الجمهورية الشعبية تعد أكبر مستوردي النفط العُماني

الصين تتجه إلى شراء النفط بالذهب لتحجيم "هيمنة الدولار".. والبداية في "شنغهاي"

 

التوجه الجديد "يغير قواعد اللعبة بالكامل" في سوق النفط والغاز حول العالم

الخطوة الصينية ستسمح لروسيا وإيران بالتحايل على أي عقوبات أمريكية مستقبلية

بكين تشجّع المصدرين بالتزامها بتحويل اليوان إلى ذهب في تبادلات شانغهاي وهونج كونج

 بكين خفضت حصة السعودية من وارداتها إلى 15% العام الماضي

بورصة شانغهاي للطاقة تجري اختبارات لتطبيق نظام التشغيل الجديد

 

 

الرؤية – نجلاء عبد العال

 

في خطوة قد تتحول إلى علامة فارقة في صناعة النفط والغاز عالميا والاقتصاد الدولي بشكل عام بدأت جمهورية الصين الشعبية اتخاذ الإجراءات الفعلية نحو تنفيذ خططها المعلنة مسبقاً لشراء مستورداتها من النفط باليوان والذي يجري تعييره بالذهب، وليس بالدولار كما اعتادت، وهو ما قد يؤثر على وضع الدولار الذي تعتمده غالبية دول المنطقة المصدرة للنفط ومنها السلطنة كمقيّم لعملتها المحلية، وتصدر النفط مسعراً بالدولار.

وتعد الصين أكبر مستوردي النفط العماني على الإطلاق ورغم أن حجم استيرادها السنوي يتذبذب من شهر لآخر إلا أنها تبقى أكبر المستوردين، ووفقاً لآخر إحصائية صادرة عن وزارة النفط والغاز فإنَّ الصين استوردت خلال شهر يوليو الماضي ما نسبته 65.38% من إجمالي التصدير النفطي العماني وبما يوازي ما يقرب من 16.6 مليون برميل، بينما في الشهر السابق -يونيو- كانت نسبة الاستيراد الصيني من نفط عُمان تقارب 74% من إجمالي المصدر في الشهر وبما يوازي نحو 17.87 مليون برميل.

ومع تأكيد المسؤولين العمانيين على استمرار ربط الريال العُماني بالدولار إلا أنّه ليس في قواعد هذا الربط ما يُعيق التصدير والاستيراد بعملات أخرى، ومع اعتبار أن تصدير المشتقات النفطية يُعد أكبر مصدر للعملة الأجنبية إلا أنَّ النظام الصيني الجديد في التعاملات النفطية يتيح شراء النفط باليوان الصيني أو ما يعادله ذهباً، وهو ما يفيد الدول التي ستتعامل عبره في تكوين احتياطي لا بأس به من المعدن الأصفر الذي يعد ملاذا استثمارياً آمناً خاصة في ظل التوترات السياسية والاقتصادية العالمية.

وفي اتصال لـ"الرُّؤية" مع أحد المسؤولين بوزارة النفط والغاز ذكر أنَّ القرار الصيني لم يصل بشكل رسمي وبالتالي لا يُمكن التعليق عليه. ولا يبدو من الصيغة التي سربت بها الصين القرار أنَّ التطبيق سيكون إلزاميا على جميع العقود، بل غالباً فإنه سيبدأ في بورصة شنغهاي للعقود الآجلة والتي تتعامل في عقود نفطية من المنتجين مباشرة بالإضافة إلى عمليات إعادة الشراء والبيع.

ونشر نيكيي آسيان رفيو تقريرا شمل آراء لخبراء دوليين اعتبروا أن القرار من شأنه أن يُغير قواعد اللعبة بالكامل في مجال النفط والغاز، وتنشر "الرؤية" التقرير الصادر بالأساس باللغة الإنجليزية نظرا لأهميته.  

 

تغيير قواعد اللعبة

وقد أوضح التقرير أن إطلاق الصين -قريبا- لعقود آجلة للنفط الخام بسعر اليوان وقابلية للتحويل إلى ذهب من شأنه وفقاً للمحللين أن يغير قواعد اللعبة لهذه الصناعة، ويمكن أن يصبح هذا العقد أهم معيار للنفط الخام فى آسيا، نظراً لأنَّ الصين تعد أكبر مستورد للنفط في العالم، فيما الوضع الحالي أنه يجري تسعير النفط الخام ارتباطا بخامي برنت أو غرب تكساس المتوسط الأجل، وكلاهما مقومة بالدولار الأمريكي. وستسمح خطوة الصين للمصدرين مثل روسيا وإيران بالتحايل على العقوبات الأمريكية عن طريق التداول باليوان. ومن أجل جذب المزيد من التجارة، قالت الصين إن اليوان سيكون قابلاً للتحويل بالكامل إلى الذهب في التبادلات في شانغهاي وهونج كونج.

