مقنيات "عادل سعيد"

...
...
...

منى المعولية – سلطنة عُمان
حين تصفحته ما لبثتُ أنْ انجررتُ وراء تفاصيله فلطالما كان لي إيماني الخاص بأن قُرَانا هي أوطان في وطن، وقد نجح عادل بحبكته المشوقة، وسرده الذي لا يخلو من تابوهات روائية مدسسة بين الصفحات، في أسر القاريء وجعله رهن اكتمال النص في ذاكرته.
 وأرى أنّ هذا الإصدار شبيه إلى حدٍّ ما بكتابة السيرة الذاتية أو هو تماما كمذكرات شخصية وأخرى تؤخذ على محمل تعليميّ وتاريخيّ، ويوثق أدق تفاصيل بعض العادات والجغرافيا الاجتماعية في بعض القرى، فقد مضى الكاتب يعرِّف عن أسماء وموروثات وشخصيات تمتاز بها قريته وقد سهل عليّ في الوصول إلى بعض المعاني و التي تحمل السمات والصفات ذاتها ولكن تختلف لدينا اسما، غير أنه أزال المبهم، والمتداخل بصناعة هوامش سفلية تشير إلى معاني بعض الدلالات التي قد تتقافز إلى ذهن القارئ فيتساءل عن معانيها أو مقابلها..
وبالرغم من الجو العام الذي كنت أستشف فيه بين أفنية الورق وخلف تخوم الحروف غياهب من وجع كانت تطغى على "عادل" و يبدو لي إنها كانت شاغله الأكبر في طفولته هو ذاك المرض العضال الذي ألم به طفلا  ولم يبارح جسده  إلا مصابا بعاهة لازمت جسده، ولم تتمكّن من روحه؛ عرقلته كثيرا  عن ممارسة شقاوته طفلا كما أحب و أراد.
 وقد كان ذلك ما يثير خوف العم عليه ويستفز غضبه، ويجعل نهايته إثر كل إنطلاق للعب مع أقرانه هي خضرية عمه مسلطة على ظهره وكما يقول عادل أو رفض أن يقول بأن كل ذي عاهة جبار، فأنا أراه إنه كان جبارا حقا ما كان يرضى بالهزيمة و يبيتُ موسوما بالخسارات حتى و إن كانت على مستوى لعبة الكيرم!!
أحزنتني كثيرا قصة موت الجَدّة ووقفت عندها وكلي إدراك أنها كانت نقطة تحول وفاصلة من وجع على حبر أحزان صاحب مقنيات، ذاك الطفل الذي تيتَّمَ باكرا و لم يحمل ذكريات تواسيه عن والده ها هو اليوم يتلظَّى بنار الفقد الأكبر حين تحترق جدته وتغادره وهي التي كانت منهمكة بإعداد الغداء لحفيدها فرحلت، ورحلت معها كل معاني التضحية والحب والوفاء التي كانت تسكبه على أيتام فقيدها (والد عادل) لتعوِّض فقدانه فيهم و هاهي اليوم ترحل و عمر الحفيد من الوجع اثنا عشر عامًا..
لقد كانت الضواحي والنخل والفلج وجرفة شنوه و ذكريات مدرسة عزان بن قيس الثانوية، و ذكريات مغامرات القسم الداخلي، وكازنوفا القسم اللاوسيم؛ كثيرا ما تطبع على جبين عادل سعيد كدمة، وعلقة تجعله يصول و يجول و يعود لينفر و ينتقم و لا يخلو من كونه موسوسا و محرضا في أمور ذات عفرتة و شقاوة و استفزاز...
أخيرا يا عادل لي عتب عليكَ: لماذا خلعت جبائر الجبس، واستسلمت وهربت من عملية جراحيةٍ كانت ستغير مجرى أقدامك بنسبة 70 بالمئة؟! لماذا كان عنادك حتى فيك و لك...
عادل الكلباني: على مقنيات طفولتك وأهلها مني السلام.

تعليق عبر الفيس بوك