دفاتر مدرسية

مازن الغافري

ها قد بدأ عام دراسي جديد -أقول إنِّه- مليء بالجد، والاجتهاد، مُفعم بالحيوية، والنشاط؛ كل أسرة تراها منشغلة بتجهيز أبنائها للمدرسة من شراء الملابس الجديدة، واقتناء أفضل أنواع الدفاتر، والكراسات والأقلام. في الجهة المُقابلة ترى المُعلمين، ومن هم معنيين بالعملية التعليمة قد توافدوا إلى مقار عملهم من مدارس، ومديريات وغيرها بعد إجازة استحقوها في مشهد أكاد أجزم أنّه ملحمي ينبئ عن أمر عظيم ينتج عنه حدث تاريخي سنوي... يجتمع المدير مع طاقم التعليم في المدرسة ملقياً عليهم الكثير، والكثير من التعاليم التي من شأنها أن تساعد على دفع عجلة سير الروتين التعليمي في المدرسة خلال عام دراسي كامل..لابد من وضع أدوات الأمان هنا، فالعملية جد خطيرة، ومُرهقة فهي عملية نحت ينتج عنها عقول ذات مستويات عالية من الابتكار، والإبداع ... تعاليم المدير حول توزيع الحصص الدراسية، وتحذيرات من الغياب، والالتزام بالحضور المبكر؛ في مشهد يغيب عنه الدور الأساسي، وهو مستوى التحصيل الدراسي الذي بات في الحقيقة لا يعني أحداً.. دعوني أعود من جديد لأوضح بعض الأمور؛ لذلك سأعود للأسرة التي كانت في حالة استنفار كامل؛ في القيام بدورها في تجهيز الطالب، متناسية تماماً الدور الأساسي في عملية تحصيل الطالب، والذي ترى أن المسؤول عنه بشكل تام المدرسة بالدرجة الأولى، والمُعلم بالدرجة الثانية، والكتب المدرسية بالدرجة الأخيرة ... فكثير من الأسر والتي قامت بإلغاء دورها في العملية التربوية، تعتقد أنّ المدرسة عبارة عن مصنع؛ مهما كان الذي عليه الطالب من مستوى، فإنَّ المصنع لديه تقنية خاصة يقوم بوضع بعض التعديلات عليه ليخرج من الجهة الأخرى بعد مجموعة من العمليات منتجا خاليا من العيوب تماماً؛ وكذلك عليه بعض التقنيات الإضافية... للأسف غياب دور الأسرة من العملية التربوية واضح، وملحوظ فمن النادر أن تجد ولي أمر طالب يُتابع ابنه مُتابعة متواصلة قاصداً منها تعديل، وضعه، ومستواه التحصيلي فتجد من شدة إحباطهم يطلب من المدرسة ومن المعلم وبنبرة كلها رجاء: "نريده على الأقل ينجح" مع العلم من شدة تردي الوضع تجد أنَّ الطالب قد يصل للمرحلة الثانوية وهو ما زال يُعاني صعوبة في الكتابة، والقراءة.... الطالب ليس لديه طموح وأنا هنا أعني ما أقول بأن ليس لديه طموح، ولكن من هو السبب؟.

 عندما يأتي الطالب - ولن أعمم هنا- إلى المدرسة وهو يقود سيارة ... عندما يأتيك الطالب وفي يده هاتف طراز السنة بالمبلغ الفلاني يكاد الموظفون لا يمتلكونه، وهم موظفون فكيف سيكون للطالب طموح؟ يعيش حياة كل ما يُريده ملبى وكل ما يحتاجه وما لا يحتاجه متوفر فماذا بقي ليطمح له؟.

عزيزي ولي أمر الطالب إنَّ التربية، والتعليم مسؤولية اجتماعية تشاركية بين جهات عديدة أساسها الأسرة، والبيت، والمجتمع ككل؛ وليست حكرًا، ولا مكلف بها جهة معينة دون غيرها. لذلك لكي تصل بابنك لمستوى تطمح له، ويطمح له الوطن لابد أن تعززه بمُتابعتك له على مدار العام، والمُتابعة يجب أن تكون على أساس الرقي بالعملية التعليمية، والتربوية، وكذلك رفع مستوى الطالب التحصيلي، وتفوقه؛ وليس النجاح الذي القصد منه الانتقال من مرحلة لمرحلة أخرى. كما أنَّ الدلال الزائد بتوفير الكماليات التي لا ضرورة لها قد يُشتت ذهن الطالب، ويُبعده عن الهدف المنشود، كما أنها قد تقتل الطموح الذي يعتبر الدافع، والمحرك لعزيمته في تحقيق التفوق، والنجاح.

كما أقول أيضًا أعزائي المسؤولين عن التربية، والتعليم: إنَّ التطور الحاصل في العالم من حولنا يجب أن نواكبه بمُختلف الطرق المتاحة، فالتسارع في التكنلوجيا، والتطورات في المجال العلمي على كافة المستويات لن تنتظر حتى تنهوا دراساتكم البطيئة لكل قرار أردتم اتخاذه، كما يجب أن يكون لديكم إعلام مُتمكن ومحترف من خلاله تسطيعون نقل رسالة التربية، والتعليم، وتعزيزها في المجتمع، فليس هناك أقدر من الإعلام على اختراق الجمود الفكري للمجتمع من خلال وسائله المختلفة، وغرس الأفكار التي من شأنها تعزيز فكرة دور الأسرة في عملية رفع التحصيل الدراسي.

عزيزي المعلم لديك الكثير من المسؤوليات، والأعباء التي قد لا يفهمها، ولا يشعر بها الكثيرون ممن حولك، ولكن يجب ألا تنس أنك صاحب رسالة؛ يعجز عنها الكثير، فلا بد لك من القيام بدورك وبأحسن وجه، وإخلاص، ولا بد لك من تطوير أدواتك، واستراتيجياتك التعليمية دون انتظار من يوصلها إليك، فقنوات المعرفة كثيرة، وغير محدودة.

عزيزي المدير إنَّ العلاقات الإنسانية في العمل التربوي أهم من القواعد، والقوانين التي تكون في أغلبها جامدة، فلابد لك من المرونة لتكسب جميع من حولك، وهنا لا أقصد التهاون في العملية الإدارية، ولكن العمل التربوي يحتاج لمجهود كبير قد يكون خارج النطاق القانوني، والمفروض على المُعلم كمهام عمل، ولكي يكون ذلك لابد لك من تعزيز العلاقات الإنسانية في العمل، والبعد عن التحزبات، واللوم المُفضي لإحباط الموظف.

عزيزي الطالب: إنَّ العلم سلاح يصلح لكل زمان، ومكان، وتطور الوطن مرهون بالتقدم العلمي لأبنائه فعليك يقع بناء الوطن، ولك صيغت منظومة التعليم، وأنت المحور الأساسي فيها فلا تتوانى في طلبه، وتحصيله، فليس هنالك أمة ارتقت دون علم؛ انظر من حولك لترى العالم إلى أين وصل وكن على يقين بأن العلم هو الغاية لنصل إلى ما وصلوا إليه. ليكن هذا العام بالنسبة لك عاماً دراسياً فيه تحدٍ للنفس، وضع لنفسك خطة تصل بها للتفوق المنشود.

علينا جميعاً شحذ الهمم، والإعلاء من شأن العلم، لأنّه لا سبيل لنا للتقدم والتطور والنماء إلا من خلاله. عسى أن يكون هذا العام عامًا دراسيًا حافلاً بالتفوق، والجد، والاجتهاد مكللا بالتفوق، والنجاح.

تعليق عبر الفيس بوك