أول أوبرا تناهض الحرب وتنتصر للحب

"عايدة على مسرح دار الأوبرا السلطانية"

...
...
...
...
...
...
...
...
...

مع الإعلان عن افتتاح الموسم الجديد 2017-2018لـ"دار الأوبرا السلطانية - مسقط" بأوبرا "عايدة" تذكرت مقولة نزار قبّاني الشهيرة" من يبكِ على صدرِ الحبيبة لا يحق له البكاء على صدر الوطن، ومن يمارس العشق لا يحق له أن يمارس الثورة" فقصة أوبرا عايدة تمثِّل "الصراع بين الواجب والعاطفة" وهى من أربعة فصول وتُصَنَّف تحت ما يسمى بـ"الأوبرا العظيمة" "grand opera". والصراع داخل نسيج القصة الأوبرالية عاشتها البطلة الأميرة "عايدة" بين حبها للقائد المصريّ "راداميس"، وبين ولائها لوالدها وشعبها. و "راداميس"،  لم يكن بأفضل منها؛ فقد كان عليه هو أيضا أن يختار بين حبه لـ"عايدة"، وبين وولائه لـ"ـمصر" و"الفرعون".
مع أوبرا عايدة التي ستعرض على مسرح دار الأوبرا السلطانية – مسقط نلقي نظرة على الوثائق التاريخية لقصة عايدة الأميرة الحبشية في البرديات الفرعونية القديمة ، ونستعيد من مخزون الذاكرة قصة إنشاء أول دار للأوبرا في المشرق العربي.
لقد توسّعَتْ دائرة الصراع بين (الفرنسيين)، و(البريطانيين) قديما إبّان الفترة الاستعمارية، لتشملَ سائر المناشط السياسيّة والعسكرية والاقتصاديّة؛ فقد توافق الخصمان التاريخيان على الافتتان بـ(بالحفريات وعلم الآثار)، وخاصةً (الفرعونيّة) منها، ووجه الغرابة في هذه المفارقة يظهر في كون معظم اكتشافات الفرنسيين (لغوية/ حجر رشيد أنموذجا)، وفك طلاسم ورموز اللغة الهيروغليفية القديمة، وفنية (قصة عايدة الحبشيّة مثالا)، والتي عَثُرَ عليها عالِمُ المصريات الفرنسي "اوجست ماريتا" أثناء بعثة حفريّة في "وادي النيل"، وكانت منسوخة في أربع (لفائف من ورق البرديّ)، وبإيعاز من الخديوي إسماعيل تلقفّها عالم الآثار المصرية الأكثر شهرةً على الإطلاق في الأوساط الفرنسيّة  "ميريت باشا"، وعكف على صياغتها (قصصيا)، وفي هذه الأثناء كانت مصر تستعد للاحتفال بافتتاح "قناة السويس"، الحدث الاقتصادي الأعظم وكانت الدعوة موجهّة لجميع ملوك وأمراء أوروبا، والذين كانوا على موعد افتتاح الحدث الثقافي الأكبر والأكثر عظمة في تاريخ المشرق العربيّ وهو (افتتاح أول دار أوبرا مصريّة)، لذا فقد اتُّفِقَ مع  (الليبرتو) جيسلا نزوني على كتابة النصّ الغنائي لـ(قصة عايدة الحبشيّة)، وبعد ترجمتها وبطلب من الخديوي إسماعيل سلّمها جيسلا نزوني بدوره إلى الإيطالي "فيردي" في عام 1870 ليكتبها  للأوبرا بعنوان (عايدة).
في هذه الأثناء كانت مصر ترزح تحت نير الاحتلال الإنجليزي، وقناة السويس شركة عالمية بشراكة (إنجليزية فرنسية مصرية)، وربما رأى (المحتل الأجنبيّ) في تدشين حفل افتتاح قناة السويس بـقصة (أوبرا مصريّة) خطوة نحو الاستقلال، فتأجّل عرض الافتتاح بحجّة "تأخر وصول ملابس وديكور أوبرا عايدة من باريس"، وتمَّ استبداله بـ"اوبرا ريجوليتو  Rigoletto" الإيطالية. المأخوذ عن قصة لفكتور هوجو عنوانها (الملك بلمو).