وقال لوك جرومين، مؤسس شركة أبحاث الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة، "قد تبدأ قواعد اللعبة العالمية للنفط في التغير بشكل كبير".

وقد بدأت بورصة شانغهاي الدولية للطاقة في تدريب المستخدمين المحتملين، وتقوم باختبارات نظم التشغيل الفعلي بعد الاستعدادات الفنية النهائية التي جرت خلال شهري يونيو ويوليو. وسيكون هذا أول عقد للسلع الآجلة في الصين مفتوحًا أمام الشركات الأجنبية مثل صناديق الاستثمار وشركات الاستثمار التجارية وشركات البترول.

ويشار إلى أنَّ معظم واردات الصين من النفط الخام، التى بلغ متوسطها حوالي 7.6 مليون برميل يوميًا في عام 2016، يتم شراؤها عبر عقود طويلة الأجل بين شركات البترول الكبرى الصينية وشركات النفط الوطنية الأجنبية. كما تجري صفقات بين الشركات الصينية والمصافي الصينية المستقلة، وبين شركات النفط الأجنبية والشركات التجارية العالمية.

وقال آلان بانيستر مدير آسيا في شركة S & P غلوبال بلاتس، وهي مزود معلومات الطاقة، إنَّ المشاركة النشطة من قبل المصافي المستقلين الصينيين على مدى السنوات القليلة الماضية "قد أوجدت تنوعا متزايدا من الشركاء المحليين في الصين، مما خلق بيئة ترفع آفاق نجاح نظام العقود الآجلة الجديد".

ويرجح التقرير أنَّ القرار الصيني يأتي امتدادا لرغبتها منذ فترة طويلة في الحد من هيمنة الدولار الأمريكي على أسواق السلع في التجارة العالمية، وتم بالفعل تداول العقود الآجلة للذهب المقومة باليوان في بورصة شانغهاي للذهب منذ أبريل 2016، ومن المخطط أن يطلق اتباع هذا الإنتاج للتقويم الذهبي لليوان في بودابست في وقت لاحق من العام الجاري، كما تم إبرام عقود ذهبية مقومة بالذهب في هونج كونج في يوليو بعد محاولتين سابقتين لم تنجحا، وكل ذلك في محاولات سعي الصين إلى تدويل عملتها، وقد حققت العقود نجاحاً معتدلاً.

وقال ألاسدير ماكليود، رئيس قسم الأبحاث في شركة جولد موني، وهي شركة خدمات مالية مقرها في تورونتو، إن وجود عقود النفط والذهب الآجلة المدعومة باليوان يعني أن المستخدمين سيحصلون على خيار الدفع بالذهب الطبيعي. وقال ماكليود "إنها آلية من المحتمل أن تجذب منتجي البترول الذين يفضلون تجنب استخدام الدولار، ولكنهم في نفس الوقت غير مستعدين بعد لقبول اليوان لسداد مبيعاتهم النفطية للصين".

ومن جانبه، قال لويس فنسنت جيف الرئيس التنفيذي لشركة جافيكال للبحوث وهي شركة بحث مالي مقرها هونج كونج، إن عقود الذهب المقومة باليوان لها انعكاسات هامة وخاصة بالنسبة لبلدان مثل روسيا وإيران وقطر وفنزويلا، مشيرًا إلى أنَّ هذه الدول ستكون أقل عرضة لاستخدام واشنطن للدولار كـ"سلاح ناعم"، خاصة إذا تعارضت مع سياسات الولايات المتحدة الخارجية، مضيفاً: "من خلال إنشاء عقود مُستقرة تتعامل بالذهب مقومة باليوان، فيمكن أن تبيع روسيا النفط إلى الصين مقابل اليوان، ثم تأخذ الزيادة من اليوان التي تحصل عليها لشراء الذهب في هونغ كونغ أو لشراء أصول في الصين أو تحويل العائدات إلى الدولارات".

وقال غرانت ويليامز، مستشار شركة فولبس لإدارة الاستثمارات، وهو راعي لصندوق التحوط مقره سنغافورة، إنه يتوقع أن يسعد معظم منتجي النفط لتبادل احتياطياتهم من النفط بالذهب. وقال "إنها عملية تحويل ثرواتهم من سائل أسود إلى معدن أصفر، إنها خطوة إستراتيجية للتبادل النفطي بالذهب، بدلاً من الدولارات الأمريكية، والتي يمكن طباعتها في الخزانة الأمريكية بسهولة".

