبة إليه، والتي أسس كثير منها لتكرس تفتيت اﻷمة وتشرذمها في أحزاب وشيع فكانوا " الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا" .
إنما اﻹسلام إرادة شعبية وثقافة فردية وجماعية مجتمعية، فالرب واحد والقرآن واحد والنبي واحد، والشريعة واحدة قرآن وسنة، ﻻشرقية وﻻغربية وﻻرأسمالية و ﻻاشتراكية، وﻻ براغماتية وديموقراطية، وﻻ أي صرعة فكرية مستوردة مصنعة في الخارح.
فاﻹسلام ليس بفلسفة بوذية أوحكمة نورفيدية أو طقوس كنفوشية، و.... ،يفتقر لما يكمله، تناول جانبا ونسي جوانب، وما هو بقول بشر، وقد نزل كاملا شاملا من لدن حكيم خبير:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اﻹسلام دينا" وقوله:"ما فرطنا في الكتاب من شيء".
فرسالة إلى أعشار المثقفين ممن أخرجتهم بيوت الجهل والملق: كفوا أيديكم وألسنتكم، وإﻻ فأذنوا بحرب من الله ورسوله والمؤمنين، ودعوا أمر الدين ﻷهله الذين نافحوا عنه كابرا عن كابر، وتحدثوا في حدود علمكم ومايهمكم من أمر اﻷزياء وسقط النساء، واعلموا أن أمر الدين متروك ﻷهله، وأنه خط أحمر حقيقي، وأن اﻷمة ﻻتقبل بديلا للإسلام، وﻻ ترضى تهجينا له، وﻻ تحريفا له ﻻ بتأويل وﻻ تعطيل.
ووالله لن يصلح أمر هذه اﻷمة اليوم والغد إﻻ بما أحياها وأبقاها باﻷمس، ولن تنتصر اﻷمة مادامت تحارب عدوها تحت رايات أحزاب متعددة، والحق أن ﻻ أحزاب في اﻹسلام؛وأن تلك اﻷحزاب أوجدت إيجادا وخلقت خلقا، لتذهب ريح اﻷمة، فأجمعوا أمركم، واتقوا ربكم، وارفضوا كل فكر مدسوس، واحذروا أفاعي حقلكم فإنها أخطر من الجراد القادم مما وراء البحار.

تعليق عبر الفيس بوك