وهنا تناسلت، وتداخلت الأحداث وتتابعت الذكريات التاريخية واجتاحت الذاكرة مع سماع خبر افتتاح "دار الأوبرا السلطانية - مسقط" موسمها الجديد 2017-2018 بأوبرا "عايدة"  تحت عنوان (موسم الفنون الرفيعة) بإنتاج متميز لفرقة الأوبرا الإيطالية المرموقة لمسرح "تياترو ريجيو" في تورينو. ومن إخراج المنتج وكاتب السيناريو العلمي الشهير للمخرج الشهير "ويليام فريدكين"، وسوف تستمر العروض على مدار ثلاثة أيام هي الخميس 14، والسبت 16، و الأحد 17 سبتمبر في تمام الساعة 7:00 مساء.
وبالرجوع إلى التاريخ الفرعونيّ التليد، وبالبحث عن حقيقة قصة "عايدة" نجدّ سائر الوثائق  والبرديات القديمة تشير إلى أن القصة يرجع تاريخها إلى فترة حكم الملك "رمسيس الثالث"، والذي حكم مصر في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أي في الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية". أما عن "زمن أحداث القصة" نجده مباشرةً بعد انتصار "المصريين" على "الأحباش" ووقوع قائد الجيش المصرى " راداميس " والأميرة الحبشية "عايدة" في غرام بعضيهما عبر قصة حبّ إنسانيّة" غاية في العذريّة، ومحاولتهما الهروب بحبهما بعيدا عن الصراعات السياسيّة لكن فرعون مصر اكتشف خطة الهروب فحكم على راداميس بالإعدام. وتنتهى المأساة بدفن الحبيبين أحياء داخل مقبرة فرعونية.
ومن تفاصيل أحداث "أوبرا عايدة" والتي تدور حول شخصيّة "الأميرة الحبشية"، ووريثة عرش أبيها"أموناسرو"، حاكم الحبشة وأعالي النيل والتي تقع في أسر وغرام "راداميس" قائد الجيش المصريّ إلى جبال منابع النيل، سوف يشاهد جمهور مسرح دار الأوبرا السلطانية صراع الأميرة "عايدة" بين حبها للقائد "راداميس"، وبين ولائها لوالدها وشعبها"أموناسرو. ولكن القائد العسكري "راداميس"،  لم يكن بأفضل منها؛ فقد كان عليه هو أيضا أن يختار بين حبه لـ"عايدة"، وبين وولائه لـ"ـمصر" و"فرعون"، ويزداد الصراع تعقيدًا بوقوع ،"أمنيريس" ابنة الفرعون في عشق"راداميس"، من طرف واحد.
وقصة أوبرا عايدة تمثِّل "الصراع بين الواجب والعاطفة" وهى من أربعة فصول وتُصَنَّف تحت ما يسمى بـ"الأوبرا العظيمة" "grand opera" وسوف نشاهد على مسرح دار الأوبرا السلطانية السوبرانو الأمريكية الحائزة على العديد من الجوائز، "كريستين لويس"، في دور "عايدة". أما "غريغوري كوندي" أشهر مغني التينور على المسرح الدولي اليوم، في دور راداميس. أما دور الأميرة "أمنيريس"، فتؤديه الميزو سوبرانو الجورجية "أنيتا راشفيليشفيلي"،أما دور الملك "أموناسرو" فسوف يقوم بأدائه الباريتون "أمبروجيو مايستري"، وتكتمل هذه الكوكبة من النجوم، والمواهب الفذة مع المايسترو اللامع "جيان اندريا نوسيدا"، الحائز على جائزة  أفضل مايسترو في جوائز الأوبرا الدولية لعام 2016م.
وملخص "قصة أوبرا عايدة": يدور حول إعلان بلاد الحبشة الحرب على مصر والتحرك بجيوشهم باتجاه مدينة "طيبة"، ووقوع الاختيار على "راداميس"  ليقود الحملة العسكريّة الثانية على بلاد الحبشة بعد أن وقع في حب أميرة الحبشة عايدة أثناء الحملة الأولى للجيش واتخذتها "أمنيريس" ابنة فرعون جاريةً لها وخادمة.
