مدرين المكتومية
تستيقظ صباحاً لتجد رسالة من صديق افتراضي يقول فيها "اشتقت لك" فتصدمك الرسالة، كونك لم تعتد منه مثل هذه الرسائل؛ خاصة إذا كنت تعرف في الواقع أنَّه شخص خجول غير قادر على التعبير عن مشاعره، فالعلاقات في مواقع التواصل الاجتماعي تختلف عن الواقع، والبعض يعيش خلف واجهة مُزيفة، حيث تكون هذه المنصات فرصة للكثير من الجبناء ليمارسوا سلوكياتهم المزيفة من خلف الشاشات أو لتمرير أجنداتهم.
هناك بعض الأشخاص يُعانون من "الشيزوفرينيا" متناقضون مع ذواتهم بصورة مبالغ فيها، بحيث تجدهم يعيشون الحياة والحرية وكل ما يتاح لهم خلف الشاشات، وفي الواقع تجدهم مختلفين تمامًا، كذلك الحال مع بعض من نعرفهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فهم يجدون هذه الوسائل مسألة عبور لكل ما يُريدونه، فمنهم من يُريد الحصول على قلب أنثى فتجده يخط أجمل العبارات وأحسنها، ويبعث لها بمُعلقات وقصائد من الحب والغزل ليصل إليها، وعندما تحين لحظة اللقاء الحقيقية تصدم بهذا الشخص الذي رسمته في مُخيلتها فيكون الحل بالنفور والهرب.
وكذلك الحال مع بعض الأشخاص الذين جعلوا من منصات التواصل الاجتماعي متاجر وصالات عرض مجانية يقومون من خلالها بتسويق ما يقدمونه دون النظر لمعرفتهم الكافية بما يقومون به ومدى توافقه مع مؤهلاتهم، وهناك من يسقط إحباطاته عبر هذه الوسائل، الكثير والكثير ممن يمكن أن نطلق عليهم أنهم يعيشون بانفصام وازدواجية، تصل بهم حتماً إلى طريق مسدود.
وأحياناً خيالاتنا هي التي تعكس صورة الشخص الافتراضي لتشكل منها شخصية بعيدة تمامًا عن الواقع، تماماً كما يحدث معنا عندما نقرأ رواية مثلاً ونبتكر صوراً لشخصيات أبطالها وصوتا ورائحة، فإذا كانت بطلة الرواية أنثى نتخيلها من حيث لون بشرتها وشكل شعرها ورائحة عطرها ونصبغ عليها ما تمليه خيالاتنا من جمال إذا كانت شخصية جميلة ومن قبح إذا كانت شخصية شريرة، وهذا الفرق بين قراءة الرواية ومشاهدتها مصورة أو كفيلم، لأن ذلك يحد من الخيال الشخصي لكل إنسان وهذا ما نجده عندما يغادر الشخص الستار الإلكتروني لينزل إلى أرض الواقع فتنكشف الحقيقة ويتوه الخيال، وغالبًا ما يكون الخيال أكثر جمالاً لأنه دائمًا بعيد عن كل التفاصيل خاصة المزعجة منها، ونشكله من خلال أمنياتنا وما نبحث عنه لدى الآخرين.
وسائل التواصل لا يجب أن تكون مسرحاً للعب شخصيات انفصامية يتقمص فيها صاحب الحساب روحًا ومشاعر وأفكارا لا تمت له بصلة، يفتعل حتى طريقة ضحكته أو بكائه، هؤلاء أكثر الناس الذين يحدثون الصدمة الأكبر عند اكتشاف حقيقتهم، ناهيك عن الاسترزاق عبر الزيف عن طريق التلاعب بمشاعر أشخاص آخرين يصدقون أكاذيب البعض في انتحال ظروف قاهرة أو حاجة غير حقيقية وهي لا تبعد كثيراً عن التسول وإن كان التعطف سيكون أكبر لأننا إذا رأينا المتسول في الشارع فسنعرف من شكله ومن نظرة عينيه إن كان محتاجاً بشكل حقيقي ويستحق الشفقة بالفعل أم لا، بينما القصص التي لا تنتهي عبر وسائل التواصل والتي تتجدد باستمرار بين حاجة إلى دفع إيجار أو ديون بنكية أو علاج مريض فهي غالباً لا تستهدف الحصول على ريال أو اثنين كما هو حال متسولي الشوارع بل بالعشرات والمئات وأحيانا بالآلاف.
madreen@alroya.info