 

تبادل الحصص السوقية

وقد أوضحت الصين للمنتجين أن من سيرحبون بالبيع باليوان سيستفيدون من المزيد من فرص الأعمال، بينما المنتجين الذين لن يبيعوا إلى الصين باليوان فإنهم سوف يفقدون حصصًا في السوق. وربما تأتي المملكة العربية السعودية، حليفة الولايات المتحدة، في هذا الباب، فقد ذكرت وسائل الإعلام الصينية أن الصين اقترحت تسعير النفط السعودي باليوان فى أواخر يوليو الماضي. ومن غير الواضح ما إذا كانت المملكة العربية السعودية سوف تخضع لأكبر مستورد لنفطها، ولكن بكين قد خفضت حصة المملكة العربية السعودية من إجمالي وارداتها، حيث تراجعت من 25% في عام 2008 إلى 15% في عام 2016.

وبينما سجلت واردات الصين النفطية تزايدا بنسبة 13.8% على أساس سنوي خلال النصف الأول من عام 2017، إلا أن الإمدادات من المملكة العربية السعودية ارتفعت بنسبة 1% فقط على أساس سنوي. وخلال نفس الإطار الزمني، قفزت شحنات النفط الروسية 11%، مما يجعل روسيا أكبر مورد في الصين. وكانت أنجولا، التي جعلت اليوان العملة القانونية الثانية في عام 2015، تخطت ترتيب المملكة العربية السعودية لتحتل المرتبة الثانية مع زيادة الصادرات النفطية إلى الصين بنسبة 22% في نفس الفترة.

وقال جاف "إذا وافقت السعودية على عقود تسوية النفط باليوان، فإن ذلك سيكون له وقع قوي في واشنطن حيث سترى وزارة الخزانة الأميركية في هذا تهديدا لهيمنة الدولار، كما سيكون من غير المحتمل أن تستمر موافقة الإداراة الأمريكية على مبيعات الأسلحة الحديثة للسعودية وضمنياً حماية النظام الحاكم".

والبديل بالنسبة للمملكة العربية السعودية كذلك غير مستساغ؛ حيث يقول جاف "إن الانحسار من السوق الصينية سوف يعني تدريجيا ضخ مزيد من مخزونات النفط الزائدة على الساحة العالمية، وبالتالي انخفاض أسعار النفط باستمرار".

ولكن المملكة تعمل على إيجاد طرق أخرى للدخول في شراكة مع الصين. ففي 24 أغسطس المنصرم قال نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري فى مؤتمر عقد فى جدة إن الحكومة تبحث إمكانية إصدار سندات مقومة باليوان. كما وافقت السعودية والصين على إنشاء صندوق استثمار مشترك بقيمة 20 مليار دولار.

وعلاوة على ذلك، يمكن للبلدين أن يعززا علاقتهما إذا استطاعت الصين تحقيق استثمار أساسي في الاكتتاب العام الأولي المخطط له في شركة أرامكو السعودية بنسبة 5%، وهي شركة النفط الوطنية السعودية. ومن المتوقع أن يكون الاكتتاب الأكبر من نوعه، على الرغم من أنَّ التفاصيل حول مكان الإدراج والتقييم لا تزال ضئيلة.

وقال ماكليود: "إذا كانت الصين ستشتري في أرامكو السعودية فإنَّ أسعار النفط السعودي يمكن أن تتحول من الدولار الأمريكي إلى اليوان الصيني"، موضحًا أنه إذا كانت الصين قادرة على ربط أرامكو مع روسيا وإيران وآخرين فإنها ستكون لها درجة من التأثير على ما يقرب من 40% من الإنتاج العالمي وستتمكن من فرض رغبتها فى استبدال الدولار باليوان".

وأضاف "إن ما يثير الاهتمام هو أن القيادة الصينية كانت مخططة أساسا لتنظيف الأسواق في العام القادم ولكنها قررت فعل ذلك العام الجاري". وقال سيمون هانت، المستشار الاستراتيجي للمستثمرين الدوليين في الاقتصاد الصيني والجغرافيا السياسية، إن إحدى التفسيرات لهذا التغيير هي أنهم قدموا اليوم الذي يدفعون فيه للنفط باليوان".

وتبذل الصين جهودًا لوضع معايير أخرى للسلع مثل الغاز والنحاس حيث تسعى بكين إلى تحويل اليوان إلى العملة التجارية الطبيعية لآسيا والأسواق الناشئة، ومن المتوقع أن تجذب العقود الآجلة للنفط باليوان الاهتمام من المستثمرين والصناديق، بينما ستوفر شركات النفط المدعومة من الدولة مثل بتروتشاينا والصين للبترول والكيماويات (سينوبك) السيولة لضمان التجارة. وتعتبر الكيانات المسجلة محلياً في جي بي مورجان، وهي بنك أمريكي، وبنك يو بي إس، أحد البنوك السويسرية، من بين أول من حصل على الموافقة على تجارة العقود. ولكن من المفهوم أن السوق ستكون أيضًا مفتوحة للمستثمرين الأصغر والمتداولين بالتجزئة.

تعليق عبر الفيس بوك