أسياد البحار يعودون لتاريخهم

 

محمد بن عيسى البلوشي

 

يبدو أنَّ المُهمة الإستراتيجية - وليست المستحيلة طبعًا- أمام  وزارة النقل والاتصالات في استثمار الفرص المواتية لتطبيق رؤيتها لموانئ السلطنة باتت أكثر وضوحًا وقربًا للتنفيذ، فزيارة معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات مع مسؤولي قطاع الموانئ والشؤون البحرية والتقائه مسؤولي عدد من الجهات بميناء صحار جعلت مُهمة تعظيم عوائد هذا القطاع أكثر جدية وطموحًا، وذلك لمساهمتها في القطاع اللوجيستي الذي تنظر إليه عمان بشكل مُباشر.

الزاوية التي تنطلق عبرها وزارة النقل والاتصالات إلى موانئ السلطنة هي مهمة وحساسة في مثل هذا الوقت من عمر الظروف الاقتصادية العالمية، فمستوى الخطاب السياسي العالمي أصبح مقلقاً للاقتصادات الكبيرة والتي توثر بالتوازي على الاقتصادات النامية، فمن المهم جدًا أن نكون نقطة تحول إيجابية في المشهد الاقتصادي العالمي، وتكون موانئنا هي "فنر" ترشد السفن العابرة لظلمات الاقتصاد إلى مرافئ أكثر دفئاً وأمانًا.

 

ميناء صحار في اعتقادي الشخصي أحد الموانئ المهمة في تاريخ الملاحة البحرية العالمي، وأعتقد بأن ما ذهبت إليه الحكومة في وصف المرحلة الحالية التي يشهدها الميناء في ظل التطورات، هي "نقطة تحول مهمة نحو جعل السلطنة مركزاً لوجيستياً إقليمياً وبيئة جاذبة للاستثمار"، يجعلنا نؤكد أهمية أن تعمل الحكومة على "تكامل ربط المرافق والخدمات اللوجيستية المختلفة وتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لرفع التنافسية" وهو ما أشار إليه المسؤولون خلال زيارتهم الأخيرة وأكدوا عليه، وهذا ما يجعلنا نؤكد أهمية تعزيز التكامل بين الجهات ذات العلاقة بالقطاع الاقتصادي والذي من الضروري أن تعمل جميعها في اتجاه واحد وضمن فريق عمل تكاملي واحد.

 

بكل تأكيد تمضي الحكومة نحو هذا الاتجاه الجديد في هذه المرحلة من تاريخ موانئ السلطنة القديم جداً، وهذا الدور الريادي الذي تلعبه موانئنا في ممر الاقتصاد العالمي بحكم موقعها الإستراتيجي أمر طبيعي يتطلب من الجهات المختصة أن تضع برنامجًا في كيفية استثماره بالنظر في احتياجات السوق العالمي، والتي بلا شك هي حاضرة في ميناء صحار الذي يتوفر فيه التخليص الجمركي المسبق المطبق تجريبيًا، وهو "نظام يعمل على تمكين جميع المتعاملين بالشحن والمشغلين بالموانئ من سرعة تبادل المعلومات التفصيلية للبضائع قبل وصولها مما يتيح التخطيط لحركتها ويرفع كفاءة التخليص من خلال تخفيض الوقت والتكلفة".

 

ربما لم تكتف وزارة النقل والاتصالات بهذا الحد بل تذهب بعيدا نحو إجراءات قادمة تضمن تسهيل التخليص التجاري وتوفير تطبيقاتها المتنوعة من خلال تعميم التجارب الناجحة على الموانئ والمنافذ الحدودية التي تعمل بتوازٍ مستمر والسعي بجدية إلى تحقيق التكامل بين الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية ولتعزيز الأداء والقدرة التنافسية والكفاءة.

 

هذه الزاوية البعيدة النظر التي تدخل عبرها موانئ السلطنة مرة أخرى في حسابات الممرات العالمية هي ما تعزز دور السلطنة الريادي في الملاحة البحرية وهي ما ستجعل أسياد البحار يعودون إلى نشاطهم التاريخي العريق في إيصال الشرق بالغرب برؤية عمانية أصيلة تغلب عليها المصالح العامة كما تعودت البشرية عليها منذ آلاف السنين.