وفي الحملة العسكرية الثانية حاول القائد العسكريّ "راداميس"  الانتصار ليطلب تحرير "عايدة" من العبوديّة والزواج غير أن الأقدار لا تسير وفقَ ما يشتهي البشر فنرى أن "أمنيريس" ابنة الفرعون تقع في حب"راداميس"  وحاول بكل السبل إبعاده عن حب عايدة. ولكن خضوع عايدة لرغبات والدها ملك الحبشة استغلت حبّ  "راداميس"  لها وضعفه أمامها في معرفة خطط الجيش المصري وطرق سيره إلى بلاد الحبشة. فيكشف "راداميس" لها الأسرار العسكرية، ويقتنع في النهاية بأن "حبّه لعايدة دفعه لخيانة وطنه"، فيسلم نفسه لكهنة المعبد، ويحكم عليه بالدفن حيا في إحدى المقابر الفرعونية". ولكنه يفاجأ عند دخوله المقبرة بوجود "عايدة" وتموت بين يديه. وتبقى "أمنيريس" وحدها حزينة تبكي فوق المقبرة، وتدعو لـ"راداميس" بالسلام الأبدي.
وتقع أحداث الفصل الأول من أوبرا عايدة حول: فى القصر الملكى بمدينة "ممفيس" المصرية؛ ونرى "رامفيس" كبير كهنة المعبد وهو يجهز جيشا لمحاربة "الأحباش" الذين – من وجهة نظره - يهددون سلطة الفراعنة في أعالي منابع النيل في إفريقيا وبلاد وادي النيل وفي الوقت نفسه نطالع "القائد المصري "رادميس" وهو يصلي  راجيا أن يتمَّ اختياره  لقيادة الحملة العسكرية الفرعونية الثانية في أعالي الحبشة ليؤدب ملكهم ويمنعه من تحرير ابنته "عايدة من الأسر" وتحقيق نصر مؤزر  يشفع له طلب تحرير حبيبته "عايدة" من الأسر والعبودية. وتدخل عليه في هذه اللحظة "امنيريس" ابنة فرعون مصر والتى تهيم به حبا ولكن من طرف واحد. وتلقي عليه سيلا من الأسئلة تفك بها خيوط شكوكها تجاه حبه لعايدة، وفي هذا الموقف المعقد يدخل عليهما أحد الجنود ويخبر "رادميس" بأن أمونسيرو ملك الحبشة ووالد حبيبته عايدة يزحف بجيشه على "طيبة" أملا في تحقيق انتصار يحرر ابنته من أسرها. وتستجيب الأقدار الإلهية لصلاة "رادميس" وتتحق أمنيته بقيادة الجيش الفرعوني فيتوجه مع رجاله وسط تراتيل غنائية حماسيّة لتشجيع الجنود على الانتصار، وترفع "أمنيريس" ابنة الفرعون صوتها بالدعاء مخاطبةً "رادميس"  قائلةً (لترجِعْ إلينا منتصرًا)؛ بينما تشعر عايدة بـ"خيبة الأمل" فى مشاعرها فحبيبها يقود معركة ضد أبيها.
وفي الفصل الثاني نشاهد "أمنيريس" ابنة فرعون في غرفتها تستعد للاحتفال بانتصار جيش الفراعنة بقيادة "رادميس" وتتهيأ لملاقاة الجيش العائد إلى "طيبة" بينما نار الشك تأكل صدرها تجاه الأميرة الحبشية"عايدة" التي الأسيرة التي أسرت قلب  "رادميس" القائد فتحتا وتنصب الفخاخ للإيقاع بعايدة فتخبرها بأن "رادميس" قتل فى المعركة فتسقط "عايدة" من الألم صارخةً وكاشفة حقيقة مشاعرها تجاه "رادميس"، ويتصاعد الصراع وتواصل "أمنيريس" لُعبتها وانتقامها، فتخبرها بأن رادميس لا يزال حيا وليس لها نصيب في حب"رادميس"،  لكونها أسيرة وجارية وتطلب منها نسيان هذا الحب غير أنّ عايدة تخبرها بأنها أميرة حبشية وليست جارية وتطلب من "أمنيريس" العفو والصفح عن هذا الحب. ونشاهد على خشبة المسرح عودة "رادميس" منتصرًا، وفي مهرجان الاحتفال الجماهيري بالانتصار على الأحباش يتم استعراض الأسرى ويظهر بينهم والد عايدة الملك "أموناسرو"  وهو يتودّد إلى ابنته ألا تتخلى عن شعبها ووطنها فتتوسل للحفاظ على حياتهم. بينما يقترح رامفيس كبير الكهنة قتل الأسرى. بينما نشاهد القائد رادميس يطلب من الفرعون العفو عنهم وإطلاق سراحهم كمكافأة له على انتصاره فينزل الفرعون على رغبة رادميس ويطلق سراحهم ويمنحه يد ابنته ليتزوجها ويعتلي عرش مصر.
وفي الفصل الثالث نشاهد "أمينريس" ابنة فرعون داخلة إلى معبد "إيزيس" بصحبة "رامفيس" كبير الكهنة كجزء من تقاليد الزواج. بينما كانت "عايدة" تواعد "رادميس" خارج المعبد ونشاهد أيضا "أموناسرو"  ملك الحبشة "والد عايدة" الذي اكتشف قصة حبها لـ"رادميس" فيطلب منها استدراج حبيبها لمعرفة خط سير الجيش المصرى إلى الحبشة فترفض لكن أمام إلحاح والدها ترضخ وتقرر خداع رادميس الذى أتى للقائها ويخبرها برغبته في الزواج منها ولا يعلم بوجود والدها مختبئا بعد انتصاره القادم على الحبشيين.  لكن "عايدة" تحاول إقناعه بالفرار معها الى الحبشه وتسأله عن الطريق الذى سيسلكه فيخبرها وفجأة يظهر "أموناسرو"  ويعلن عن هويته كملك للحبشة ويخبره بأنه علم بخط سير الجيش الفرعوني إلى الحبشة فينخلع قلب رادميس من فعلته كخائن لوطنه وتحاول عايدة ووالدها تهدئته وإقناعه بأنها هى مصيره وقدره. وفى هذه اللحظه كانت امنيريس ابنة الفرعـون بصحبة كبير الكهنه (رامفيس) تستمع للحوار الدائر بين (رادميس وعايدة ووالدها)، ووتكتشف خيانة رادميس عريسها. ولما افتضح أمر الثلاثة حاول "أموناسرو" والد عايدة قتل "أمينريس" بخنجره لكن "رادميس" يعترض طريقه ويتوسل إليه وإلى عايدة أن يهربا وأنه سوف يسلم نفسه للفرعون مقابل خيانته بإفشاء أسرار وخطة تحركات الجيش المصري لـ"أموناسرو" والد عايدة والعدو اللدود لمصر.
بينما في الفصل الرابع نتابع وقوف "رادميس" أمام محكمة "كهنة المعبد" متهمًا بالخيانة العظمى لمصر ولكنه يعاند ويرفض الإجابه عن أسئلة المحكمة التى تحكم عليه بـ"الدفن حيا" وعبثا تحاول "أمنيريس" ابنة فرعون إنقاذه مقابل زواجه منها وخلاصه من حب "عايدة"؛ لكنه يُصرّح لها بخلود حبّه لعايدة ويفضل الموت على تضحيته بحبيبته؛ ولأن "أمنيريس" تحبّه حبًّا جما نراها تتوسل لدى الكهنة طالبةً الشفقة والرحمة بـ"رادميس"  لكنهم يأبوا ويأخذونه إلى مصيره فتلعنهم لقسوة قلوبهم بينما يدخل رادميس إلى المقبره ليدفن حيا يفاجأ أمامه بعايدة داخل المقبره معلنة له بأنها تفضّل الموت بجانبه لا تعيش بدونه. وفى مشهد روانسي حالم نشاهد راداميس يحاول جاهدا تحريك باب المقبرة الصخريّ الضخم تشبسًا بالحياة لكن دون جدوى. وفى الوقت ذاته تصلى "أمينريس" فوق الأرض من أجل السلام. بينما يستسلم الحبيبان لمصيرهما، ويودِّعان الأرض.

تعليق عبر الفيس بوك